افرزت الاحداث الاخيرة على الساحة العربية وخاصة في سوريا ومصر مالين عربيين خليجيين متنافسين على الساحة من اجل استرضاء السيد الامريكي, الاول كان المال القطري الذي تبنى دعم مشروع الاخوان المسلمين في مصر وسوريا وليبيا وتونس . طبعا ليس عن عقيدة او عن مصلحة قطرية , لان عقيدة الاخوان لا تلتقي ابدا مع عقيدة امراء الخليج وحكوماتهم عامة وامراء قطر وحكومتهم خاصة , كما ان مصالح قطر الاقتصادية – كدولة صغيرة تمتلك اكبر احتياطي غاز في العالم – لا تحتاج اقتصاديا الى مصر او سوريا المحدودتي الثروات , ولا تحتاج قطر لهما سياسيا او عسكريا ايضا, لان هذه الدويلة اي قطر هي عبارة عن محمية غربية تضج بالجنود والقواعد العسكرية الامريكية . وعلى ما سبق فان الدور القطري لا يتعدى ابراز شطارة “الطالب” القطري للاستاذ الامريكي وخطب وده . وقد قدمت قطر المليارات من الدولارات للمعارضة السورية المسلحة وللمنظمات الارهابية التي دمرت العمران وقتلت الانسان , وهي تسعى الى اسقاط الدولة السورية, تلبية للمشروع الاسرائيلي الامريكي الذي بات واضحا اوضح من قرص الشمس . ولان الاخوان الذين تدعمهم قطر في سوريا هم أنفسهم في مصر, فقد عمدت قطر الى دعم الاخوان هناك وتعزيز حكمهم بمليارات الدولارات ايضا وكان آخرها المنحة والودائع التي ناهزت الثلاثة مليارات دولار . مع كل هذا لم تستطع قطر اسقاط الدولة السورية لصالح اسرائيل وامريكا مع عظيم الاموال والجهود التي بذلتها , بدءا بتحويل الجامعة العربية الى رواق خلفي لصاحب القرار الامريكي ووصولا الى ارسال الاسلحة والاموال والارهابيين الى الاراضي السورية , مرورا بشراء الاصوات في المنظمات الدولية والاقليمية . وبينما كان امير قطر السابق وحكومته يسعون الى تحقيق الاهداف التي رسمها لهم سيدهم الامريكي , كان ملك السعودية وحكومته يمنون انفسهم ويسعون الى افشال قطرفيما كُلفت به, خوفا ان تكون هذ الـ قطر هي الصبي الامريكي المفضل عليهم لدى صاحب البيت الابيض .
اخيرا فشلت قطر في مهمتها تحت ظروف عديدة ومختلفة وكان ابرزها صمود الدولة السورية وجيشها ومن ورائهم اصدقائهم وحلفائهم , وطوال هذه الفترة كان حكّام السعودية يترقبون , واخيرا عاد اليهم الامريكي وكلفهم بالمهمة نفسها التي كان قد كلّف بها من قبل قطر – بضغط اسرائيلي – ولكن السعوديين ورغم سعادتهم باستعادة ثقة سيدهم الامريكي بهم , امعنوا بمحو الدور القطري, او لنقل تمنو ان يمحو هذا الدور الذي قد يحسب لقطر ذات يوم سواء في سوريا او في مصر, وفي اللحظات الاولى التي سقط حكم الاخوان في مصر او لنقل بعد لحظات من عزل الرئيس الاخواني محمد مرسي عن الرئاسة في مصر , مع اولى تلك اللحظات وقفت السعودية مع قرار عزل مرسي وباركت لرئيس مصر الجديد المكلف عدلي منصورمنصبه . لم يكن هذا الموقف انفعاليا او متسرعا بل, كان موقفا مبنيا على رغبة وتصور وانتظار وتنسيق وعمل , والا كيف نَصِف موقف حزب النور السلفي المصري المتشدد اكثر من الخوان الى جانب من عزلوا مرسي !؟ والجميع يعلم ان هذا الحزب انما يمثل التوجه الديني السعودي وامنداده , وانه وان انتشر في بلدان عربية واسلامية كثيرة, الا ان عقيدته وايدلوجيته ومرجعيته الفكرية والدينية هي سعودية بامتياز وانه حزب المذهب الوهابي الذي يحكم التدين في هذا البلد منذ ما يزيد على القرن من الزمن .
التدخل السعودي في مصر وسوريا هو اخطر بكثير من التدخل القطري الذي دمر البلدين . وتكمن هذه الخطورة في طبيعة عقلية النظام السعودي السياسي والديني المنغلق. وفي قدرة السعودية المالية والسياسية ونفوذها في المنطقة والعالم, اعتمادا على موقعها الجغرافي ومساحتها الشاسعة وثقلها السكاني وثروتها النفطية وتزعمها لدول الخليج . ربما لا يشكل كل هذا الذي تحدثنا عنه الخطر الحقيقي الكبير من التدخل السعودي . بل ان الخطر الحقيقي الكبير يكمن في طبيعة التنظيمات الدينية الطائفية المتطرفة التكفرية الارهابية التي تديرها السعودية من خلال منظمات مختلفة ابرزها السلفية الوهابية التي يفتي شيوخها يوميا بتكفير الاخر وجواز قتله واغتنام امواله وسبي نسائه واهله . الخطر الحقيقي في الدور السعودي هو ان توظف السعودية منظماتها الدينية التكفيرية في حكم مصر وادارة الصراع في سوريا . والخطر الاكبر على مصر هو ان تضغط امريكا على السعودية او ان تدفع السعودية نفسها بالتيار السلفي اما الى سدة الحكم او الى ضرب الامن والاسقرار في مصر .
اذن السعودية استكملت ادواتها , اذ دفعت حزب النور السلفي في مصر الى الواجهة ليكون بديلا عن الاخوان ومن المرجح ان يحصل هذا الحزب السلفي على الاغلبية في اية انتخابات مصرية بتحالفه مع التيارات الاسلامية الاخرى او ربما حتى مع الاخوان ومؤيديهم . وفي سوريا استطاعت السعودية ان تُزَعّم مرشحها احمد عاصي الجربا التحالفَ السوري المعارض ومعروف بان الجربا عشائري النزعة والهوى وهو موالٍ للسعودية ومقيم على اراضيها منذ زمن .
مصادر دوبلماسية روسية اعربت عن تفائلها ازاء امساك السعودية للملف السوري , مشيرة الى ان فوز حليف السعودية احمد الجربا برئاسة التحالف السوري المعارض يفتح الباب واسعا الى مؤتمر جنيف الثاني, مع ان الوقائع والاحداث على الارض توشير الى غير ذلك, وتنذر ببدء جولة جديدة اكثرعنفا وتدميرا وقتلا في سوريا , تزامنا مع ولاية السعودية على المعارضة السورية . اما في مصر فقد ظهرت بوادر خلاف عصي ما بين حزب النور السلفي – التابع للسعودية – وجبهة الانقاذ ومعها المعارضين الذين اسقطوا حكم الاخوان . وفي خضم هذه الحال والاحداث تبرز صورة واضحة مدعومة بالوقائع والاحداث تشير الى حقيقة فشل المشروع الامريكي في المنطقة . فبعد ان افشل السوريون “متمثلين بمؤسسات الدولة السورية وخاصة جيشها” بالقوة المشروعَ الامريكي القاضي باسقاط نظام الحكم ثم اسقاط الدولة وتقسيمها , جاء دور المصرين باسقاط هذا المشروع عن طريق التظاهر ضد حكومة الاخوان المدعومين من امريكا واسقاطها, فتوحد المصريون مع جيشهم وهزموا مشروع امريكا واسرائيل في مصر وربما في المنطقة كلها , بقي ان نقول والقول مبني على وقائع : ان امريكا وحلفائها العرب وخاصة السعودية سوف يلجؤون الى ضرب امن مصر من خلال الارهاب السلفي التكفيري وربما من خلال عسكرته والاخوان المسلمين كما فعلت ولمّا تزل تفعل في سوريا , والضغط على مصر اقتصاديا من اجل اثارة المزيد من الفوضى والتذمر لدى الشعب المصري . ومحاصرة الجيش المصري لوجستيا وماليا كما تشير تصريحات المسؤولين الامريكان الاخيرة والقائلة بحجب المساعدات عن الجيش المصري بحجة انقلابه على السلطة الشرعية .