دور المرأة في تحقيق متطلبات الحداثة في المجتمع

دور المرأة في تحقيق متطلبات الحداثة في المجتمع

ان قضية تحرير المرأة من قيود التقاليد والعادات ومحاولة تعزيز مكانتها وادماجها في الحياة العامة للمجتمع ترتبط ارتباطا عضوياً بمشكلات عدم تحقيق متطلبات الحداثة التي يعيشها المجتمع ، فالتغير في سلوك المرأة التقليدية يرتبط بنوعية تطلعاتها نحو ذاتها اذ غالباً ما تكون المرأة المتحررة اكثر ميل للاضطلاع بمسؤوليات جديدة ترشحها لدورها من المرأة ذات التطلعات الذاتية المحافظة ، كما وان دورها يتأثر بالبنى الاجمالية والاوضاع التي يعاني منها المجتمع والخروج من هذه الوضعية لا يمكن ان ينجح ما لم تساهم الجهات ذات العلاقة بإتاحة الفرص امام المرأة للمشاركة في مختلف الميادين والمجالات ومنها دعمها في تحقيق متطلبات الحداثة.
ان مساهمة المرأة في اي نشاط لمدة من الزمن غالباً ما تتجه للحفاظ عليه اذ يصعب عليها بعد ذلك تغيير نمط حياتها وهي بذلك لا تعزز ذاتها بل تساهم ولحد كبير في ترسيخ تطلعات الاخرين نحوها وينسحب هذا في اوضاعها على الرغم من التباين في طبيعة العوامل التي تجتذبها للاستمرار بهذا النشاط .
ان وجود تباينات واضحة في الفرص المتاحة امام المرأة للمشاركة في تحقيق متطلبات الحداثة والتي تشترك بعضها البعض بملامح عامة على الرغم من اختلافها في بعض الخصائص ، فأن الحقائق تشير الى ان نسب المشاركات بشكل عام ما زالت متدنية نسبياً عن غيرها .
وتأتي أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية لكونها اليد الطولى في تكوين شخصية المرأة بما تحمله من قيم وعادات وتقاليد وتراث شعبي وحقوق وواجبات وضبط اجتماعي ، وكذلك العوامل الثقافية المتعلقة بوعي المرأة والتعليم والصحة والمساهمة في مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني وأثرها في تكوين شخصيتها فضلاً عن تباين دورها في تحقيق متطلبات الحداثة في المجتمع.
ومن المؤكد ان المرأة تتقدم بصورة واضحة مع زيادة التقدم الاجتماعي ويتضح ذلك من خلال التعمق في طرح دور المرأة في تحقيق متطلبات الحداثة في المجتمع.
ومن هذا المنطلق وجب التركيز على مفاهيم جديدة واقتراح وسائل واجراءات تساعد على دعم مساهمة المرأة في تحقيق متطلبات الحداثة وجعلها انماطاً يعزز نظرتها لذاتها ويساهم في ترسيخها وينسحب على اوضاعها ونظرة المجتمع لها وبهذا نستطيع ان نحقق ما نسعى اليه من اهداف وغايات .
ان قضايا المرأة تمثل احد أهم المحاور في المناقشات السياسية والاجتماعية والثقافية في اغلب المجتمعات ، على الرغم من اختلاف الرؤى الفكرية حول طبيعة التعامل مع قضايا المرأة بين المجتمعات المختلفة . الا أن المرأة لا تزال احدى الدعامات الاساسية التي لا يمكن التخلي عنها لبناء المجتمع لكونها تمثل الحرية والحياة العامة ومنبع المجتمعية الصحيحة.
ان بعض المجتمعات وخاصة العربية تنظر الى المرأة نظرة متدنية كان لها دور كبير في اثارة اهتمام الكثير من الباحثين والمختصين لدراسة هذه المشكلة والتي تمحورت حول قضية المرأة ودورها في تحقيق متطلبات الحداثة ومدى شرعيته ، الا أن اهمال هذا الجانب او عدم الاهتمام ببعض المواضيع المهمة ذات العلاقة بقضايا المرأة في بناء شخصيتها وتكوينها هو الذي دفع الباحثة الى دراسة اظهار الدور التعليمي والثقافي والاجتماعي والسياسي والصحي المؤثر في تكوين شخصية المرأة التي عانت من الاهمال وعدم الاهتمام بدورها في تحقيق متطلبات الحداثة
ان للدور التعليمي والاجتماعي والثقافي والسياسي والصحي اثر في تكوين شخصية المرأة والذي حصل من خلال التنشئة الاجتماعية بكل جوانبها , وتكوين شخصيتها من خلال التربية الأسرية والاجتماعية وأثر هذه الادوار في سلوكها وسماتها الشخصية أم الاجتماعية .
ان شخصية المرأة في المجتمع تكمن من اهمية الرسالة التي تؤديها إبتداءاً من الاسرة حين تقوم برعاية اولادها وتربيتهم التربية الصحيحة المبنية على الاخلاق والدين ، ولا يمكن أن تؤدي المرأة هذه الرسالة الا عندما تكون مهيأة لذلك ، لكونها تمتلك صفات تميزها عن الرجل وتجعلها قادرة على تقديم معاني الرحمة والحنان لأولادها .
ان شخصية المرأة في اسرتها تتعدى مهمة التربية الى مهمة اعداد جيل من الأبناء لحين التعامل مع مجتمعه ولحين العطاء ، فتزوده بالمهمات الاجتماعية اللازمة لذلك ، كما تبين حق المجتمع عليه , فهي حين تؤدي رسالتها بالمجتمع بما تحمله من شهادات علمية تمكنها من تعليم الاجيال ، وكم نرى من معلمات يربين الطلبة على الاخلاق الحميدة ويزودونهم بالعلم النافع في حياتهم ، وبالتالي فإن شخصية المرأة الثقافية لها جانب مهم في محاربة الجهل والتخلف وتنوير المجتمع بالعلوم والمعرفة في كل مجالات الحياة .
ان ما يحدد مكانة المرأة كونها تمثل الحياة والحرية ومنبع المجتمعية الصحيحة
هو موقعها في العمل أي وجودها ودورها في العملية الانتاجية والذي يحدد بدوره شكل و نموذج العلاقة الانسانية بينها وبين الرجل على المستوى الاجتماعي والاقتصادي ثم الفكري ، وهذه هي لب الاشكالية التي تتمحور حولها عملية الحقوق والواجبات البشرية لكل الجنسين والذي يؤكد على أن العمل وحده يتيح للمرأة الاستقلال المادي الذي يساعدها على الاستقلال الفكري والنفسي وينمي مداركها ويوسع آفاق وعيها لذاتها وقدراتها.
الا ان المرأة وخاصة العراقية لا زالت تصارع حزمة واسعة من الاعتراض والعوائق المصطنعة والمفاهيم المتشددة التي وضعت في طريق انعتاقها ونيل حقوقها ، وباتت اسيرة ضمن نظم وأطر سياسية واجتماعية واقتصادية جعلتها بعيدة جداً عن الموقع الاجتماعي المناسب لقدرتها الجسدية وكفاءتها الفكرية والمهنية ( Mawdoo.com) , ويعود السبب في ذلك الاقصاء الى عاملين اساسيين :
– العامل الاول : يتمثل في النظام الأبوي الصارم الذي اجبر الغالبية من نساء العراق على ان يبقين فقط ربات بيوت يلبين حاجات الرجل والعناية بالأطفال .
– العامل الثاني : هو الأشد سطوة وقسوة متمثل بمنظومة الأفكار الاجتماعية والدينية التي تضع المرأة دائما في مقام ادنى من مكانة الرجل وتحجب عنها أي فرصة للحراك الاجتماعي والاقتصادي الذي تنال به حقوقها الانسانية . ( العكام – Almothagaf.com).
أن تطور ورقي أي مجتمع بات يقاس بدرجة التطور الثقافي والاجتماعي للمرأة ومساهمتها الفعالة في البناء الحضاري للمجتمع ، فالمجتمع الذي يصل الى احترام المرأة والتعامل معها كإنسان متكامل له كامل الحقوق الانسانية وآمن بدورها المؤثر في بناء وتطور المجتمع يكون مجتمعا قد بلغ مرحلة من الوعي الانساني وفهم اسس التربية الانسانية الصحيحة والتي تتحمل المرأة وزرها الأكبر ويكون قد تخلص من التقاليد والاعراف البالية التي سادت المجتمع التي تسحق كرامة المرأة وتضعها في مكانة اقل من مكانتها الحقيقية .
ان التطور والبناء الحضاري لأي مجتمع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور ثقافة ووعي المرأة ومساهمتها الفعالة بهذا البناء ليكون مجتمعاً مدنياً قائما على المواطنة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والمبادئ الانسانية ولا يمكن لأي مجتمع ان يبني حضارة دون ان تساهم فيه المرأة مساهمة فعالة .( ماجد ايليا- ankawa.com) .
ان تقدماً ملحوظاً قد سجل في العقود الأخيرة في بعض الدول العربية ومنها العراق لقضية المساواة بين الجنسين في سياق العمل . فترى اليوم تقدم المرأة في بعض من الوظائف والمهن والمراكز الادارية والتي كانت حكراً على الرجل لأكثر من عقود خلت وذلك بمساعدة الحكومات والمؤسسات والنقابات ودعمها بالطاقة الفكرية والثقافية وفسح المجال امام قدراتها لتكون نداً للرجل في بناء هذا المجتمع . ( Stactimes.com) .

ان التغيير في انماط سلوك المرأة التقليدية يرتبط بنوعية تطلعاتها نحو ذاتها اذ غالبا ما تكون المرأة المتحررة اكثر ميلاً للاضطلاع بمسؤوليات جديدة من المرأة ذات التطلعات المحافظة . كما ان دورها في تحقيق متطلبات الحداثة يتأثر الى حد كبير بالبنى الاجتماعية والأوضاع التي يعاني منها المجتمع ، فعدم مساهمة المرأة بأي نشاط او عمل يعود لخصاصها الذاتية احيانا كعدم رغبتها بالمساهمة ولخصائص ماثلة في المواقف التي تعايشها ضمن اسرتها مثل وضع أهلها الاقتصادي وعدم تشجيعهم لها ، واهتمامهم بالذكور اكثر من الاناث وخاصة الأم لمساعدة البنت لها بأعمال البيت وغيرها .
لذا وجب زيادة الاهتمام بكيفية تغيير ادوار المرأة وتحسين مكانتها في المجتمع خلال المرحلة الراهنة التي يعيشها بلدنا العزيز ، وذلك من اجل الاندماج الكامل في عمليات تحقيق متطلبات الحداثة وزيادة مشاركتها فيه ، لما له من تأثير في تغير نظرتها لذاتها وتطلعاتها وإتاحة فرص اوسع للمشاركة الفعلية في عمليات تحقيق ذلك ، لأن المرأة لا يمكن النظر اليها من دون ربطها بوضعها في المجتمع ونظرته اليها من جميع الزوايا التعليمية والاقتصادية والسياسية وما يترتب على عملها من آثار على بنية وظائف الأسرة والمجتمع .

ان تعليم المرأة هو الحجر الأساس لتحقيق متطلبات الحداثة الحقيقية , ولكونها تمثل الحياة والحرية ومنبع المجتمعية الصحيحة , وهو سبب رئيس لتقدم الأمم وأهم أسلحة المرأة لتحقيق النجاح في حياتها, لذا وجب الاهتمام بتعليم المرأة وإعطاءه الاسبقية في عملية التغيير والتطوير لما له من آثار متعددة على دور المرأة في تحقيق متطلبات الحداثة في المجتمع ، فهو الى جانب مشاركتها في قوة العمل ، فأنه يؤثر ايضا في تغيير نظرتها على اغتنام الفرص المهمة لها ، يضاف الى ذلك ان تعليم المرأة له اثره في القيم والعادات السائدة اذ يجعلها اكثر مرونة لتقبل انماط جديدة من السلوك ويجعل المرأة والرجل على حد سواء اكثر تقبلاً لفكرة مشاركتها في الحياة الاجتماعية للمجتمع ، وذلك كله تنعكس آثاره على التنمية الاقتصادية بسبب ما تكسبه المرأة وكذلك الرجل من قيم وصفات ستؤثر في أداء الواجبات في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
لذا وجب ان تنال المرأة العراقية اهتماما خاصة ومتميزا لكونها تمثل الحرية والحياة ومنبع المجتمعية الصحيحة , اضافة الى ان لها من دور فاعل ومكانة مميزة في المجتمع الذي نسعى الى تطويره لدعم وتعزيز حركته ورفده بالأجيال المتعلمة القادرة على الابداع والتطور من خلال توفير التعليم وفرص العمل الواسعة للمرأة ومساواتها بالرجل في الجوانب الحقوقية ورفض الاتجاهات والأفكار التي تحط من قدرها وتنظر بدونية لوجودها الانساني ووضع حد حاسم للمواقف والممارسات التي تتبع من المنطلقات البالية في النظرة اليها وفسح المجال امامها للإسهام في جميع المجالات وتحريرها من اغلال التقاليد والعادات وتعزيز مكانتها واندماجها في الحياة العامة للمجتمع الذي يرتبط ارتباطا عضويا بوضعيتها ، وإن اية محاولة للخروج من هذه الوضعية لا يمكن ان تنجح وتحقق هدفها الا من خلال دمج المرأة وإسهامها بالخطط التنموية وإشراكها في الانتاج الاجتماعي لتأخذ دورها الطبيعي ومكانتها الحقيقية في المجتمع .
وقد اثبتت دراسات عديدة ان مستوى الاهل التعليمي ، وخاصة الأم له علاقة قوية بالتحصيل العلمي للبنات ورغبتهن للقيام بأدوار غير تقليدية في العمل وبعبارة اخرى وجدت تلك الدراسات انه كلما ارتفع المستوى التعليمي للأم اصبح الأولاد وخاصة البنات اكثر تحرراً في تطلعاتهن نحو ادوارهن وفي البحث عن اعمال جديدة تلائم امكاناتهن اذ ان بعض النساء ما زالت تنظر لدورها كما هو محدد من قبل المجتمع وذلك ضمن اطاره التقليدي ، اذ ما زالت تسعى لتحقيق ذاتها من خلال اضطلاعها بواجباتها كزوجة وكأم فأصبحت لا تنظر لذاتها وتقدرها الا من خلال علاقتها بالرجل وبالبيت والأولاد وهذا ما جعلها غير مدركة لأهمية اطلاقها لقدراتها وإمكاناتها لتحقيق نموها الشخصي ، بل طمست طاقاتها الذهنية وأعدت نفسها منذ البداية لمكانة هامشية ولوضع التبعية للرجل ، وبهذا سوف تخضع طيلة حياتها لعملية تشريط تتغلغل في اعماقها بحيث تبدأ معها تقتنع فعليا انها غير مخلوقة الا للمكانة التي اعطيت لها وليس من مجال للخروج الى الحياة وإثبات الذات لأنها تعيش في دوامة الصراع بين العادات والتقاليد وبين رغبتها في تحقيق ذاتها ومحاولتها الدؤوبة للتوفيق بين هذين الدورين فتكون غالبا عرضة للتضارب بحيث اذا قصرت بعض الشيء بالاهتمام بعملها لإنشغالها بواجباتها كربة بيت فأنها مهددة بفقدانه ، واذا ما حاولت الاحتفاظ به ولم تستطع الاهتمام بزوجها وأطفالها فأنها مهددة بضياع امتيازاتها كزوجة وكأم ، وهذا النوع من التضارب يمثل وجها من اوجه الصراع الذي يعطي للزوج وحده أحقية اتخاذ القرارات داخل أسرته ومن أجل أن تنجح المرأة في مواجهة هذا الصراع وحسمه لصالح عملها يتطلب منها المشاركة في اتخاذ القرارات داخل اسرتها أسوة بالرجل ، وهذا ما تستطيع تأكيده اذا ما حددت امكانية مشاركتها في سوق العمل وحتى امكانية تحصيلها العلمي ، ولأن مساهمة المرأة في أي عمل ولمدة من الزمن غالبا ما تسعى للمحافظة عليه اذ يصعب عليها بعد ذلك تغيير نمط حياتها وهي بذلك لا تعزز من نظرتها لذاتها بل تسهم الى حد ما من ترسيخ تطلعات الاخرين نحو ممارساتها انماط السلوك المعتاد وينسحب هذا التأويل على اوضاعها على الرغم من التباين في طبيعة العوامل التي تجذبها للاستمرار بهذا العمل . (المسيري, 2022)
ويضاف الى ذلك ان تعليم المرأة له اثره في القيم والعادات السائدة مما يجعلها اكثر مرونة لتقبل انماط جديدة من السلوك ويجعل المرأة والرجل على حد سواء أكثر تقبلا لفكرة مشاركتها في تحقيق متطلبات الحداثة المتكاملة .
لا تغيب المرأة عن الحمولة الرمزية للحداثة والعلمانية ، بل هي في صميمها. تمثل رواية انعتاق النساء شعاراً عريضاً ضمن مقولات الحداثة، فتأتي المرأة ضمن تجلياتها المرئية والمحسوسة؛ فيجري التعامل معها في هذا المقام بصفتها مساحة تعبير عن الحداثة، أكثر من الرجل. كما يتجلّى هذا المنزع في التجسيد التصوّري للعلمانية، فالمرأة “المنعتقة” هي بهذا المفهوم “مُنجَز علماني”، فلا يمكن استبعادها من بعض المواد ذات الطابع الدعائي التي تسعى للتعبير عن العلمانية في الواقع الاجتماعي.(رجاء بن سلامة, 2023)
وإذ هي مادة اشتغال دعائية فإنّها تغدو تحت الملاحظة والمراقبة أكثر من الرجل، حتى تجري المرافعات عنها وتُخاض الحملات باسمها، وقد يتم تنصيب نساء للتعبير عن المرأة ليكتمل إخراج فعل المصادرة واحتكار النموذج.
قد تبلغ نزعة وصاية بعض أدعياء الحداثة والعلمانية على المرأة حدّ سنّ قوانين تسعى لتقييد اختياراتها في اللباس مثلاً، لأنه تعبير مادي عن المرأة أو تجسيد مرئي لها في منطق الفعل التصوري أو الاستعمال الدعائي المفعم بالرمزية. وليس من فراغ أن يقع تصنيف ستر الشعر بأنه “رمز”، بما يوحي ضمناً في هذه السردية أنّ كشفه هو فعل رمزي نقيض أيضاً.
ثمة أنظمة تعلن الولاء للحداثة والعلمانية تمارس عنفاً رمزياً على المرأة، وقد تُوقِع العنف المباشر عليها بقوة القانون وأنظمة الجزاء أو بإجراءات الضبط الإدارية في مجتمع يتذرّع بالحداثة وباسم مؤسسات تتستّر بالعلمانية. لا يخلو التطبيق من حرمان نساء من كسب الرزق مثلاً، أو حجب امتيازات عنهن، لأنهن لا يخضعن لمعايير تم فرضها باسم الحداثة والعلمانية. تندرج ضمن هذا المنحى قوانين وإجراءات في بلدان أوروبية مكرّسة لمنع توظيف نساء في مواقع تدريس ووظائف عمومية، بدعوى أنّ شعورهن مستورة بقطع قماش. وقد امتدت حمّى الحظر إلى منع النساء من الاستلقاء على الشاطئ ما لم يتجردن من ملابسهن بأمر من رجال الشرطة الذكور، طبقاً لواقعة مشينة على شاطئ فرنسي شاهدها العالم في صيف 2016. كما تجري بطرق ناعمة وغير ملحوظة إعاقة الصعود الاجتماعي لمن يُعتقد أنهن لا يخضعن لمقولات نحتها حرّاس المعبد الحداثي، أو أنهن لا يمتثلن لشعارات صاغها حاملو مباخر العلمانية. (هيفيدا خالد,2024)
قد يحشد بعض مبارزي الحداثة أو فرسان العلمانية شعاراتهم وراياتهم لخوض المعارك، كما يقع في مواسم الجدل الأوروبية التي تتأجج فيها خطابات تضرب الحقوق بالحقوق والحريات بالحريات والقيم بالقيم، ليس فقط على أساس ميزان محدّد للمفاضلة المنطقية أو التعسفية في مرتبة كل منها، بل حتى بضرب القيمة بذاتها أو وضع المقولة في مواجهتها هي هي. بات مألوفاً في هذا المنحى أن يقع القضم من حقوق المرأة باسم حقوق المرأة، وأن يجري التعدِّي على حريتها باسم حريتها.
وما هو من ذلك أفدح؛ أن تُستَعمل القيمة الأدنى في مواجهة القيمة الأعلى، فثمة أنظمة تعلن ولاءها للحداثة وتتذرّع بالعلمانية تشنّ الحرب باسم مقولاتها وشعاراتها، فتنتهك الحق في الحياة باسم قيمة أدنى منها منزلة. ولا ينبغي نسيان تلك القيم الحداثية المجيدة التي استعملتها إمبريالية الغزو العسكري والحروب الاستباقية خلال حملات إشعال الحرائق عبر العالم الإسلامي في بواكير هذا القرن. فباسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وباسم تحرير المرأة أيضاً؛ تم إشعال حرائق لم تنطفئ بعد. لقد عمدت منظومة دعائية اشتغلت لتبرير غزو أفغانستان في خريف 2001 إلى استعمال المرأة مادة ذرائعية، فتحركت حملات كان بعضها بتدبير دوائر مقرّبة من إدارة بوش، لتسويغ تلك الحرب عبر تعميم مشهد البرقع الأفغاني الذي “يستحق نجدة العالم”. وباسم تلك الحرب سحقت قوات أطلسية أعداداً هائلة من الأفغانيات بغارات عمياء على القرى المحجوبة عن الوعي الأممي، دون أن تنتفض أبدان أولئك الذين تذرّعوا بالمرأة لشنّ الحرب.
كما اهتدت خطابات الكراهية إلى وصفتها “الحداثية” المثلى، بتسويغ ذرائعها بغلاف من قيم الحداثة ومقولات العلمانية. وقع استعمال حرية التعبير في سبيل المساس الفظ بمشاعر المسلمين والمسلمات والنيل من مقدساتهم، على نحو ما كان يقع مع يهود أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين. فما شهدته أوروبا عبر سنوات عشر من موجة رسوم الكراهية والاستفزاز الموجهة ضد المسلمين، من “يولاندزبوسطن” الدانمركية حتى “شارلي إيبدو” الفرنسية، كان في الواقع حملة إذلال تصويري مكثفة احتمت بشعارات حرية التعبير. وكثيراً ما وقع استعمال صور ورسوم تشير إلى نساء مسلمات في هذه الحملات.
وليس بعيداً عن ذلك تتوسّع تيارات فاشية وعنصرية وأحزاب من أقصى اليمين في توظيف مقولات حداثية، من قبيل حقوق المرأة، في صدارة دعاية الشحن والتعبئة التي تطارد بها المسلمات والمسلمين في مجتمعات أوروبا. ولا أصدق تعبيراً عن هذا المنحى من حظر المآذن في سويسرا عبر استفتاء شعبي، بعد حملة ضارية اتخذت من رسم كريه لامرأة مسلمة منقّبة شعاراً لها.
اذا تطورت الحداثة ؛ فلن تزهد مؤسسات وصناعات تتذرّع بها أو تزعم الانتساب إليها، في استعمال فنون الهيمنة على الوعي لإخضاع الجمهرة، سعياً للتحكم ببعض اختياراتها أو توجيه بعض تفضيلاتها. وستعلن الجمهرة أنها تمضي في المسالك بإرادتها المحضة واختيارها المستقلّ، وستتباهى بما تنعم به من حرية. يقع هذا كله في نطاق الحداثة ، بشعاراتها المعهودة ومقولاتها التقليدية، فما يكون الحال مع نسبيّة الشعار وسيولة القيم وتضعضع المقولات واضطراب التأويلات ضمن هلامية ما بعد الحداثة ومنزعها التفويضي ومآلها العدمي؟
فإن كانت المرأة حاضرة في الحداثة، فإنّها مُلغاة تقريباً فيما بعدها، إذ تتلاشى الأنثى في “النوع الاجتماعي” حتى تكاد تغيب تماماً، وقد يُطلب منها بالتالي أن تتماهى مع نقيضها لأنه، هو الآخر، قد أُخرج عن التعريف، ولكنّ التعريف “الذكوري” الضمني باقٍ في التصوّر وعلى أنثى الأمس أن تتلبّسه وتتقمّصه باسم انفلاتها من قالبها السابق. إنه منحى تذكير الأنوثة وتأنيث الذكورة، وانسياح مفهوميْ الأمومة والأبوَة. فتتجاوز المجتمعات مع هذا الطوْر من السيولة حتى ذلك الانفصام بين الدال والمدلول لأنها لن تعود قادرة على ضبط الدال ولا تعريف المدلول؛ فكلاهما يسيل ويضمحلّ، وإن اكتسب ثباته فإنه كناية عن ارتكاس عن النهج الجديد أو قصور في الالتزام به. (عبد الحسين شعبان, 2024)
يصبّ بعض أدعياء الحداثة قالبهم النمطي، فيؤدي هذا إلى ارتدادات عكسية ساذجة، من قبيل أنّ المرأة التي لا توافق هذا القالب مشكوك باشتمالها بعباءة الحداثة ، فهي خارجة عن المثال فلا تسري عليها امتيازات الحداثة ولا تستحق أن تحظى بوعودها، أو أنها رجعية، متخلفة عن الركب، بما قد يقضي بعزلها وتركها، أو مباشرة الأخذ بيديها على نحو تعليمي وتوجيهي فوقيّ، كي تتقدم بلا مناقشة
ان الصراع الحاصل حول حقوق المرأة ومساواتها بالرجل بين القوى المحافظة بمختلف توجّهاتها، وبين القوى الأخرى بتيّاراتها المختلفة أيضًا، فقد كان هذا الموضوع مثار جدل طويل في الفقه الديني، لاسيّما الإسلامي، وقد كانت حصته كبيرة منذ بداية تأسيس الدولة العراقيّة في العام 1921، حيث تصدّرت معركة السفور والحجاب وتعليم المرأة عناوين السجال الدائر في هذا الحقل.
والأمر لا يتعلّق بالعراق فحسب، بل أن الإشكالية تمتدّ إلى جميع البلدان الإسلامية، وإن بدرجات متفاوتة، فكلّما اقتربت الدولة من مفاهيم الحداثة تقدّمت فيها مسألة تحرّر المرأة، وإن ببطيء وبشكل نسبي قياسًا للدول الأخرى التي تعثّرت فيها الحداثة، فواجهت المرأة الكثير من التعقيد والعقبات والتحدّيات أمام تحرّرها ومساواتها.(المسيري, 2022)
لعلّ الوضع الأكثر صعوبة هو زاوية النظر إلى موضوع الشريعة الإسلامية، أو ما يُصطلح عليه موضوع أحكام الفقه، وهذا هو الأدق، وعلاقة ذلك بمفهوم الدولة العصريّة. فالدولة الحديثة، بغضّ النظر عن نظامها الاجتماعي، تسعى لتمثيل مواطنيها دون تمييز بسبب دينهم أو عرقهم أو جنسهم أو لغتهم أو لونهم أو أصلهم الاجتماعي، سواءً كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، متديّنين أو غير متديّنين.

وقد لجأت الدولة العصريّة في عالمنا الإسلامي إلى التكيّف مع متطلّبات الحداثة، منذ الإرهاصات الأولى في مطلع القرن العشرين، لاسيّما الجدل حول “المشروطة” و “المستبدّة“، وقبله ناقش مصلحو النهضة الأوائل مثل رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبدة ومحمد حسين النائيني وغيرهم، فكرة نظام الحكم ومدى انسجامه مع معايير التطوّر الكوني، الدستوري والقانوني، دون التخلّي عن أحكام الإسلام.
وحين طرقت الحداثة أبواب العراق “الجديد”، المنسلخ عن الدولة العثمانية، كانت البداية صياغة دستور متقدّم بمعايير ذلك الزمن (1925)، وبدأت قبله ومعه وبعده إرهاصات قضيّة المرأة، حيث انشطرت النخب إلى فريقين، الأول – مؤمن بالتحرّر، ومنفتح على الجديد؛ والثاني- محافظ، ومنغلق على التقاليد البالية والأعراف التي أخذ الزمن يتجاوزها، وهنا يمكن استحضار قصيدة الجواهري الكبير “الرجعيون” (1929)، بخصوص تعليم الفتيات، حيث اعترض بعض العاملين في الحقل الديني في النجف على افتتاح مدرسة للبنات، التي يقول فيها:
غدًا يُمنعُ الفتيانَ أن يتعلّموا كما اليومَ ظلماً ستُمنع الفتيات
تحكّم باسمِ الدينِ كلٌّ مذمم ومُرتكب حفّتْ به الشُبُهات
وما الدينُ إلاّ آلة يَشهَرونها إلى غرضٍ يقضُونه، وأداة
كان نظام المحاكم الشرعية (الدينية) لأتباع الأديان والطوائف هو المتّبع، لكنه ما بعد الحرب العالمية الثانية والانفتاح نحو الحداثة، بدأت بعض التململات لتنظيم قانون موحّد، تندرج فيه الأحكام الإسلامية المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة، لكنّ تلك المحاولة لم يُكتب لها النجاح، إذْ رفض البرلمان العراقي (1945) إمراره، على الرغم من أن أحكامه وُضعت على وفقًا للطائفتين الإسلاميّتين (الشيعيّة والسنيّة).
تكفّلت ثورة 14 تموز / يوليو 1958 إحياء قانون، فاعتمدت تشريعًا برقم 188 لعام 1959، جمعت فيه الأحكام الشرعية العامة، ليكون مرجعيّةً لهذا التشريع، الذي أثار ضجّةً كبرى ضدّها، وكان القانون أحد أسباب الإطاحة بها، خصوصًا وأن موضوع المساواة في الإرث أثار حفيظة العديد من الأوساط الدينية والتيّارات الإسلامية الجديدة، التي نشأت وكأنها ردًّا على موجة الحداثة التي شملت المجتمع العراقي بجميع مفاصله، ليس في موضوع المرأة فحسب، بل في مجالات السينما والمسرح والموسيقى والغناء وغيرها.
إن قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 هو جهد متراكم لأنشطة رابطة المرأة العراقية، على مدى نحو عقد من الزمن منذ تأسيسها في العام 1952، وقد ساهمت الدكتورة نزيهة الدليمي، الوزيرة في حينها وهي أول وزيرة عربية، بإقناع عبد الكريم قاسم بمقترح القانون، الذي لم يتراجع عنه على الرغم من الضغوط التي تعرّض لها.
ومن الأسباب الموجبة لقانون الأحوال الشخصية: لم تكن الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية قد شرعّت في قانون واحد، يجمع من أقوال الفقهاء ما هو المتفق عليه والأكثر ملائمة للمصلحة الزمنية، وكان القضاء الشرعي يستند في إصدار أحكامه الى النصوص المدونة في الكتب الفقهية، والى الفتاوى في المسائل المختلف عليها وإلى قضاء المحاكم في البلاد الإسلامية. وقد وجد إن في تعدد مصادر القضاء وإختلاف الأحكام، ما يجعل حياة العائلة غير مستقرّة، وحقوق الفرد غير مضمونة، فكان هذا دافعاً للتفكير بوضع قانون يجمع فيه أهم الأحكام الشرعية المتفّق عليها. وقد اشتمل القانون على أهم أبواب الفقه في الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية الجامعة لمسائل الزواج والطلاق والولادة والنسب والحضانة والنفقة والوصية والميراث
” إن إذلال جنس الأنثى هو سمة أساسية للحضارة كما كان سمة أساسية للبربرية. والفارق الوحيد هو أن النظام الحضاري يرجع كل نقيصة كانت البربرية تمارسها بشكل بسيط إلى نمط وجودي مركب. وملتبس ومنافق. فلا أحد يُعاقَبْ على إبقاء المرأة عبدة أكثر من الرجل نفسه”(شارل فورييه)
إنها القضية الحاضرة أبداً، منذ بدء التاريخ، قبل أكثر من خمسة آلاف عام، وإلى زمن ثقافة «النهايات» ومنها «نهاية التاريخ» في عصر العولمة الأميركية. بيد أن ما اصطلح على تسميته بعصر الحداثة، أو الزمن الحديث، وما بينهما من الوعي والفكر الحديثين، شغلت، قضية المرأة فيه مساحة لا بأس بها، من الاهتمام الفكري والأكاديمي والأيديولوجي. واستمر البحث والاهتمام ملازماً لنشاط المجتمع البشري، ونخبته المفكرة والمثقفة تحديداً، مع انتقال «الحداثة» تالياً إلى «ما بعد الحداثة»(مصطفى الولي, 2024).
لكن الرضى عن الإنجازات، مكان لا يزال متواضعاً، خاصةً لدى نساء العالم كل منهن بحسب درجة تطور مجتمعهن، فضلاً عن مفاعيل الثقافات المتفاوتة والمتباينة بين الحضارات في أصقاع الأرض.
قضية من هذا الطراز، كان طبيعياً، بل وموضوعياً، أن توشج مفرداتها كل أنواع العلوم الإنسانية. بدءاً من الفلسفة مروراً بالأنثروبولوجيا والميثولوجيا، ناهيك عن الاجتماع والاقتصاد والأدب وعلم النفس، وتفرعاتهم ومدارسهم، بما تحمله من فتوحات جديدة «حديثة» على مستوى الأفكار والمقاربات. مثل هذا التواشج وتحولاته، مع ما في أنساقه الفكرية من متغيرات، جعل من قضية المرأة، أو كما يوصَّفُها البعض، القضية النسوية، أمراً حاضراً في قلب السياسة العامة في حياة البشر على اختلاف حضاراتهم أو مجتمعاتهم. وهو ما جرى التعبير عنه، في أوج الحداثة الأوروبية بعبارة لفورييه، تقول: “إنَّ التغيير في مرحلة من مراحل التاريخ يمكن أن يحدده تقدم المرأة نحو الحرية. وأن درجة تحرر المرأة هي المقياس الطبيعي للتحرر العام».
نحن اليوم في مطلع الألفية الثالثة، التي تشهد البشرية فيها أقصى مستويات التطور في العلوم والتكنولوجيا وثورة الاتصالات، في إطار ما يُسمى العولمة الاقتصادية. فأين وصل موضوع المرأة في العالم على اختلاف مجتمعاته، ثقافة وتطوراً. وما هي الآفاق المطروحة لتجاوز قضية استغلال المرأة والإشكاليات المطروحة في هذا السياق؟
نقل المثقفون العرب الأوائل، الذين حصَّلوا تعليمهم في الغرب، مفاهيم الإصلاح والتحديث إلى بلادهم. ومن ضمن تلك المفاهيم والأفكار أخذت قضية المرأة قسطاً مهماً من البحث والنقاش. ذلك وإن بدا هذا النقاش في البداية بسيطاً، قياساً إلى ما تعانيه المرأة في المجتمع العربي الإسلامي. فرفاعة الطهطاوي وعلي مبارك دعيا إلى تعليم المرأة العربية. في حين كان الحدث الأول على صعيد الدعوة الصريحة هي المقولات التي أطلقها قاسم أمين لتحرير المرأة العربية في كتابه: تحرير المرأة (1898) ثم في كتابه المرأة الجديدة (1900). وبعده شدد مصطفى كامل على خطورة فساد المرأة.
لقد لاحظ قاسم أمين الصلة العضوية بين الواقع المصري والعربي عموماً وبين خصوصية الظروف السيئة التي تواجهها المرأة فأرجع «الأصل في ما نشهده إلى تلازم انحطاط المرأة وانحطاط الأمة وتوحشها. ولقد استدرك قاسم أمين في دعوته تلك الاعتراضات على أفكاره التي توقع ظهورها من بعض علماء المسلمين في مصر وجعل «الميل إلى تسوية المرأة بالرجل في الحقوق (مساواتها) ظاهرة في الشريعة الإسلامية(حسب رأيه) حتى في مسألة التحلل من عقدة الزواج.. كما وجه نقداً شديداً للوصاية على المرأة، ولسوء الظن بتصرفاتها إن ابتعدت عن رقابة الرجل، وكذلك لظاهرة الطلاق غير المبرر فهذه الظاهرة بنظره تُعدّ «احتقاراً للمرأة، وكذلك تعيين من يحافظ لها على عرضها، أو سجنها في المنزل، أو إعلان الرجال أن النساء لسن محل ثقة.
والى ذلك لم يجد قاسم أمين مانعاً من انخراط المرأة في العمل، وفي مجالات الحياة. وإن كان في نظرته لطبيعة المرأة قد وجد مجالات محدودة للعمل يمكنها من القيام بها. ومن حيث المبدأ اعتبر أنه «لمن العوامل المؤسسة في ميدان احتقار المرأة هو الحيلولة بينها وبين الحياة العامة والعمل».
أما مسألة الحجاب وانكشاف جسد النساء أمام الرجال، فلقد سوَّى الموقف بوسطية رأى من خلالها أن «الغربيين قد توغلوا في التكشف وغالينا في طلب التحجب والتحرج من ظهور النساء لأعين الرجال حتى صيرنا المرأة أداة من الأدوات أو متاعاً من المقتنيات (…) وهو قد أحال موضوع تاريخ الحجاب إلى اعتباره دوراًَ من الأدوار التاريخية لحياة المرأة في العالم. فالحجاب ليس خاصاً بنا ولا أن المسلمين هم الذين استحدثوه.. ولاحظ عدد من المفكرين في العالم أن أفكار قاسم أمين في كتابيه، قدم أمراً جديداً. وهو ما أشار إليه كارل بروكلمان مبيناً أن صدور كتابي قاسم أمين أدى إلى طرح مشكلة المرأة على بساط البحث. وأما الباحثة اللبنانية إلهام كلاب فقد لاحظت بدورها أن بطرس البستاني، ورفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين قاموا بتبشير مجزأ، ووقفوا موقفاً وسطاً بين تكشف الغرب وتقشف الشرق.
ولقد شهدت الفترة التي صدر فيها كتابا قاسم أمين، بدايات الصحافة النسوية في مصر. ونتيجة لجملة من تطورات مشابهة حققت المرأة العربية أول اتحاد نسائي انعقد مؤتمره في بيروت في العام 1922.
ومهما يكن شأن النزاعات الفكرية المتعلقة بقضية المرأة فإن المغزى العميق لما شهدته البلدان العربية الإسلامية من نهضة فكرية عامة، ودعوات لمناصرة المرأة والدفاع عن حقوقها، ثم تحريرها، هو أن تعددية النظرات وغنى الاجتهادات، على ما فيها من نواقص أو سلبيات، شكل دليلاً على حيوية المجتمع ، وقدرة إنسانها على تجديد دور الأمة الحضاري، وتجاوز الفوات والإعاقة الجاثمين على كاهل أبنائها
ينتشر اليوم خطاب محشو بالكثير من التمييز والعنصرية القاسيين، أصبحنا في عصر يشجعون فيه بترسيخ الذهنية الذكورية، ويباركون للرجال غزواتهم ضد المرأة، ودائماً ما يتم تحميل النساء مسؤولية كلّ الذي يحصل في الحياة الزوجية، ويتم اتهامهن بكلّ الأخطاء والمشاكل التي تحصل ضمن الأسرة، وكأنها يجب أن تُحاسبَ فقط لأنّها امرأة، ويجب أن تقبل كلّ شيء يفرض عليها، ويطبق بحقها.
والسؤال الأبرز هو أين يكمن المخرج من الوضع الحالي؟ المرأة اليوم بحاجة لثورة فكرية أكثر من أي وقت مضى، فرغم الجهود الجبارة من قبل العديد من النساء والمنظمات النسوية المدافعة عن قضية المرأة، والتي تسعى جاهدةً لخلاصها، وتحريرها من كلّ ما تتعرض له، إلّا إنّ قضيتها حتى الآن بانتظار إيجاد الحلول الجذرية، والوصف والتحليل الدقيق الذي يُمكِّنُها التحرر من ممارسات النظام الرأسمالي وانتهاكاته بعد أن باتت بين فكي كماشته… فالنساء ومن خلال نضالهن المشترك، وحدهن اللواتي يستطعن رسم طريق خلاصهن من هذا النظام الذي يتربَّص بهن الدوائر.

من المهمة الأساسية والتاريخية للمرأة بذاتها ألا وهي: أن تعطي المعنى الحقيقي لفلسفة المرأة – الحياة – الحرية. تبدأ الحياة مع المرأة المتحررة فكرياً وسيكولوجياً وعليماً. هنا الدور الرئيسي لا يكمن في قضية المرأة كفرد، بل الجوهر الحقيقي يكمن في المرأة، التي تمثل الحياة والحرية بمعناها الحقيقي، فالمرأة هي المجتمع، وبدون المرأة المتحررة فكريا لا معنى للحياة الحقيقية، ولا وجود للحرية المجتمعية.
وعلى هذا الأساس: يتطلب تحليل ذهنية الحداثة الرأسمالية، والغوص في أعماقها على أنّها العدو اللدود للإنسانية كافة، وللمرأة بشكلها الخاص، واسترجاع ثقافة الحياة العظيمة، التي قادتها المرأة منذ بداية التاريخ للمجتمع قبل أن تجردها الحداثة الرأسمالية من معناها وجوهرها بأيديولوجية رجعية.
فذهنية الرأسمالية التي تغذي ذاتها بآلات الحرب الخاصة، التي تديرها وتحاول من خلالها قمع الشعوب من جذورها، وبالتالي القضاء على حياة المرأة، ونضالها التحرري الذي تخوضه. وهي تهدفُ إلى إنهاء ميراث، وثقافة المقاومة التي كانت ذات مكانة تاريخية لدى الجماعات الأهلية، والشعوب الأصلية في المنطقة.
من هذا المنطلق فإن الدور الأول والأخير يتطلب من المرأة بذاتها لأنها الحياة والحرية ومنبع المجتمعية الصحيحة. بدونها لن نستطيعَ التحدّث عن المرأة الشرق الأوسطية الحرة. المرأة، الحياة، الحرية تكمن في جوهر تلك المرأة المتحررة من مقصلة الحداثة الرأسمالية.( هيفيدار خالد,2024)
زمن خلال كل ما ورد نقترح ونوصي بالآتي:
يتطلب من المرأة بذاتها تحقيق متطلبات الحداثة، لأنها الحياة والحرية ومنبع المجتمعية الصحيحة .
ضرورة استعمال أحدث الأجهزة ووسائل الاتصال والتمسك على نحو هذياني بأنماط علائقية عتيقة عن الفرد والأسرة والعلاقة بين النساء والرجال.
فسح المجال امام المرأة في ممارسة الأعمال والمشاركة في جميع مؤسسات الدولة اسوة بالرجل من اجل الاندماج الكامل في تحقيق متطلبات الحداثة.
مساعدة المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية بالمساهمة في تدعيم الصحة الجيدة والرفاه , للمرأة.
تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط شراكة المرأة من اجل تحقيق متطلبات الحداثة.
تمكين المساواة بين الجنسين , واتاحة امكانية وصول المرأة الى العدالة من اجل تحقيق متطلبات الحداثة
تغيير نظرة المرأة لذاتها وتطلعاتها وإتاحة فرص اوسع للمشاركة في عمليات تحقيق متطلبات الحداثة لما له من اثر في القيم والعادات السائدة ، اذ يجعلها اكثر مرونة لتقبل انماط جديدة من السلوك .
ضرورة الاهتمام بتعليم المرأة وإعطاءه الأسبقية في عملية التغيير والتطوير ، لما له من اثار متعددة على دورها في تحقيق متطلبات الحداثة ويجعل المرأة والرجل على حد سواء اكثر تقبلاً لفكرة مشاركتها في ذلك .
اظهار دور المرأة الاجتماعي والثقافي في شخصيتها ومدى اتساق ذلك مع مستوياتها في حياتها العامة على صعيد الأسرة والمجتمع .
دراسة تكوين شخصية المرأة وأثرها في تنمية المجتمع من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بما تحمله من قيم وعادات وتقاليد وتراث شعبي وحقوق وواجبات وضبط اجتماعي .
الاهتمام الجاد بالعوامل الثقافية المتعلقة بوعي المرأة والتعليم والصحة والمساهمة في مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني .
السبيل إلى الحداثة ليس في الكلام ولا في المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة، وإنما في الوضوح وعدم الالتواء في الرؤى .

المصادر
رجاء بن سلامة(2023) المرأة والحداثة والجندر.
صباح شاكر العكام- دور المرأة في بناء المجتمع, –
Almothagaf.com/index. Php./woman-day-2/72231.html
– عبد الحسين شعبان(2024) المرأة والطريق للحداثة, موقع كتابات.
– عبد الوهاب المسيري(2022) قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى.
– علي وطفة(2024) مفهوم الحداثة.
– فاطمة عبد الرؤوف(2017) المرأة وتناقضات الحداثة
– قاسم أمين1993)تحرير المرأة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
-ماجدة ايليا(2023) دور المرأة في بناء المجتمع
ankawa.com
– مصطفى الولي(2024) المرأة والحداثة من الاضطهاد الى الاستغلاب, موقع كتابات.
– هيفيدا خالد(2024) ثلاثية المرأة – الحياة- الحرية- مقصلة الحداثة الرأسمالية.
almaany.com
Almothagat
Mawdoo.com
-Stactimes.com
United nations,Adenda 21,chapter 6.
www.startimes.com/?t=35063474
“modernism”
dictionary.cambridge.org, Retrieved 13-1-2019. Edited. Kathleen Kuiper, “Modernism”
، britannica.com, Retrieved 13-1-2019. Edited. ↑
“What is Modernism? “, utoledo.edu, Retrieved 9-1-2019. Edited…