قبل خمس مضين، في عام ٢٠١٩ قرأ السياسي الروسي “جيرنوفسكي” الوضع في اوكرانيا والشرق الاوسط، لافتا إلى ان انتخابات الرئاسة الاوكرانية “عامذاك” هي الانتخابات الاخيرة في كييف.. وان الصراع في منطقة الشرق الاوسط “قد” يطلق شرارة حرب عالمية ثالثة، وان منطقة الشرق الاوسط ستكون محط انظار العالم في عام ٢٠٢٤ وسينسى الجميع احداث اوكرانيا.
وها نحن، في خضم مواجهة آخذة بالاتساع من طرفين محليين في حدود الخارطة السياسية لفلسطين، الى اطراف اخرى في لبنان، اليمن، سوريا، العراق” وطرف دولي له ثقله وعلاقاته التي تتمحور حول نقطة الردع والتوازن “إيران”.
المؤشرات الجيوساسية المرتسمة في افق الشرق الاوسط، تكشف بوضوح دور اطراف ناجز بمعادلة “توازن” يمكن لها ان تستقيم مع “معادلة ردع”… مؤشرات رشحت من جملة عوامل داخلية اشتبكت اقليميا واتسعت دوليا من امس بعيد..
•اطراف التوازن
غياب الطرف الروسي عن معادلة الصراع المباشر في فلسطين منذ عام ١٩٤٨، اخلى الساحة للولايات المتحدة ورجح كفة الصهيونية بحروبها مع العرب في اعوام ١٩٤٨، ١٩٥٦، ١٩٦٧ وهي حروب انتهت الى خسارة فلسطين للكثير من اراضيها لصالح الكيان (ليتوقف هذا الانحدار نسبيا عام ١٩٧٣ بسلاح الاتحاد السوڤياتي الذي تدفق على دول المواجهة مصر العراق، وسوريا).
لاغرابة ان تنكشف العلاقة بين النقيضين “الفلسطيني- الصهيوني” عن احوال وتقلبات مقاربة او منعكسة للعلاقة المتناقضة بين القوتين الاعظم في العالم ( روسيا- الولايات المتحدة) وهي علاقة تجلت بصورة صراع تم دق اسفينه بعد الحرب العالمية الثانية ١٩٣٦-١٩٤٥، رغم تحالفهما ضد دول المحور قبلذاك.
صراع تجلى بسعي محموم لإمتلاك اسلحة غير تقليدية تمنح التفوق، هدات حدته دبلوماسيا في احوال عدة ولكن بالقوة الملوح بها مقابل قوة اخرى… قوتان متقابلتان كل منهما تستطيع تدمير القوة الاخرى عدة مرات، ليلتقي الطرفان بكل تناقضاتهما عند نقطة واحدة هي “منع اندلاع حرب عالمية ثالثة”.
او توازن الردع….”لا اصفعك لأضمن ان لاتصفعني، وربما تقضي علي قضاء مبرما”.
في ظل ذلك كله اخذ الصراع بين الطرفين “الروسي- الامريكي” مديات اكبر .. صراعا متباينا على غير صعيد “علمي تقني، بايولوجي، نووي، سياسي، اقتصاديي مخابراتي” وامتد في مناوراته الى دول اخرى عديدة في مختلف مناطق العالم، لكنه افتقد الى التوازن من “الجانب الروسي خاصة” في الكثير من تلك الدول، كما في البلقان، افغانستان، دول اوربا الشرقية، امريكا الجنوبية، افريقيا، دول الخليج لتتم ملاحقة الوضع والحد من ترديه بالتدخل الروسي في اوكرانيا، بعد مراوحة غير محسومة في سوريا.
• الدور الروسي
من منظور جيوستراتيجي، يشكل التعاون العسكري بين “روسيا- إيران” هزة قلبت حسابات اقليمية ودولية في تشكيل خارطة الصراع في الشرق الاوسط الذي تتصارع فيه مصالح متشابكة.
ورشح مصطلح “عالم متعدد الأقطاب والقوى” بدخول الصين الى الشرق الاوسط اقتصاديا وبشكل مباشر منذ عام ٢٠١٣ عبر بمبادرة ober, وهو دخول يتجاوز الاحتياجات الاقتصادية والطلب المتزايد على الطاقة، الى دور سياسي وعسكري، مشفوع بعلاقات بين الطرفين تمتد الى الفي عام،
الدخول الاقتصادي انعكس سياسيا وعسكريا بحضور ناجز في معادلة الردع والتوازن، وتاكيد دور الصين قوة عظمى تضاف الى القوتين الأعظم، وتنحاز الى الجانب الروسي، والى حد ما الى الكوري الشمالي.
من جانبها سعت الولايات المتحدة الى مجاورة الدور الروسي في سوريا، والتلويح بضرب اصطفافاته في إيران ومحاربته في اوكرانيا. وعرقلة اي تطور للعلاقات الاقتصادية التي تؤسس لوجود صيني كما في الاتفاقية العراقية- الصينية (لو تم تطبيق بنودها لنقلت العراق من واقع “مازوم” الى واقع ” مخدوم” له مابعده، وجعلته في مصاف الدول المتقدمة).
وهو مؤشر في الحساب الامريكي مفاده ان التفوق الصيني يعني تفوق روسي في معادلة الردع.. تفوق في القوة، الهيمنة، قيام واقع جديد، بسحب دول من تحت جناحها، واختلال معادلة التوازن.
من جانب آخر، يلعب الردع النووي، دورا حاسما في اتمتة حالة الصراع، بين القوتين المتقابلتين ” روسيا- الولابات المتحدة” وسعيهما معا الى تاكيد ضمانات امنية مع حيازة دول اخرى القدرات على صناعة سلاح نووي ” كوريا الشمالية، الهند، الباكستان، وإيران”
إزا ذلك كله يبرز بالحاح سؤال يقول “هل يشكل الشرق الاوسط نقطة توازن يرتكز إليها عموم الصراع بين القوى العظمى في العالم؟”
بيد ان ” الردع الفوري او المباشر” الذي مارسته الولايات المتحدة في بؤر صراعاتها المتعددة هو استراتيجية عسكرية، نجد صداه واضحا في ردود افعال الكيان الصهيوني عسكريا تجاه بؤر صراعه مع قوى مناوئة له في غزة، لبنان، سوريا، اليمن، وإيران.
صراع يكتسب عنوان “نزاع اقليمي” مع دول المنطقة، وهو في حقيقته صراع تتدخل فيه امريكا عسكريا وبانحياز تام للكيان، مثلما تدخلت بكل ثقلها في اوكرانيا ” وافغانستان، ڤيتنام قبلذاك”.
فهل ستشكل ايران نقطة ردع وتوازن بين الاقطاب الثلاثة ” روسيا، الصين من جهة.. والولايات المتحدة من جهة ثانية، وهل سيفسر الرد الصهيوني الملوح له منذ ١ اكتوبر/ تشرين اول الجاري حالة ردع؟ هذا ما ستكشفه الايام القريبة القادمة، وفيها ربم اجابة تبلورها نظرية الردع التي تقوم على افتراض مفاده أن القوة هي أفضل علاج للقوة. بالمعايير التالية:
• عندما يتحقق لدولة ما تفوق في القوة فإنها تستطيع فرض إرادتها على الدول الأخرى،
• تقصير الدولة في تعزيز قوتها تشجع غيرها بالعدوان عليها.
• الردع المباشر منع الهجوم المسلح على أراضي دولة ما في نزاع إقليمي بين دول متجاورة.
• ردع موسع، منع الهجوم الموسع عندما تتورط قوة عظمى في صراع او نزاع اقليمي.
• ردع عام ، منع نشوب نزاع عسكري أو تهديد قصير الأجل.
ومنه نخلص الى ان “توازن القوى”في ظل حالة الصراع في المنطقة” هو خلاصة من حاصل جمع الردع والقوة…
-“ردع” الكيان الصهيوني من اقلمة الصراع او تدويله.
-“قوة” في دفعه الى حدوده التي كان عليها.
وسنشهد حقيقة ذلك كله في “الرد” الذي يلوح به الكيان على الفصائل المسلحة في العراق، سوريا، اليمن، انتهاء بإيران، وسنشهد جميعا انكفاءه وارتداده وعودته الى حجمه القمئ الذي هو عليه.