23 ديسمبر، 2024 8:51 ص

دور الحكومة في تخريب المجتمع

دور الحكومة في تخريب المجتمع

في بلد مثل العراق لا يمكن أن تتفشى ظاهرة ما دون أن تكون هناك أياد خفية تحركها، فالوضع لا يحتمل أية فرصة لسلامة النية، إلا إذا توهمنا أننا نعيش في بلد آخر ينعم بالسلام في ظل حكومة وطنية، وليس في بلد تتقاذفه أمواج الإضطرابات التي تنتهي بحسب طبيعتها إلى إنتاج مجتمع مفكك يسير سريعا نحو التلاشي، بعد أن يفقد هويته الأصلية ليتم استبدالها بهوية أخرى ذات طابع مختلف.
وبقدر ما تتعلق الهوية بالقيم، فيستطيع أي متابع أن يتلمس سعيا حثيثا تقوم به ” جهات خفية” لتغيير القيم العراقية الأصيلة واستبدالها بقيم وافدة أو مغايرة يتم فرضها تحت وطأة الواقع الدموي الذي يعيشه البلد بحيث يصعب على الإنسان أن يلاحظ أنه بدأ بـ ” التغير”.
ففي مجتمع صغير مثل مجتمع الناصرية على سبيل المثال، نلاحظ اختفاء القيم العشائرية بعد تبدل نمط الحياة هناك بسبب الجفاف وعدم وجود الدعم الكافي للقطاع الزراعي من قبل الحكومة مما أدى إلى اختفاء الريف وتحول القرى إلى تجمعات سكنية فقيرة يبحث أبناؤها عن مصدر عيشهم في المدن أو ينتقلون للعيش في المدينة بشكل نهائي بعد أن فقدوا مبرر بقائهم في الريف، ليأخذوا في التجرد من أخلاق الريف هناك بعد أن يستبدلوا المضيف بالمقهى أو التسكع في الشوارع، دون أن يحصلوا على الغرض الذي جاءوا من أجله كون البطالة هي مشكلة المدينة الرئيسية.
وحيثما تكون البطالة يوجد الفقر الذي يعد الأب الراعي للجريمة التي تحرص الحكومة على توفير مناخاتها بغض النظر عن بؤرها مثل مقاهي مشهورة بتوزيع الحبوب المخدرة.  ومما يثير الاستياء أن مدخل مدينة الصدر في الناصرية مزدحم بالمقاهي ومحلات تصليح السيارات حيث توجد أيضا مدارس البنات الثانوية اللواتي يعانين مشاق هذا الطريق! ربما بصورة أشد مما تعانيه مدارس البنات الأخرى.
وتعد هذه المدينة نموذجا جيدا للدور التخريبي الذي تقوم به  الحكومة، حيث تلاشت ملامحها تماما بعد أن أحيطت بتجمعات سكنية عشوائية، وهي ما طلق عليها الحواسم، وكذلك الدور الزراعية، لتزدحم بخليط من الثقافات العائمة في بحر البطالة والفقر، ليتسم ليلها بطابع غريب تسيطر فيه مجاميع الشباب المنفلت أخلاقيا على الشوارع الرئيسية، خاصة الشارع القريب من مركز الشرطة!
لا يمكن أن نعفي الحكومة من سوء تخطيط المدن أو عن الدمار الذي لحق بالقطاعين الزراعي والصناعي، وكذلك لا يمكننا تفسير الكسل الذي أصاب الأجهزة الأمنية في متابعة بؤر الجريمة وصورها المتفشية في الشوارع إلا كتواطئ مقصود يهدف إلى مسخ المجتمع وتغيير هويته.