23 ديسمبر، 2024 10:59 ص

دور التلفزيون بالعراق في تكوين الصورة الذهنية لـ”داعش”‎

دور التلفزيون بالعراق في تكوين الصورة الذهنية لـ”داعش”‎

يمتاز التليفزيون بتأثير قوي لأنه يجمع بين مزايا حاستي السمع والبصر ويتفوق على الوسائل الأخرى في قدرته على الاقناع، ويتميز التليفزيون عن غيره من وسائل الإعلام أنه أقرب وسيلة للإتصال المواجه فهو يجمع بين الرؤية والصوت و الحركة و اللون ويستطيع أن يكبر الأشياء الصغيرة لتبدو واضحة كما يقدم الأحداث الجارية كصورة مادة إعلامية في نفس وقت حدوثها ويوفر الإحساس الجماعي لمشاهديه.
وقد أثبتت دراسة قمت بإجرائها على المجتمع العراقي في أواسط عام 2014 تزايد أهمية التليفزيون مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى في العراق، وقد وجد أن أكثر من (91%) من الشعب العراقي يتعرضون للتلفزيون كمصدر أساسي للأخبار.
وهنا نؤكد على أن وسائل الإعلام تؤدي دوراً استراتيجياً غايةً في الأهمية فى تدعيم وتشكيل الصورة الذهنية للجمهور من خلال الاستشهاد والتكرار في المواد التلفزيونية المقدمة.
وتُعرف الصورة الذهنية على أنها الناتج النهائي للانطباعات الذاتية التى تتكون في أذهان الأفراد تجاه فرد معين أو نظام ما أو جنس بعينه أو شعب أو مؤسسة أو منظمة محلية أو دولية (الدكتور علي عجوة)، وقد تتكون هذه الانطباعات من خلال التجارب المباشرة وغير المباشرة وترتبط هذه التجارب بعواطف الأفراد سواء سلبية أو إيجابية واتجاهاتهم السلوكية سواء ظاهرة أو باطنة وعقائدهم بغض النظر عن صحة المعلومات التى تتضمنها خلاصة هذه التجارب.
واليوم اصبحت وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون هي الأساس فى بناء الصورة الذهنية لدى المواطنين للعراقيين عن الكثير من الاشخاص، الدول، السلع، الخدمات أو المجتمعات وغيرها؛ والمشكله هنا أنه في أحيان كثيرة ترسم تلك الوسائل بيانات زائفة في أذهان المواطنين، كما تعمل على تشكيل الرأى العام وتتزايد استجابات المواطنين للصورة الذهنية التي تقدمها تلك الوسائل.
إن الفرد يحدد اتجاهه نحو وسائل الإعلام من خلال الصورة الذهنية التى يرسمها الفرد فى مخزونه المعرفي عن هذه الوسائل وعلاقتها بالمدركات التى يختزنها الفرد فى إطار خبرته، لذا وفي ظل هذه الفوضى الإعلامية العراقية نلاحظ أن الأفراد يتابعون وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون وفقاً لاتجاهاتهم؛ وهذا لا يرتبط في عامل المتابعة فقط بل تعدى ذلك إلى درجة المصداقية، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن.
ولقد أوضحت الأحداث في العراق خلال الفترة التي تلت العام 2003 تأثير وخطورة الحملات الإعلامية لبناء الصورة الذهنية حيث استغلتها بعض القنوات الفضائية العربية في ظل غياب أو ضعف الإعلام العراقي آنذاك فأستغلتها لنشر أخبار وأفكار لتغيير أيديولوجيات كثيرة فى المجتمع العراقي، وذلك بربط التغيير في العراق على أنه تبعيه لإمريكا تاره ولإيران تارة أخرى وانسلاخه عن مجتمعه العربي، كما صورة بعض وسائل الإعلام العربية وخاصة التلفزيون على أنه أنتصار شيعي كردي على المكون السُني إلى جانب الكثير من الرسائل التي قامت بنشرها تلك القنوات على مدار ساعات طويلة، مما أدت إلى رسم صورة ذهنية سيئة عن المرحلة التي تلت سقوط صدام، وهذا يؤكد على دور وسائل الإعلام في التأثير على الجمهور فى تكوين الرؤى والتصورات حول مختلف القضايا وليس فقط فى التأثير على إيصال الإعلان وترغيب الجمهور فيه.
وإيماناً من قبل بعض الدول الأقليمية والدولية بخطورة الإعلام وخاصة التلفزيوني والشعور بنمو الإعلام العراقي وضعف الإعتماد على الإعلام الوافد من قبل العراقيين قامت عدد من الدول الإقليمية بتقديم الدعم لأنشاء محطات تلفزيونية باسم عراقي لكن لخدمة اجندات معادية للعراق، لذا نجد أن عدد كبير من المحطات التلفزيونية المحلية ترسخ صورة ذهنية تجاه اثارة الفتنة بين ابناء الشعب، حتى أن عدد من وسائل الإعلام تظهر عدم قدرتها على تغيير الكثير من القناعات تجاه صورة العراق الحالية.
فمثلاً نجد أن بعض القنوات الفضائية العراقية تقوم بتسويق فكرة مفادها أن الشعب الذي يعيش في المناطق التي هي تحت سيطرة “داعش” أفضل بكثير من المناطق الأخرى من حيث الخدمات والحريات؛ فنجد من يكذبهم بسبب تجرية سيئة حدثت له وهذا يوضح التفاوت بين وسائل الإعلام.
وبناءً على ذلك فأنه من الضروري وضع إستراتيجية إعلامية لوسائل الإعلام العراقية باشراف خبراء في مجال الإعلام والعلوم الإسلامية وبقية المجالات لتوضيح حقيقة “داعش” وأهدافهم الحقيقة من خلال رسائل إعلامية هادفة تسلط الضوء عليهم، وزيادة معالجة وسائل الإعلام خاصة التليفزيون للصورة الحقيقة لتنظيم “داعش” وفي مقدمتها عمليات القتل والتهجير وتدمير الحضارات … إلخ، فضلاً عن العمل على مواجهة القنوات المعادية للعراق بالزيادة من عرض الحقائق بطريقة واضحة وسريعة وعلمية، كما نؤكد على ضرورة تأسيس قناة عراقية ناطقة باللغة الانكليزية وكذلك اصدار صحف عراقية الكترونية تصدر بلغات أجنبية لمواجهة أكاذيب وسائل الإعلام المعادية وتغيير الصورة العالم تجاه العراق والإسلام المعتدل من اجل زيادة الدعم لقضيتنا في الحرب مع “داعش”.