عندما يتحدثون عن الطائفية في العراق .. اعجب كل العجب . ذلك لان المعروف عن العراقيين ومنذ امد ليس بالقصير انهم بعيدون كل البعد عن الدين . وها هو شاعر العراق الرصافي نجده من اكبر الملحدين ، واشعار الزهاوي وبدر السياب والجواهري وعبدالرزاق عبد الواحد ومظفر النواب وكثير غيرهم ليس لهم اي شغل بالدين . فمن اين جاء التحزب الطائفي وهذه النعرة الشبيهه بالدين وما هي منه .والتي من اجلها يتقاتل العراقيون في وطن كان يجمعهم واليوم تسيل فيه الدماء في كل مكان
لعلي اكون على صواب اذا عدت الى الصراع السياسي والفكري منذ بداية ثورة او انقلاب الرابع عشر من تموز ١-;-٩-;-٥-;-٨-;- . فقد انقسم الشعب العراقي بين وطني عراقي وقومي عربي . ودخلت احزاب وكتل مثل الشيوعيين والبعثيين والكورد والقوميين في هذه اللعبة . وكان الشعار الظاهري لهذا الانقسام الذي تحول الى صراع دموي هو الخلاف حول الوحدة اوالاتحاد . واقصد بها الوحدة بين الدول العربية . في حين ان الخلاف الحقيقي كان يكمن في الصراع على السلطة . . ولم يكن هذا الصراع صراعا شخصيا وانما كان يستند على ايديولوجيات مختلفة وسرعان ما تحول الى صراع دموي لم يحسم الا بسيطرة جهة على جهة اخرى بعد مجازر دامية لا مجال لذكرها ونبش الماضي الاليم الذي يشبه حاضرنا الاليم هذا .
وقد عاد هذا الصراع بعد مجئ المحتل الاجنبي فبرزت الاحزاب الاسلامية الشيعية مقابل الفكر القومي المندحر ، ومقابل الاتجاهات الاسلامية السنية . فأتخذ هذه المرة ظاهرة صراع طائفي . فانحرف كثير من الناس ، وحتى بعض المفكرين والمثقفين لهذا الاتجاه او ذاك . وغابت عنهم ان هذا الصراع بالحقيقة هو صراع على السلطة والثروة . وكالعادة بقي الشعب بعيدا كل البعد عن السلطة والثروة التي تمركزت بيد الاحزاب الدينية وشيوخ العشائر والمتنفذين هناوهناك . ، وقد اصبح الشعب مرة اخرى وقود هذه الصراعات ولا زالت الدماء تسيل من ابناء الشعب الفقراء بحجة الدفاع عن الدين او المذهب . وقد امتص المتنفذون من الاحزاب والشيوخ والقيادات السياسية دماء الشعب وثروته وصادروا مستقبله وطموحاته وامال ابناءه في مستقبل سليم يقوم على العدل والانصاف . وقدموا له بدل ذلك افكارا وشعارات قديمة بالية ، ونحن نعلم ان الفرد او المواطن العادي ليس له شغل بكل هذه الشعارات وانما تدفعه غريزته للدفاع عن نفسه وعن اولاده لشعوره بالخطر المحدق به فيلتجئ الى الطائفة او العشيرة لحمايته وليس حبا او ايمانا بها . ولأن الدولة لا وجود لها كمدافع امين عنه ، او انه لا يعترف بها نتيجة خذلانه من قبل الحكومات التي تعاقبت عليه والتي لم ير منها سوى الحروب والسفربرلك والضرائب .
ان الوضع اصبح بالشكل الحالي نتيجة الاستئثار بالسلطة اولا والرغبة بالانتقام من الطرف المقابل خوفا من قيامه بسلب هذه السلطة ثانيا . . ان التمسك بالسلطة بهذا الشكل الدموي ومهما كانت النتائج ما هي الا عقدة من عقد الحكام المستعصية . . حتى يجدون انفسهم معلقين بحبال المشانق او مختبئيين في المجاري او على احسن تقدير خلف القضبان . وهذه الدورة تظل تدور نتيجة الجهل بالفكر الديمقراطي الذي يتيح المجال للاستماع الى الاخر ومشاركته السلطة او الاعتراض عليها بالاساليب السلمية المتعارف عليها بين الامم المتقدمة . ولأننا لا نعلم اولادنا على ذلك لا في البيت ولا في المدرسة فأننا سنظل ندور في هذه هذه الحلقة المفرغة .
وما الحل اذن … لقد ان الاوان لقطع هذه السلسلة ، حيث ان نظام الحكم الحالي في العراق لم يعد يستجيب لابسط قواعد ادارة الدولة . ونظام الحكم هذا عبارة عن مجموعة اقطاعيات من احزاب وكتل تدعي التدين للاستهلاك المحلي واقناع المواطنين بجدوى بقائهم في السلطة . كما نرى ان الوضع الراهن قد اوشك على الانتهاء لاسباب عديدة اهمها ان كثير من المواطنين قد كشفوا هذه اللعبة . اضافة الى الانحسار الكبير بالموارد المالية الذي سيطيح بكل الكتل والاحزاب الحاكمة . يضاف اليها العجز عن تحقيق اي نصر ولو جزئي او مرحلي على مستوى الدول الاقليمية الساندة لهذه الاحزاب والكتل . حيث وصلت الى مرحلة قريبة من الصفر في تحقيق الاهداف غير المشروعة لتدخلها في العراق . والكلفة الباهضة لهذه التدخلات.
وبعد انهيار سلطة الاقطاعيات الحاكمة في العراق نأمل في ان يخرج الحكام او القادة الجدد من دائرة الانتقام وعقاب الاخرين على ذنب لم يقترفوه . وان تسود اجواء التمدن المستندة على نظم المجتمع المتحضر لقطع هذه الدوامة من الصراعات الدموية التي لا تورث سوى الالم والندم للقائم بها وللمكتوي بنارها .