18 ديسمبر، 2024 6:07 م

لاخلاف أن اللين والتسامح خصلتان حميدتان، ولاخلاف على أنهما أساس التعايش بسعادة مع كل من هم بمعيتنا، إذ لامناص من إبداء جانب التوادد مع القربى ومع غير القربى على حد سواء، وكما لاتصفو الأجواء بالرعد والزوابع، كذاك لايهنأ العيش بالتعنف والتصرف بغلظة. فاستخدام القوة إذن، وسيلة تصلح في مكان ولاتصلح في آخر.
سئل برناردشو يوما عن أساس السعادة فقال: “أسس السعادة خمسة؛ المال.. المال.. المال.. المال.. المال”.
ولو أردنا استعارة مقولته هذه، فبإمكاننا القول ان أسس النجاح في إدراة البلد وأسّ الحفاظ عليه عشرة؛ أولا القوة، ثانيا القوة، ثالثا القوة… وعاشرا القوة”.
أقول رأيي هذا ونحن في القرن الواحد وعشرين، في عصر ارتقت فيه وسائل العيش وتقنياته الى مايقرب من الخيال. ففي قانون الغاب حيث أجناس الحيوانات كثيرة، تتنوع القدرات فيما بينها في الدفاع عن النفس، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمعها هو عنصر القوة، وبذا يكون البقاء في عالم الحيوان للأقوى.
أما نحن أبناء آدم، فقد ميزنا خالقنا عن باقي المخلوقات، واختصنا بالعديد من النعم أولها العقل ومايحمله من حنكة وأفق في التفكير والتدبير والتخطيط لخطواتنا وماتؤول اليه أعمالنا، وبهذا ما عاد البقاء في المجتمع البشري يقتصر على دور الأقوى فقط، لاسيما ونحن في عصر العلم والتكنولوجيا، فحلّت وجوبا أدوار الأصلح والأفلح والأفضل والأكمل والأتقى والأنقى والأفهم والأحكم والأقدر والأجدر، مجتمعة جميعها في آن واحد وآنية واحدة من غير إسقاط أي دور منها، ليكتمل بناء المجتمع ويطّرد تقدمه ورقيه مع الزمن كمّا ومع باقي المجتمعات نوعا، شريطة ان يبقى دور القوة ملازما للأدوار كلها.
اليوم في عراقنا الجديد أرى ان جميع الأدوار التي ذكرتها موجودة بشكل كامن داخل كل فرد سوي من أفراده، وبامكانه بذرها على أرض الواقع، شريطة ان تكون تلك الأرض خصبة ومهيأة لاستقبالها، باستثناء نفر ليسوا من الصلاح والفلاح بشيء لأنفسهم او لأخوانهم العراقيين او للبلاد. ومن سوء حظ العراقيين عقب عام “السعد” عام 2003 ان يكون لهذا النفر منصب ومقعد وحقيبة، وبالتالي تكون لهم كلمة وموقف وقرار، وهم ألد أعداء العراق قلبا وقالبا ومخبرا ومظهرا، حيث يتدرعون بحجج الوطنية والحرص على مصالح البلد، وفي الحقيقة هم يتأبطون له شرورا، فيما هم يرتدون زي الصديق والمحب، وهم كما قال ابو نؤاس:
إذا امتحن الدنيا لبيبب تكشّفت
له عن عدو في ثياب صديق
وقطعا هم يتخذون من الحرباء ونهجها نقطة شروع، ينطلقون منها في تحديث أساليب العداء وأدواته وأنواعه، فيستحدثون من فنونه الجديد والغريب، وهنا ينحسر علاجهم فيقتصر على دور القوة فقط، بأقصى درجاتها، ولن يجدي الكي حينها إن كان آخر الدواء، بل يجب ان يكون أوله، ليقبر أية سلبية قد تطفو على السطح في مهدها، إذ كما يقول مثلنا: (دوه العگرب النعال). ويجب أن يتزامن هذا النهج مع أول بادرة تنذر بالخطر، قبل فوات الأوان وخراب البصرة أو مدينة أخرى، لاسيما والخراب بات قريننا وتوأمنا وحليلنا وحليفنا ورفيقنا، وتبعا لهذا فإن الحزن هو الآخر ماعاد يفارقنا، بل لازمنا كرد فعل طبيعي إزاء واقعنا المعاش، وقد قال صاحب الأبوذية:
أريد اسهر واسوي النوح ويبات
ولا اخلي الدليل يهيد ويبات
الحزن يغفى گام وياي ويبات
بفراشي ويسولفلي عليه