23 ديسمبر، 2024 4:29 ص

دليله في قلب زيبق!!

دليله في قلب زيبق!!

يبلغ البناء الدرامي ذروته في فلم البرتقالة المعدنية للمخرج ستانلي كوبريك عندما يقف اليكس مرعوبا مذهولا” وهو في مراحل تحويله الى  مسخ آلي لا يدرك الاّ الاثارات الحسية التي يوجهها السياسي وهو يعبئ وعيه المُخدر . ويظهر الابداع في أوجّه، عندما يتم التلاعب بالرأي العام في فلم ” المنافس” حيث يتم تبييض عار السياسي وتسويقه كناتج عرضي لتفاعل الانتهازية مع سذاجة قيم المجتمع الغربي. كان تصويرا” مبهرا” للتناقض بين النظرية الأخلاقية والتطبيق السياسي للمفاهيم في الغرب.  قد تكون درامية الاشتباك وتجلي الاندحار للقيم العليا أكثر تراجيديا ومأساويا” ومرعبا لو تم تسليط الضوء في محيط عربي او اسلامي. حيث تتميز الأنظمة العربية غير الديمقراطية باستخدام اساليب غاية في الدموية والسرية في ادارة المجتمعات.
السياسة يتم ممارستها  في الدولة العربية بشكل وظيفي، فيتحول مدراء المخابرات واجهزة ألامن الى قيادات سياسيه بارزه ولفترات طويله جدا. حكمت هؤلاء الموظفين الدول العربية بقبضة من نار كالقذافي وحسني مبارك وعلى عبد الله صالح، وغيرهم.
 السياسي العربي هو نتاج انقلابي للشخصية العربية المتمردة التي لا تستقيم على حال، بالإضافة الى غياب البنى الدستورية وقوانين الاحزاب والبنية التحتية للفكر السياسي. حيث لم يتخرج أغلبهم من كليات القانون او المعاهد السياسة كما هو معروف في الدول الاخرى ..
كتب ارسطو قبل الفي سنه في كتابه “السياسة” ان القانون في الدولة هو مرجعية الشعب، وأن الحكومات هي أحد حلقات تنفيذ سلطة القانون، وان المجتمع لا يحقق ذاته الّا بتطبيقه، وهو من تفتحت عبقريته ليقفز عبر الزمن لنجده بيننا عبر مصطلحات المواطنة، الانتخاب، المشاركة السياسية، الفصل بين السلطات، ليبدو كمن أسس لعلم تكوين الدولة قبل أن تنشأ الدول السياسية.
يقول ديفيد ايستون ان السياسة هي سلطة تقسيم الموارد وهي فن الممكن بدون الخضوع للواقع السياسي. وعرفها الشيوعيين بأنها فن تنظيم صراع الطبقات الاجتماعية، ثم يضيف اليها هارولد لاسويل انها فن تقسيم موارد الثروة في المجتمع.
الطابع الدموي للخلافة الإسلامية كأسلوب سياسي في الحكم، والطبيعة الفقهية لمصادر الفهم والمعالجة، بالإضافة الى الشعور الفوقي والتسامي وعدم النقصان في عمق التراث الاسلامي جعل العرب يتجاهلون التراث السياسي اليوناني والذي تُرجم إليهم في كتاب الجمهورية لأفلاطون، وكتاب السياسة للأرسطو، ولم تغريهم أناقة التنظيم الاداري، ولا بساطة مبادي تكوين الدولة حتى ولو بشكلها اليوناني. رغم ان القران قد خاض في مسائل لا أهمية كبيرة لها كالحيض وتحريم لحم الخنزير وغيرها , ولكنه لم يتطرق لنظام للحكم بنصوص واضحه, وبآيَاتِ تناسب حجم الأهمية الاستراتيجية لمنظومة السلطة في الاسلام .
تعتمد الاوساط العربية المعاصرة نموذجين للبناء السياسي، الاول النموذج الغربي والذي بطبيعته نتاج عصري يدفع السياسي لمعالجة الواقع بأطار حديث يناسب طبيعة المشاكل، ويتذرع المدافعون عنه بان الاسلام هو شريعة وعقائد وليس سياسه، اما النموذج الثاني هو النموذج الاسلامي الذي يسنده الفقه والتحليل الاجتماعي من حيث ان المجتمعات تختلف في خصائصها وان السياسة ظاهره اجتماعيه يجب ان تحمل طبيعة المسلمين والعرب، ولذلك يجب تطبيق نظام سياسي يحترم الخصوصية العربية والإسلامية. المدافعين عن هذا النموذج يتوزعون بين مفكرين عرب يستندون على تراث الماوردي , وابن خلدون, و والغزالي, وابن تيميه, والشهرستاني وغيرهم, وبين مفكرين اجانب قضوا سنوات طويله في دراسة تاريخ السياسة عند العرب ومنهم جورج سارتون, جوزيف شاخت, وارنست رينان وتصب رؤاهم الشخصية في ضرورة فهم الاسلام فهما” حقيقيا” اولا” ثم يتم بناء نموذج سياسي يعالج الشؤون الإسلامية.
تحولت الدعوات الى الوحدة العربية في القرن الماضي الى تهجدات من اجل الحفاض على الوطن الواحد من التقسيم والتشرذم، فأنتجت محصلة تراكمات الفشل السياسي العربي الى تحويل شعارات نصرة الامه الى نصرة المذهب او الجماعة، وتحول النشاط السلمي والفكري للنخب السياسية العربية الى دعوات للجوء الى العنف المسلح وتصفية حسابات الخصوم بآليات تفتقد الحس الاداري والسياسي للازمات. أن ظهور مصطلح الأغلبية الصامتة في المجتمع ما هو الا نتيجة الفخاخ التي ينصبها السياسي لمن يمارس النقد والدفاع عن الحقوق، او نتيجة الياس من جدوى الاعتراض ..
يجب ان تتحول الأغلبية الصامتة الى صوت صاعق بوجه السياسي المنحرف، وان لا يكون للانتماء الجهوي والمذهبي عقبه تعرقل الفهم السياسي وممارسة الحقوق. يجب على الانسان ان يتعلم فنون السياسة ويفهم طبيعة الصراعات الإقليمية التي ترسخ قناعاته ورؤيته الذاتية سواء في التحليل او الانتخاب واختيار السياسي الكفؤ، وان لا يبقى كقطيع الخراف تسوقه مصالح الجماعات الاخرى، والتوازنات الدولية التي لا قبل للضعاف ان ان يثبتوا وجودهم فيها. وان لا يخضع الانسان للسياسي الذي يمارس عليه عقده الحضارية وميكانزمات استنزاف روحه المعنويه امام نفسه ليتحول الى مسخ. ما أشدنا الى سياسي مثل دليله ولكن في عقل الزيبق .