23 ديسمبر، 2024 4:36 م

دللول يا الولد يا ابني ..

دللول يا الولد يا ابني ..

هذه الهدهدة الحزينة التي توارثناها عن أسلافنا ، وكأن كل ما نرثه هو الحزن والتوجس والقلق والخوف من المجهول في هذا البلد ، فلم يكن أسلافنا راضون ، كما لم نرضى نحن ، وسوف لن يرضى ابنائنا وأحفادنا ..(دللول يا الولد يا ابني دللول ، عدوّك عليل وساكن الچول ) ، كلمات بلحن حزين ، تنساب لأذاننا ونحن في حجر أمهاتنا ، فالتقمنا الحزن مع اللبن ونحن صغار ، والچول باللهجة العامية العراقية تعني الصحراء ، وكأن أمهاتنا يعلمن ، أن ثمة أعداء يتربصون بنا ، وسيجعلون حياتنا كلعبة قمار والرغيف شعلنا الشاغل ، وقد وصَدقنَ في ذلك ،  وبدلا من أن يكون عدونا ساكنا للصحراء تماشيا مع دعوة أمهاتنا ، سامونا سوء العذاب وأزاحونا للصحراء ، وسكنوا الخضراء !.وكأن أمهاتنا يرثيننا ويشفقن علينا ونحن في المهد ، كيف لا وقد عشن قبلنا في هذا النفق المظلم الذي اسمه الحياة وقد يأسن منها ، فما الذي يجعل حياة ابنائهن مختلفة ؟ يعلمن ، أن أمامنا ثمة حياة ضنكى زاخرة بالمآسي والظلم ، والعمل الشاق العقيم ، بشكل يحاكي تماما ذلك اللحن الحزين ، يعلمن أن ثمة فرعون يتسلط علينا ، يتقيأه كل دهر ، فنحمله على كواهلنا ، ونقضي أعمارنا ونحن نطوف به بين حقول الألغام ، الى حيث تأمره رعونته واستخفافه بنا ! ، يعلمن أمهاتنا ، ان أحدنا سيكون أرخص من الشاة ، نتنقّل من جزار الى جزار ، في ماراثون دائري راكضين فيه أبدا ، ووجهنا للخلف ، فلا نجرؤ على النظر الى المستقبل ، فأضعنا طريقنا ! .وكأن الحسين ، أراد هدم مرتع الظلم هذا ، فأوقد لنا شعلته التي أنارت كل الأرض ، لكنها لم تدخل بيوتنا  رغم قربها منها ، وما كادت تخفت حتى هرعنا الى الظلام الذي نألفه ، (فالسيء المعروف ، أفضل من الحَسِن المجهول) ! ، وصرنا نخشى ضياء الشهاب القصير الأمد ، وأكتفينا بالرثاء والبكاء ، وأصابنا حزنا مزمنا  لم نُرتب عليه الآثار ، فما ان غاب فرعونا ، حتى بحثنا عن آخر وكأننا (مبرمجون) على ذلك ! ، كل الذي فعلناه، اننا استبدلنا أهزوجة (بالروح ، بالدم ) الكئيبة السمجة بأخرى (علي وياك علي) ، وكأن عليّ العظيم سلعة لأهوائنا ! ، ووالله لو عرف عليّ لمن نهتف ، لأنبرى لنا بسيفه !، فانظروا مدى حزن شِعرنا ومواويلنا ، وحتى أغانينا ! ، بل حتى ضحكاتنا نوجس منها خيفة ، فنقول (يا ربّ ضحكة خير) ان ضحكنا ، خوفا من أن يكون الثمن حزنا مدفوع بالآجل ! ، فمتى نترك عادة عبادة الفرد القبيحة ، والأنقياد له وكأننا دواب ، ونتمسك بأذيال الحرية التي صارت مخيفة لنا وللطغاة على حد سواء ! ، وندخل رحابها ، نخن الغالبية الصامتة ، حطب التفجيرات والمزايدات وسِلَع المتاجرة  ، حيث لا موضع لصنم فيها ؟!.ماذا سيسمّي مسؤولونا وأعلامنا مجزرة الأربعاء 11/5 ؟ ، الأربعاء الدامي ؟! ، كم أربعاء دامٍ عشناه ؟ عليهم التفتيش في قاموس العنف الملعون ، لأعطاء تسمية جديدة !.لقطات من هذه الأنفجارات ، جعلتني أتفجر حزنا وبكاءً وغضبا الى درجة الكفر !! ، شيخ يتحدّث الى ابنه الشاب الشهيد المُسجّى وقد غاص في كفنه قائلا (دللول يا ابني دللول) ! ، أمرأة تحتضن ابنها الشهيد المقطوع السّاقين وهي تقول (يُمّة وليدي) ، لكنها كانت محظوظة ، فقد فاضت روحها الى السماء فورا ، لاحقةً به ! ، وغيرها الكثير من الصور الحمراء المرعبة المخيفة والمبكية  ، والتي أظن أنها ابكت حتى ابليس ! ، فيا أيها العالَم هيا ، مَن منكم يوشح عاصمته بعلم العراق ، وبه لفظ الجلالة ملطخا بالدم ! ، أين اعلامكم وأبواق اذاعاتكم ، ما لكم صامتون ؟ أين سجالاتكم ؟ لقد قطعنا بكم الرجاء ، يا من تمتهنون النفاق والمعايير المزدوجة ! ، تنظرون للعراق وكأنه  زريبة كل قاطنوها من الحيوانات التي لا تمتلك أمرها ! ، حتى لو كنا كذلك فأين جمعيات الرفق بالحيوان ؟! ، لكن كل ذنبنا أننا أوكلنا مصيرنا الى بضعة حيوانات !  ويا له من ذنب لا يُغتفر ، فمن الذنب ما قتل ! .ثمة مَن يضع الملح في الجراح ، معتقدا أنه يهوّن علينا ، يطلون برؤوسهم عند كل مصيبة وكل نازلة ، ويزيّنون للطغاة جرائمهم ، أولئك هم وعاظ السلاطين الذين وضعوا الحديث الشريف في غير موضعه (الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر) ، ولسان حالهم يقول (عليك الرضا والخنوع ) هكذا قتلوا بذلك ارادة التغيير بفتوى شرعية  ! .لم أعد اسمي هذا تقصيرا من الحكومة بكل هذه الأختراقات الأمنية الصارخة الغبية ، لكني صرت أعتقد ، أن الحكومة نفسها تريد ابادتنا ، وتحتدم الكلمات السافلة والقبيحة لأنعتهم بها فهذا كل ما أملكه ، وأعترف لكم انها شحيحة في ذهني بكل أسف !.