23 ديسمبر، 2024 1:27 م

دكتاتوريتان مذهبيتان عربيتان وديمقراطية علمانية كوردية .. وجه من اوجه التناقضات العراقية

دكتاتوريتان مذهبيتان عربيتان وديمقراطية علمانية كوردية .. وجه من اوجه التناقضات العراقية

الديمقراطية هي حالة تفاعلية بين المجتمع والافكار السياسية التي يتبناه ذلك المجتمع, وقد اثبتت التجربة انه ليس بالامكان تطويع مجتمع ما قسريا للحالة الديمقراطية مالم يكن هو نفسه مهيئا لذلك . فقد تامل العراقيون خيرا في ولادة نظام سياسي ديمقراطي يكون فيه تبادل السلطة على اساس دستوريكتبه ويقره الشعب نفسه ويتلزم به السياسيون , لكن ما حصل هو ان العراق خرج من دكتاتورية فردية ليقع في مطب دكتاتورية جمعية مركبة تتكون من اطواق متعددة , تتأسد على شعبها وتخضع لاوامر دولة جارة لا يمكن اعتبارها من الدول الكبرى وليس هناك دواعي سياسية حقيقية للدخول في فلكها والدوران حولهاالا ما يملي عليه مصالح المكون الذي يمثل الاغلبية في البلاد . وقد استطاعت (الجارة) ايران من تمرير مشروع لن نقول عليه طائفي بقدر ما هو مشروع يتناسق مع اجندات ايران كدولة اقليمية مؤثرة مقابل حماية ( سوف) توفرها ايران لهذه الدكتاتورية .
فمبدأالديمقراطية السياسية الذي يعتمد على حكم الاغلبية استغل من قبل المكون الشيعي لينحو منحى اغلبية مذهبية سياسية تحيد كل ما سواه ويرسخ وجود احزاب عقائدية تتخذ من الطرح المذهبي وسيلة لحشد الشارع خلفها , ساعدها في ذلك تجذرات تاريخية تشكلت على اساس الشعور بالمظلومية, ما جعل من هاجس رجوع عقارب الساعةالى الوراء وفقدان السلطة مبدا يعمل عليه هذا المكون ليحول دون احتمال حدوثه . وبذلك نشا اول اطواق الدكتاتورية في عراق ما بعد الالفين وثلاثة …
لم تتوقف ملامح الدكتاتورية في علاقة هذا المكون مع المكونات الاخرى بل تجاوزه الى الطوق الثاني من الدكتاتورية داخل المكون نفسه, بمباركة وضغط ايرانيين. فبدأ الحديث عن البيت الشيعي لينتهي بتشكيل اول تركيب سياسي يتالف من احزاب واشخاص يتوافقون مع الاجندات الايرانية في العراق والمنطقة , واستبعد عنه احزاب او شخوص شيعية ليبرالية لها توجهات لاتتطابق بالضرورة مع وجهة النظر الايرانية .
في داخل التحالف الوطني يوجد طوق ثالث من الدكتاتورية يبعد ويحيد أي توجه سياسي لا يتبنى النظرية العقائدية الشيعية كمنطلق للعمل السياسي , فالاحزاب والشخصيات الغير اسلامية في هذا التحالف لا تستطيع ان تحصل على فرص حقيقية للعمل السياسي داخل التحالف ولا ان يحصل على البركات الايرانية الا من خلال الطرح المذهبي الشيعي الذي يفرض دكتاتوريته على تركيبة التحالف الوطني من الداخل , فشخصية مثل شخصية احمد الجلبي مثلا ورغم براعته السياسية ونسيج علاقاته العنكبوتية  فانه لم ينجح طوال الثلاث انتخابات السابقة من شغل منصب وزاري في الحكومات الثلاث الماضية على اقل تقدير .
ادت هذه الاطواق الثلاث الى انحسار التجربة الديمقراطية في العراق , اضيف اليه تجربة المالكي في رئاسة الوزراء والذي حاولتعزيز اطواق الدكتاتورية هذه واستغلالها كي تدعم طموحاته في بناء دكتاتورية فردية جديدة اطيح بها بصعوبة في الانتخابات الاخيرة بتدخلات دولية واقليمية .
وبدلا من معالجة هذه الظواهر الخطيرة في العملية السياسية بعلاج جذري فان ما نتلمسه الان في العراق هي محاولة لازالة ترسبات تجربة المالكي ومظاهرالحكم الفردي فيه والابقاء بل وتعزيز التركيبة المعقدة الاخرى من الدكتاتوريات , من خلال تحويل التحالف الوطني الى مؤسسة يصدر منه القرار الحكومي بدلا من شخص رئيس الوزراء , وان التوافق الذي حصل في اختيار حيدر العبادي لمنصب رئاسة الوزراء لا يخرج من هذا التوجه , فمؤهلاته الشخصية لا ترشحه للاستفراد بالسلطة بقدر ما ترشحه لوضع كل القرار الحكومي بيد التحالف الوطني , وهذا ما يحاول التحالف الوطني من ترسخيه في العراق وبدعم من ايران  .
في الجانب الاخر فان المكون السني العربي يستغل وجودتنظيم داعش الارهابي للمراهنة على مستقبله ضمن الوضع العراقي , والدفع باتجاه تهذيب التوجهات الشيعية في العراق طالما ليس بمقدوره تغيرها جذريا .فما نراه الان من محاولة تسابق مع الزمن يقوم به المكون السني للتوازن بين عملية محاربة هذا التنظيم وطرده من البلاد وبين استغلال وجوده  هو لاحداث تغير جذري في العملية السياسية والحصول على مكتسبات سياسية تصب في صالحه .
في هذه المعمعة يقف اقليم كوردستان بين الطرفين محاولا انقاذ مكتسباته ضمن هذه الاوضاع والمتغيرات التي يهيىء الاخرون لها , كي لا يكون التغير القادم في العراق على حسابه  . فوجود حكومة اقليم كوردستان التي تتبنى الطرح العلماني وتتوجه بثبات مع الحراك الديمقراطي كضرورة مرحلة ومطلب سياسي يتبناه السيد مسعود البارزاني بشخصه … وجود هذا الاقليم في عراق تتقاذفه توجهات تسلطية مذهبية ممزوجة بتجذرات تاريخية تتجه في احسن حالاتها الى دكتاتورية المذهب من الطرفين العربيين ..يمثل مشكلة حقيقية لا يمكن معها التوصل الى حلول مشتركة ونقاط التقاء كونهما خطان غير متوازيان , والتصادم بين ما هو موجود في كوردستان من توجه ديمقراطي حقيقي وبين ما هو موجود من تقهقهرالديمقراطية في الاجزاء العربية من العراق قادم لا محال ونتمنى ان لا يكون تصادما مسلحا وان يبقى في حدوده السياسية .
[email protected]