عند الرجوع إلى دفتر الذاكرة وقراءة قانون الأحوال الشخصية الحالي رقم 188 لعام959 المعد في عهد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وقبل حوالي 53 سنة تقريبا ,تجده كامل ومستمد من الشريعة الإسلامية وأجريت عليه بعض التعديلات خلال مرحلة الستينات, ولابد أن نشير إلى بعض الحقائق التي هي من المسلمات أو البديهيات ولا تحتاج إلى فلسفة أو نظريات أو بحوث فالتغير والتطور هو سنة الحياة ولكن هناك هفوات مستمرة بين المجتمع والسلطة.
ويحصل التطور السلمي تدريجيا في البلدان النامية ولكن هناك قفزات نوعية في التطور والتكنولوجيا لدى الدول المتقدمة التي تملك باع طويلة من خلال الثورة الصناعية وانتهاء الحرب العالمية الثانية وتفرغ الدول إلى شعوبها, ويكون التغير بطيئا حسب نوع وثقافة المجتمعات وعلى اعتبار أن السياسة متغيرة تتغير وفق المتغيرات حيث لاتوجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل إن هناك مصالح دائمة أما الدين فهو ثابت والمؤسسات الدينية والمرجعيات تهتم بشؤون الناس الدينية وهناك صراعات بين الثوابت والمتغيرات ,فعلى سبيل المثال كان رجال الدين في مصر اعترضوا على مد أنابيب المياه لأول مرة ونصب صنابير أي (حنفيات ) في البيوت بحجة أنها بدعة ولم تكن في زمن الرسول وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وحتى القطار فصرح رجال الدين عند دخول القطارات لأول مرة إلى مصر والعراق خطب في الناس احد رجال الدين قائلا (أتتركون الحمير وتركبون الشمندفر) ؟ أي القطار, وعندما أراد علماء السوفيت الصعود إلى القمر نهاية الستينيات تردد قسم من رجال الدين ووصفوا هذا الانجاز بالكفر ونزول (كاكارين) على سطح القمر أصبح أمرا علميا واقعا لامفر منه.
أما قانون الأحوال الشخصية السائد فقد ساوى الرجل بالمرأة واعتبرها نصف المجتمع بعد أن كانت محرومة من ابسط حقوقها ووضع شروط وضوابط على تعدد الزوجات وحق الزوجة المطلقة في حضانة أطفالها وقد لاقى هذا القانون ترحيبا واسعا من طبقات المجتمع المثقفة ومن النساء وهناك سؤال يطرح نفسه:لماذا استجابت المؤسسات الدينية للمخترعات العلمية والتكنلوجيا الحديثة ؟ ولم تستجب آنذاك لقانون الأحوال الشخصية حيث كان منسجما مع الدين الإسلامي حيث جاء في القران الكريم( وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ووضع شروط العدالة بين الزوجات.
أما مسودة قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الذي طرحه السيد حسن الشمري وزير العدل الذي ليس له غطاء دستوري وحيث أن الدستور العراقي ينص على إن العراقيين أحرار في اختيار مذاهبهم وأطيافهم واعتبار هذا القانون تعصبا للعقيدة والمذهب , إذ يقول السيد الوزير:إن إعطاء الدولة لكل ذي حق حقه من المكونات والأفراد الاجتماعية حقه وتقديم الضمانات القانونية لتلك الحقوق وهو الطريق الصحيح والوحيد لخلق وإيجاد الروح الوطنية وتلبية لمطالب ومناشدات العشائر ورجال الدين من منطلق التعصب للعقيدة والمذهب كما أكد الشمري تعرضه لهجمة وتسقيط سياسي بسبب انجاز هذا القانون وقال يجب تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع القضايا التنظيمية والجنائية في البلد.
ويذكر إن مجلس الحكم المنحل قد ألغى قانون الأحوال الشخصية وأعاد العمل بالقضاء المذهبي إلا أن القرار لم يلق ترحيبا أو تأييدا شعبيا مما اضطر إلى إلغاءه بعد صدوره بفترة وجيزة وذلك عام 2004 وبما إن ظروف البلد والاحتقان الطائفي لا يسمح لتمرير هذا القانون وان الشعب العراقي يعاني من مساوئ المحاصصة الطائفية وتجزئة وزارة الأوقاف التي كانت تشمل الوقفين إلى وقف سني ووقف شيعي وتبعات مجلس الحكم الطائفي الذي أسسه الحاكم الأمريكي المدني (بول برا يمر ) سيء الصيت, كل هذه الإرهاصات والتراكمات لاتسمح بالشد الطائفي وتعتقد بعض الأوساط إن ظهور مثل هذا القانون وفي هذا الوقت الحرج هو دعاية انتخابية ولأغراض الاستهلاك المحلي لاغير وإلا لماذا لا يخرج هذا القانون قبل سنة أو سنتين من الآن …!؟