منذ أن تحركت النفس الأمارة بالسوء ، لتسول لقابيل قتل أخيه ، ظهر الظلم والجبروت والطغيان ، ولما قال هابيل ( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) ، ظهر لنا الرجل الاول الذي دافع عن مبدأ أمن به ، الخوف من الله ، الذي أصبح الرادع الأول بوجه كل من يوسوس له الشيطان فيجمل له فعل القبيح ، فإن خاف الله نجا وإن غض بصره هلك .
تمر الايام وتدور دورة الزمان ، ويظهر لنا الملايين ممن هم من جنس قابيل ، يتصدى لهم الملايين ممن هم من على اخلاق هابيل وخوفه من الله ، قابيل وهابيل ، طاغوت وإيمان ، ظلم وعدالة ، شر وخير ، جبار ومصلح ، يظهرون ويظهرون ليملئوا بطن التاريخ وخزانات المكتبات من الملاحم ما يجعل الزمن خجلا مطأطئ الرأس أحيانا ، واحيانا أخرى مرفوع الرأس مزهوا بما فعل هابيل .
الروح اعز ما يملك الانسان ، ولكن كم من ماجد يبذل تلك الروح رخيصة لأجل قضية آمن بها ، كم من عالم وقف بوجه تعاليم الكنيسة الغارقة في ظلام الجهل ، وصبر على الحرق بالنار ، على أن يتراجع عن مبدأه ، وكم من مخترع رفض التعاون مع الانظمة الدكتاتورية ويفضل أن يعلق بحبل المشنقة على أن يسخر علمه لقتل البشر .
الأمثلة والشواهد اكثر من الكثيرة ، فمنها ما غطى الخافقين ، كثورة الامام الحسين عليه السلام ضد جبروت أمية ومرغ هيبتها بوحل الخذلان والهزيمة ، وإستمر ليكون مدرسة طلابها اشهر قادة وعظماء العالم من مصلحين وثوار واحرار ، إلى يوم يبعثون ، وقد يمر بنا حدث على مستوى شخص مجهول ، لكنه في لحظته كان مشرفا ، إذ كلنا يتذكر ايام القتل على الهوية ، فقد كان يوجه سؤال الى الضحية قبل قتلها : تبرأ من علي , أو اشتم الحسين ، وهنا نرى أرقى صور الدفاع عن الرسالة ، عندما يتقبل الضحية الرصاصة برأسه عن طيب خاطر .