22 ديسمبر، 2024 10:14 م

دفاعا عن الاسلام… دفاعا عن العلمانية ؟

دفاعا عن الاسلام… دفاعا عن العلمانية ؟

لا يخفی علی احد ان الاسلام کدين، بعقيدتە و ارکانە و طقوسە و الاجتهادات المختلفة لتفسيرەيتعرض لهجمة شرسة ليس فقط من قبل منافسيه( الاديان الاخری و بالاخص المسيحية و اليهودية ) و اعدائه بغض النظر عن اهدافهم و مشاربهم، لکن ايضا من جانب من يفترض بهم انهم يتبعونە، ان لم يکن ايمانيا فعلی الاقل جغرافيا
مدرک تماما بانني قد لا اکون جديرا بالدفاع عن دين ينتمي اليه مليار و نيف من البشر بينهم الآلاف من العلماء الاجلاء و الملايين من المٶمنين الذين يٶدون واجباتهم تجاهه بشکل ارقی بکثير مما اٶديه ولعل ايمانهم بدينهم غير معرض لأية هزة خارجية کانت ام داخلية. و لکن هناک حقيقة لا مراء فيها و هي ان صورة الاسلام تشوه يوميا علی يد من يفترض بهم انهم ينتمون اليه … و هنا لا اقصد فقط تلك الجرائم الشنيعة التي ترتکبها داعش و نظيراتها لان ذلک سيدخلنا في متاهات السياسة و ضرورة اثبات او نفي ان هذە الجماعات مرتبطة باجندات خارجية لا تريد الا تشويە الاسلام، و ان کنت اری ان تصرفات و مواقف الکثير من المسلمين تجاه هذە الجماعات لا تتفق و قناعاتهم بان هذە الجماعات مدفوعة خارجيا لتشویە الاسلام، و هذا التناقض في المواقف يتجلی بشکل واضح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نری احدهم يدافع اليوم باخلاص عن دينە في مادة ينشرها للتنديد بجريمة ارهابية ترتکبها داعش و مثيلاتها، لان حجم الجريمة و نوعية ضحاياها لا يترکان مجالا لتبرير او تجميل الفعلة الشنيعة، ولكن الغريب في الامر ان الشخص نفسه ينشر في اليوم التالي مادة يقول فيها ان الفرنسيين او الامريکان قد قاموا او يقومون بافعال اجرامية افظع و انها ليست داعش وحدها من يقوم بالجرائم، کأنە يلتمس الاعذار و يبحث عن التبريرات لما ارتکبتە داعش و نظيراتها اخي المسلم العزيز ! اذا کنت مقتنعا بأن داعش صنيعة الاستعمار و الکفار فلماذا تضع جرائمها في تضاد مع جرائم الکفار و تحاول تبرير افعالها کرد فعل علی تصرفات الغرب الکافر ؟ الم نتفق بأن داعش صنيعتهم لتشويە الاسلام ولماذا لا تعتبر اعمالهم امتدادا لجرائم المستعمرين الغربيين الکفار بدلا من اعتبارها ردا عليها ؟ ام انک لست مقتنعا في قرارة نفسک بما نشرتە البارحة و تخشى ان تکون مخطئا فتستحق عقوبة اللە لانک افتريت علی المجاهدين من اجل رفع راية الاسلام؟! في رأيي المتواضع، و لکي تکون منسجما مع انسانيتک و مع اسلامک، عليک ان تندد بقتل الابرياء من البشر بغض النظر عن هوية الفاعلين ، کفارا کانوا ام مسلمين ! عليک ايضا ان تندد وبنفس القدر بقتل المدنيين الابرياء من المسيحيين و اليهود مثلما تندد بقتل مسلمي بورما و ضحايا الحروب الصليبية او حروب الغرب المعاصرة . الم يقل ربنا في عزيز کتابە” من قتل
نفسا بغير نفس او فساد في الارض فکأنما قتل الناس جميعا و من احياها فکأنما احيا الناس جميعا” فاللە سبحانە و تعالی لم يخص قتل المسلمين دون غيرهم بالتنديد و القصاص؟
اما اذا لم تکن مقتنعا بأن داعش صنيعة الغرب الکافر و تشعر بان اعمالهم قد تنفع في المطاف الاخير الاسلام و تساهم في نشر رايتە الخفاقة التي تحلم بها، فلماذا تنتفض عندما يقول احدهم، مستشهدا بما تقوم بە داعش ، ان الاسلام دين قتل و ذبح و توحش؟ عليک ان تختار! ليس بين الاسلام من عدمە، و انما بين ان تٶمن بان داعش معادية للاسلام او مدافعة عنە، فلا توجد هناک ، علی قول الشاعر، منطقة وسطی مابين الجنة و النار!
ولکن کما اشرت في البداية فانني لم اکن انوي الترکيز فقط علی الجانب الارهابي العملياتي( او الجهادي العملياتي! ) من المسألة و انما علی الجانب التعبوي الارشادي ايضآ ، فمع تطور وسائل التواصل الاجتماعي خرج الخطاب الديني من بين جدران المساجد و الحسينيات ليغزو الفضاء الانترنيتي، فتغيرت طبيعتە و کيفية التعامل معه. ففي مرحلتە السابقة کان الخطاب الديني اشبە بالبضاعة( ارجو ان يکون واضحا بأن التجائي الی هذا التشبيه غرضە هو التوضيح و ليس اية استهانة بالخطاب الديني لا سامح اللە) اشبە بالبضاعة التي کانت تعرض علی زبائن مٶمنين بمضمون هذه البضاعة و يبحثون باشتياق عنها ، ولا يضعونها في موضع الشك او التساؤل. و لکن مع تطور تکنولوجياالتواصل اصبح سوق الخطاب الديني متسعا کأتساع الشبکة الانترنيتية وازداد تنوع الزبائن علی نحو غير مسبوق ،فترى بينهم من هو متلهف لتأکيد قناعاتە المسبقة، و اخر فضولي يحاول اشباع نهمە المعرفي، و ثالث مشاکس بل و ربما معادي يحاول ان يضع کل کبيرة و صغيرة موضع التساٶل . ولکن التنوع لم يشمل المستهلکين فقط ، لا بل و منتجي الخطاب الديني ايضا، بين عالم ديني يزن کلماتە بميزان الذهب و يبث خطابا يحترم من خلالە عقل المتلقي و يجبره علی احترام خطابە حتی و ان لم يتفق معە، وبين مهرجين جعلوا الدين اداة لاشباع نرجسيتهم او لکسب المال او لغرض إشاعة وترويج فهمهم الاعوج و اللامنطقي للدين و رسالتە بحيث اصبح تراثنا الديني في ايديهم مجموعة من الاساطير اللامنطقية و حزمة من التعاليم التي لا تصمد امام اي نقاش عقلاني يحترم معطيات حياتنا المعاصرة علميا او اجتماعيا….
طبعا هذا الصنف الاخير يلقی في وسائل التواصل الاجتماعي صدا و ردودا عنيفة بل و سخرية يستحقها، ممن لم يقبلوا التخلي عن ملکة العقل تحت التهديد بعذاب القبر و نار جهنم الابدية، و لهذا نری ان هذا الصنف الاخير بالذات من اشد الداعين الی اقامة الدولة الدينية حيث ستخلو لهم ، حسب تصورهم، الساحة
لنشر افکارهم دون ان يجرٶ احد علی الاعتراض عليهم او فضح بنيانهم الفکري المتهافت
و لکن هٶلاء ليسوا هم الوحيدون الذين يتوقون لإقامة الدولة الدينية المستندة علی الشرع ، بل هناک جمهرة واسعة من المۆمنين الذين لا تشوب ايمانهم و اخلاصهم لدين اللە و للعدالة اية شائبة و يرون ان الدولة دينية المبنية علی الشريعة هي الحل، تٶازرهم في ذلک الحصيلة البائسة لکل التجارب الفاشلة التي کانت و لا تزال تعرف في منطقتنا( بالعلمانية)… اذن لماذا لا يمکننا السماح لأنفسنا بتجربة دولة دينية مبنية علی شرع اللە؟
في الحقيقة لدينا الان، و لحسن الحظ ، او لسوءه، نموذجان من الدولة المبنية علی الشريعة، النموذج السني ، هو ما نراه في المملکة العربية السعودية ، والذي ترفضه بقية العالم وتراه مثالا واضحا لانتهاك حقوق الانسان ، وهو ما يرفضە المسلمون الشيعة ايضآ باعتباره تحريفا و تشويها لشرع اللە، و النموذج الآخر هو النموذج الشيعي، ونجده متمثلا بالجمهورية الاسلامية الايرانية، و الذي ترفضە(اي النموذج) ليس فقط بقية العالم ، کمثال واضح علی انتهاک حقوق الانسان، بل يرفضە ايضآ المسلمون من السنة باعتبارە تحريفا و تشويها لشرع اللە !!
هل تعتقد، عزيزي القاريء ان بأستطاعتک ان تأتي بنماذج اخری تختلف عن هذين النموذجين ؟ افغانستان ايام الطالبان؟ ام دولة عمر البشير في السودان ، مثلا؟ انا لا اتجرأ حتی علی ذکر النموذج العراقي ، لئلا تشک، عزيزي القاريء بجدية مقالتي !
حسنا، قد تجادلني و تقول: ” اذاکنت تقر بأن التجارب العلمانية لم تکن جيدة فما الضير في ان نخوض تجربة الدولة الدينية، حتی مع امکانية ان لا تکون کاملة و خالية من المثالب؟” و هذا اعتراض وجيە اجيب عليه بنقطتين::
اولا: ان التجارب التي سوقت لنا علی انها کانت علمانية، لم تکن في حقيقة الامرکذلک الا شکلا، فالعلمانية الحقة كما نعلم لا تستقيم بدون الديمقراطية ، و بدون دستور يقر بحرية الاعتقاد، اي بحرية الايمان بدين معين او عدمه، فالدين للە و الوطن للجميع، و في الآخرة ” کل واحد يتعلق من کراعينە” کما يقول اخواننا المصريون! وفي هذا الدستور تضمن حرية اقامتک للشعائر و الطقوس ولكن في حدود ايضا حيث لا يسمح لک بانتهاک حرية الآخرين
ثانيا: في الدولة العلمانية ،حتی عندما تکون سيئة و ديکتاتورية فانت تواجە الحکام الطغاة باعتبارهم بشرا يسيئون استغلال سلطاتهم، و بالتالي تمتلک،في نظرک الشخصي و في نظر الکثيرين من ابناء مجتمعک کل الحق في الاعتراض عليهم او مواجهتهم و النضال ضدهم ، ولكن الامر المخيف علی الجانب الآخر هوا
انه في الدولة الدينية المبنية علی الشريعة فان اي اعتراض علی الحاکم يعتبر لدی الاکثرية اعتراضا علی شرع اللە، حتی و لو کان هذا الحاکم طاغية ابلها. و الآن تصور نفسک مسلما شيعيا ا و يهوديا او بوذيا في دولة اسلامية سنية، او تصور نفسک مسلما سنيا او مسيحيا في دولة اسلامية شيعية ، لتتصور مدى الاشکال الناجم عن دولة مبنية علی الشريعة … و ارجوک لا تتهمني بانني احاول بث الفرقة( بضم الفاء) بين المسلمين، فأنت تعلم ان هذە الفرقة قائمة منذ اربعة عشر قرنا و لن تختفي بهوسات من مثل” اخوان سنة و شيعة هذا الوطن مانبيعه ” … انا متيقن تماما بأن هذە الفرقة ستختفي فقط في دولة ديمقراطية علمانية لا يحکم فيها البشر اخوانهم من البشر باسم اللە، و حيث تكون الركيزة فيها المواطنة و الاخلاص للوطن و القيام بواجبات المواطنة، وحينذاك سيكون لک حق المطالبة بحقوقک کمواطن و ليس کأحد ابناء الفرقة الناجية الوحيدة، فمکافئک او معاقبتک في هذا المجال هو من اختصاص رب العزة و ليس من اختصاص بشر مثلک و الذين يمنحون انفسهم تفويضا من اللە للقيام بذلک!