23 ديسمبر، 2024 9:13 ص

دفاعاً عن وزارة الدفاع .!

دفاعاً عن وزارة الدفاع .!

مقابل كلمة ” دفاع ” لابدّ أن تقابلها كلمة ” هجوم , واذا لم يكن هجوماً بالمعنى الدقيق لأيّ هجوم , فقد يغدو هنالك ” تعرّض ” , وإذ لسنا الآن في حالة حرب , فلنقل أنّ هنالك ” تجاوز ” .! وهي ” هنا ” مفردةٌ ملطّفة ولعلها مخففة ” بالثلج والماء ” .!

ولأجل الإيضاح من دونِ وسائلِ إيضاح , فالموضوع – المقال برمّته لا يتعلّق بوزارة الدفاع الرسمية التي مقرّها داخل المنطقة الخضراء , والتي لا يعرف المواطنون شكلها ولونها وتصميم بنايتها إلاّ من خلال صورة الواجهة او الحائط الأمامي للوزارة حين يجري عرض لقطةٍ ما لها على شاشات التلفزة , بالرغم مما تضمه من امكانياتٍ عسكرية ضخمة , ودورها الفاعل في المعارك الطويلة التي دارت مع الدواعش .

بيت القصيدِ هنا هو مقرّ وزارة الدفاع القديمة في باب المعظّم . هذه الوزارة العريقة التي تأسست قرابة عام 1920 من القرن الماضي وترسّخت وتجذّرت في موقعها حتى يوم الغزو والإحتلال الأنكلو – امريكي للعراق في التاسع من نيسان سنة 2003 , وإذ من المعروف أنّ وزارة الدفاع قد جرى اعادة هيكلتها وإعادة تشكيلها وتنظيمها من < الصفر > بعد الأحتلال ونقل مكانها الى داخل ” الخضراء ” خشيةً وتحسّباً لضرباتٍ وتفجيراتٍ من اكثر من جهة .! وصار يتناوبون على استيزارها اشخاص غير مؤهلين لقيادة هذه الوزارة الستراتيجية , وسارت الأمور على ما سارت عليه , لكنه من الجانب المقابل , فحرام ومئة حرامٍ وحرام أن يضحى موقع وزارة الدفاع القديمة محجوباً عن النظر ! ولم يشاهد جيل ما بعد الأحتلال شكل ومنظر هذه الوزارة التي طالما كانت رمزاً للعراق , فما معنى أن يجري إشغال هذه الوزارة من قبل احدى الفرق العسكرية ! فهل هي ثكنة عسكرية أم معسكر .؟ ولماذا حجب التأريخ عن الأنظار .!

ثمّ , وبعد الأنتهاء من مفخخات القاعدة وداعش فأيّ مبررٍ او مسوّغ للإبقاء على الكتل الأسمنتية العملاقة ” الأكثر ارتفاعاً من سواها ” التي تسيّج الوزارة القديمة من كلّ جهاتها والتي احتلّت نحو نصف الشارع العام المحاذي للوزارة , بل شوّهت تلك المنطقة بكاملها , وهي منطقةٌ من اعرق مناطق العاصمة .

كُلّ العراقيين او غالبيتهم العظمى يدركون وعلى اطلاعٍ مسبق أنّ وزارة الدفاع القديمة كانت أهمّ مَعلماً تأريخياً وسياسياً وعسكرياً , والذي لعب دورا فائقا في مجريات الأحداث والحياة السياسية للعراق , ومن هذا المكان سقطت انظمةٌ وحكوماتٌ عراقية وجاءت غيرها , وهذا ” المكان ” تحديداً كان أحد الرموز العائدة للعهد الملكي , وكان المكان الأبرز لبدء النظام الجمهوري في 14 تموز 1958 وفي ذات الوقت كان مسرحاً للقضاء على حكومة عبد الكريم قاسم في 8 شباط 1963 , وقد شهد هذا المقر احداثاً تفصيليةً دراميةً اخرى .. وفيما مضى اي قبل الغزو كانت المارة والمشاة تسير على الرصيف الملاصق لتلك الوزارة , وبما يمكّن النظر الى دواخلها من خلال السياج المفتوح للناظرين , وقد نذهب بعيداً فحتى منذ بدء الحرب العراقية – الأيرانية في ثمانينيات القرن الماضي فلم يجر غلق الشارع المحاذي لوزارة الدفاع تلك , وكانت المركبات والعجلات تسير من أمامها وكأنها لم تكن حالة حرب , والى ذلك ولصلةٍ اخرى بالموضوع فالشارع الستراتيجي الواقع الى يسار الوزارة والملاصق لها , والذي يضم مسكن الملك غازي ومحكمة المهداوي ” محكمة الشعب ” , فما برحا المكانين التأريخيين مغلقين ومقفلين وممنوعين من الدخول والمشاهدة وكأنّ المسألة تتعلّق بالأمن القومي للعراق وكأنها ايضاً تمسّ أمن المنطقة الخضراء وكافة قاطنيها .!

قد يمسى من المحال او نحوه فهم او ادراك فلسفة احزاب الأسلام السياسي منذ 15 عاماً والى الآن في التغطية وإخفاء التأريخ الستراتيجي للعراقيين منذ منصف القرن الماضي عبر وضع الستائر الحديدية – الكونكريتية وإحاطتها بوزارة الدفاع القديمة ومن جهاتها الخمسة .! , واذا ما كان المسوّغ لذلك هو قُصر النظر السياسي , فأنه في الواقع العمى السياسي والطبي والعقلي , وأنّ ابسط معاني ذلك فأنّ قادة السلطة ليسوا بمؤهلين أن يغدوا حتى من افراد حمايات السلطة .

آخر فرصةٍ تعطى للسلطة وقادتها وسادتها هو إخلاء ” الفرقة العسكرية ” المستوطنة لوزارة دفاع باب المعظم , واعادة ترتيب وتنظيم ذلك المقر بوحدة عسكرية ادارية تؤهل المقر كما كان في سنوات عمره وبكل تفاصيله الدقيقة ومكاتب وغرف رؤسائه ووزرائه , ثم تخصيص احدى ابنيته كمتحفٍ وثائقيٍ لكلّ الصور الموثقة المتعلقة بالنظام الملكي والحمهوري وتبعاته , وأن يتاح للجمهور فرص المشاهدة والتجول في دواخل ومباني الوزارة القديمة .. والى ذلك كذلك استغرب عدم تناول وسائل الإعلام والمؤسسات البحثية التأريخية في التعرّض على تجاوز التأريخ الحديث لكلّ العراقيين .!