22 ديسمبر، 2024 10:41 م

دفاعاً عن النطحة التاريخية لزيدان !

دفاعاً عن النطحة التاريخية لزيدان !

كنتُ أبحث عن ذريعةٍ للدفاع عن النجم زين الدين زيدان بحادثة ما تسمى بـ(نطحة زيدان) فجاءتني الفرصة على طبقٍ من محبةٍ حين تسببت حرائق شهدتها الجزائر مؤخراً بوفاة نحو ٧٠ شخصاً، من بينهم  ٣٠ جندياً خلال محاولات السيطرة على النيران.
وذكرت صحيفة (ليكيب) الفرنسية ـ  حسبما نقلت وكالات الأنباء السبت ٢٠٢١/٨/٢١م ـ أنَّ النجم زين الدين زيدان تبرع بمبلغ مليونيّ يورو من خلال مؤسسته الخيرية، لضحايا حرائق الجزائر الأخيرة خاصةً حرائق محافظة تيزي وزو المنطقة الأكثر تضرراً، حيث سيوزّع المبلغ على الجمعيات الخيرية التي تقوم بجرد الخسائر والتعويضات، من أجل إيصالها إلى ذوي الضحايا والمتضررين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتبرع فيها زيدان لبلده الأم الجزائر، حيث سبق له تمويل عشرات المشاريع الخيرية والاجتماعية والإنسانية لصالح المستشفيات ودور المسنين ودور الأيتام والمدارس.
وقام زيدان أخيراً بتقديم أجهزة تنفس وإنعاش وشاشات مراقبة ومضخّات حقن، وسيارات إسعاف وغيرها من المعدّات الطبية خلال الأزمة الصحية التي شهدتها الجزائر بسبب تداعيات جائحة كورونا.
ألا يستحق هذا الخبر أن نستذكر حادثةً غير قابلة للنسيان لمن فاتته الضجة التي رافقت تلك النطحة التاريخية، وتداعياتها، وآثارها !!
تابع نحو ٧١٥ مليون شخص في أنحاء العالم على القنوات الفضائية سنة ٢٠٠٦م ـ حسب إحصائيات الفيفا ـ ما تُعرف بـ (نطحة زيدان)  فيكون عمر النطحة هذه الأيام قد جاوز سن الخامسة عشرة سنة أي مطلع سن الشباب الذي يمتد إلى سن الرابعة والعشرين !
هذه الملايين المتسمرة وراء شاشات التلفزيون  رأت ما لم يره حكم المباراة !
تعالوا معنا نقلِّب بعض أوراق هذه النطحة رياضياً وفنياً وثقافياً وحضارياً بعد أن أصبحت فيما بعد موضوعاً لأغانٍ ولمجموعة من النكت، وألعاب الفيديو، والإعلانات التجارية، ورسوم الكاريكاتير السياسية بين الخصوم الذين يحاول كل منهم أن يُلقي بخصمه أرضاً !
يعود تاريخ نطحة زيدان  إلى التاسع من تموز سنة ٢٠٠٦م  حين أُقيمت المباراة النهائية لكأس العالم بكرة القدم في الملعب الأولمبي في برلين بألمانيا الاتحادية الذي يتسع لنحو ٦٩ ألف متفرج بين منتخبي فرنسا وإيطاليا .
ابتدأت فرنسا التسجيل بهدفٍ من ركلة جزاء تسبب بها المدافع الإيطالي ماركو ماتيرازي سجل منها زين الدين زيدان الهدف الأول في الدقيقة السابعة من المباراة.
لكنَّ المنتخب الإيطالي لم يمهل المنتخب الفرنسي طويلاً فسجل المدافع ماتيرازي هدف التعادل الإيطالي من ضربة رأس في الدقيقة التاسعة عشرة من المباراة.
انتهى شوطا المباراة بالتعادل الإيجابي
فمددت المباراة لشوطين إضافيين.
في الدقيقة ١٠٨ من المباراة حدث التحام بين لاعب الدفاع الإيطالي ماركو ماتيرازي مع لاعب الوسط الفرنسي زين الدين زيدان أعقبه إشهار الحكم الأرجنتيني البطاقة الحمراء بوجه زيدان ليودع الملاعب برغم اختياره كأفضل لاعب بالبطولة، ولتخسر فرنسا بركلات الترجيح ٣/٢
ملخص الواقعة :ماتيرازي الايطالي يمسك بقميص زيدان، فما كان من زيدان الا أن قال له : هل تريد قميصي؟ سوف أتنازل عنه لك، ولكن بعد انتهاء المباراة.
رد عليه ماتيرازي بقوله :(أريد أختك).
ابتعد زيدان بضعة أمتار ليتخذ قراره بطريقة الرد المناسب في ربع ثانية، فعاد ووجَّه نطحته الشهيرة إلى صدر المدافع الإيطالي فطرحه أرضاً. لم تكن تقنية الفار قد عُرفت بعدُ ولم ير حكم الوسط الأرجنتيني إليزاندو الحادثة، لكنَّ الحكم الرابع لويس ميدينا كونتاليخو نقل له الحادثة وبعد استشارة الحكم لمساعديه  اتخذ قراره بالطرد.
شبكة جوبلو التلفزيونية البرازيلية عيَّنت فريقاً من الصم لمحاولة قراءة شفتي ماتيرازي وما الذي قاله، وخرجوا بنتيجة أن ماتيرازي ربما يكون قد وصف (ليلى) شقيقة زيدان بلفظ (بغي).
وهذه النظرية أكدتها صحيفة(كورييري ديللا سيرا الإيطالية) التي ادَّعت أنَّ ماتيرازي اعترف لزملائه بالمنتخب الإيطالي أنه أهان شقيقة زيدان، ولكن قائد الفريق الإيطالي فابيو كانافارو أكد أنه بصرف النظر عما قاله ماركو لزيدان فهو أقل حدة من رد فعل زيدان.
لكنَّ صحيفة (تايمز) البريطانية صنَّفت ما قاله المدافع الإيطالي ماركو ماتيرازي للاعب الوسط الفرنسي زين الدين زيدان في المباراة النهائية لكأس العالم ٢٠٠٦م  في ألمانيا بأنها الأسوأ في تاريخ الرياضة.
جاء ذلك في تقرير لتصنيف أسوأ خمسين واقعة لفظية  بدرت من اللاعبين والمدربين في تاريخ الرياضة على مر العصور فجاءت هذه الواقعة في المركز الأول.
وقال زيدان لمحطة تلفزيونية فرنسية :إنَّ تصرفه كان رد فعل للإهانات المتكررة التي وجهها له اللاعب الإيطالي خلال المباراة.
دار النشر الإيطالية (موندادوري) استثمرت الحادثة فأقدمت على نشر كتاب يحمل عنوان (حقيقة ما قلته لزيدان) لماتيرازي (الذي هو أبعد ما يكون عن الكتابة والتأليف) ثمنه( ١٠) يورو على أن تذهب جميع الأرباح الى صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف).
وتقول وسائل اعلام ايطالية : إنَّ الكتاب يتضمن ٢٤٩ احتمالا “كوميديا” مختلفاً،  لما يمكن أن يكون ماتيرازي قاله لزيدان خلال المباراة.
ألهمت النطحة الفنان الفرنسي الجزائري الأصل عادل عبد الصمد ليقوم بصنع عمل نحتي يبلغ طوله خمسة أمتار وهو مصنوع من البرونز، وقد عُرض أمام مركز جورج بومبيدو في باريس في السادس والعشرين من شهر أيلول سنة ٢٠١٢م.
وصف هذا العمل منظم المعارض آلان ميشو بأنه (ضد تقليد جعل التماثيل تكريماً لانتصارات معينة وهي عقدة لهزيمة)
في تشرين الثاني ٢٠١٢م أمعن ماتيرازي في استفزازه المستمر فالتقط صورة أمام التمثال وقام بتحميلها على حسابه في تويتر مع تعليق: (أنا أحب الكارهين).
هيأة متاحف قطر  دخلت على الخط فاشترت النحت بمبلغ لم يُعلن عنه في الرابع من شهر تشرين الأول سنة ٢٠١٣م، ووضعته على كورنيش الدوحة بالقرب من مطعم المرجان.
قال مدير الفن العام في هيأة متاحف قطر جان بول إنجلين 🙁 نحن نتوقع الكثير من الناس الذين يريدون التقاط الصور معه وهو قطعة مثيرة للإعجاب، إنَّه تمثال ضخم ويتم ذلك بنفس أسلوب التماثيل الأسطورية اليونانية ولكنَّ هذا يمجّد عيوب الإنسان. هذا يدل على أنه على الرغم من أننا نعامل في بعض الأحيان لاعبي كرة القدم مثل الآلهة فهم ليسوا آلهة بل إنَّهم مجرد بشر).
في الثلاثين من شهر تشرين الأول سنة ٢٠١٣م رُفع التمثال من مكانه على كورنيش الدوحة ؛ بسبب الانتقادات الموجهة لمن يُمجّد مثل هذه الأعمال، ثمَّ نقل إلى المتحف العربي للفن الحديث في الدوحة ليستقر هناك .
هل وقع زيدان في فخ الاستفزاز الذي نصبه له ماتيرازي بعد أن كانت فرنسا الأقرب إلى حصد اللقب؟
هل تستحق اللفظة البذيئة التي أطلقها ماتيرازي المعروف بمشاكساته أن ينهي زين الدين زيدان اللاعب الفذ مسيرته الكروية في الملاعب بهذه الطريقة ؟
والسؤال الأهم : ما قيمة الفوز أو المجد الذي يحققه المرء وهو يصل إلى أهدافه بمثل هذه الأساليب الوضيعة مع الخصوم ؟