23 ديسمبر، 2024 1:24 م

دعوى ثبوت النبوة العامة بالنبوة الخاصة 2/3

دعوى ثبوت النبوة العامة بالنبوة الخاصة 2/3

والآن لننظر إلى ما يسوقه علماء الكلام المسلمون من أدلة على صدق كل من النبوة العامة ونبوة محمد، لنرى مدى قدرتها على مواجهة أدلة العقل النافية لها، أو المشككة بصدقها. وهنا لا بد من تثبيت أني في لحظة كتابة هذا البحث، كنت ما أزال أتبنى مقولة الإمكان بالنسبة لصدق النبوة الخاصة، أي المصداق لمفهوم النبوة العامة المتجسد بنبوة محمد، وترتيبا عليها صدق النبوة العامة مفهوما، ومصاديقها أي النبوات السابقة، بدليل تصديق الخاص بالعام، في حال ثبت صدق الخاص يقينا. ولكن الإمكان العقلي لا يمنع من الوصول إلى نتيجة بترجيح إحدى كفتي التصديق أو عدمه، واللتان رجحت منهما عندي مع الوقت وباطراد كفة ترجيح عدم ثبوت النبوة؛ هذا الترجيح الذي أريد أن أبيّن أسبابه وأدلته.

هناك مقولة تناقلتها الأجيال المسلمة جيلا بعد جيل، واعتبرتها من البديهيات التي لا يقوى دليل على نقضها، وهي مقولة المعجزة الخالدة المتمثلة بالقرآن. ولو تمعنا بدقة في هذه الدعوى، لن نجد أمرا معجزا بحيث يصلح كدليل قطعي على إلهية القرآن، بل على مواجهة التشكيك بهذه الدعوى. فالكل يردد أن القرآن تحدى، ولم يستجب أحد لهذا التحدي. فالتحدي مثلا بأن يؤتى بمثله، يعتبر تحديا غريبا، لأننا إذا أتينا بمثله تقليدا له، مع تغيير في بعض المفاهيم والمفردات، فهذا سيعتبر تقليدا له، وأما إذا أتينا بشيء مغاير، فالقول أن القرآن أبلغ وأفصح وأدق وأشمل وأجمع وأمنع، تبقى قضية نسبية لا دليل عليها. فلو صح ادعاء أن كل نتاج بلاغي أو فكري استثنائي يكون إلهي المصدر، فلعل نتاج الكثير من المبدعين من شعراء وفلاسفة وفنانين وعلماء طبيعة يمكن نسبته إلى الله وادعاء الإعجاز له. وإذا قيل أن كل هذه النتاجات غير معصومة من حيث إمكان نقدها، فالقرآن لا يستثنى من هذه الحقيقة. وهناك في القرآن أدلة كثيرة على تعارضه مع الحكمة والفصاحة والبلاغة [فشعر الجواهري على سبيل المثال أقرب من القرآن إلى العصمة من الخطأ في النحو والبلاغة]. ومع الوقت سأتناول تلك التعارضات، التي سأذكر في الحلقة القادمة أمثلة منها على شكل عناوين.