في الاونة الاخيرة برزت مخاوف عديدة من صعود نجم الاسلاميين واكتساحهم للانتخابات وركوبهم لموجة الربيع العربي الذي فجرتها وقادتها مجموعات من الشباب والكهول نساءا ورجالا الغير منتمين الى اي فئة سياسية محددة والغير مؤدلجين باي ايدلوجية دينية او علمانية او ليبرالية وكان جل همهم رفع الجور والظلم والاقصاء عن كواهلهم المتعبة بسنين طويلة من تسلط الانظمة الفاسدة والمستبدة ,اقول لماذا الخوف من تنامي ظاهرة الاحزاب والتيارات الاسلامية ان صح التعبير وهنا اشمل في ذلك التيارات الاسلامية السنية والشيعية على حد سواء, اليس امرا طبيعا ان تبرز تلك التيارات السياسية بعد كل هذا القهر والظلم والاقصاء الذي
مورس عليها تحديدا من قبل تلك الحكومات الظالمة اوليس امرا طبيعا ان ينظموا انفسهم وهم المنظمين أصلا ويحشدوا قواعدهم في الوقت الذي ليس للقائمين الاساسين بالثورة اي تنظيمات او موسسات او احزاب تقودهم ,وبالمناسبة ان من قام بالثورة ليس له هدف الوصول الى السلطة كما يريد الاعم الاغلب من التيارات السياسية والدينية على وجه الخصوص فليس من باب المفارقة او المفاجاة ان يحدث هذا.ومن جهة اخرى نشاهد تراجع كبير للاحزاب اللليبرالية و الوطنية و العلمانية مما فسح المجال لها لكي تتسيد المشهد السياسي , والتي من الممكن ان نعزيها لاسباب عديدة ومنطقية ,اهما هو الانطباع السائد لدى كثير من المفكرين
والناشطين السياسين وبعض عامة الناس من ان تلك الحكومات التي سقطت كانت علمانية وكانت كل هذه النتأئج الكارثية التي وصلت اليها تلك الشعوب بسببها, والحقيقة ان تلك الحكومات ليست علمانية )وانا هنا لا اروج للعلمانية (حيث قامت باضطهاد العلمانين كما الاسلامين بمجرد انتقادهم للنظام فهي حكومات مستبدة وفاسدة ولاتحمل اي صفة فكرية سواءا علمانية او غير ذلك . كذلك غياب القاعدة الجماهيرية المنظمة والداعمة والسريعة التحشيد على عكس الاسلامين الذي يستطيعوا تحشيد تلك الاعداد الهائلة من الناس بمجرد ان يستفزوا مشاعر الدين او الطائفة او المذهب من جهة ويستغلوا عدم تعاطف الناس مع تلك الاحزاب نتيجة
لتجاربهم الطويله مع الدكتاتوريات التي كانت من حيث الشكل تتبنى الافكارالعلمانية و الوطنية و الليبرالية ومن حيث المضمون كانت تلهث وراء السلطة وتحارب كل من يهدد مصالحها وديمومة بقائها في الحكم من اي انتماء او فكر كان.. من جهة اخرى . لقد ولى زمن السكوت والرضوخ للحكام وقد تجرأت الشعوب على حكامها بغض النظر عن من يحكمها اسلامي ,لليبرالي ,شيوعي,ديموقراطي… الخ .الشعوب تريد الحرية والعدالة والرخاء هذا هو همها الحقيقي وليس همها من يحكم او من يريد ان يصل الى السلطة فمفهوم السلطة او الحكم بعد الربيع العربي تحول من تشريف الى تكليف وخدمة ولن ترضخ الشعوب بعد اليوم لأي ظلم او استبداد او فساد فالذي يثور على تلك الحكومات ويواجه بصدور عارية الة القمع والعنف الرهيبة لا يهمه فلان او علان الذي يتسلم السلطة ولا يمتلك عشربالمئة من قوة القمع لتلك الحكومات البالية .ولكن كيف يمكننا ان نحافظ على تلك الروح وهذا الوعي وان نطوره لكي يكون اهم اداة ضاغطة وموجهه للعملية السياسية والديموقراطية بأي بلد ثار وغير حكامه , والجواب على ذلك اقول ,دعوا من وصل للسلطة بطريقة ديموقراطية ان يقود الحكومة ولا تسمحوا له من ان يبتلع مؤسسات الدولة فهي ملكا للشعوب وليست للاحزاب مهما كانت شعبيتها, فالشعوب اكبر من كل هؤلاء وليس هناك من يدعي تمثيل كل الشعب سوأ أكان حزب او
تيار او مجموعة احزاب كذلك امتلكوا حرية التعبير وحرية الاعلام ولا تدعوا كائنا من يكون ان يمسها حتى ولو قال لكم البعض حراما او حلالا فهي كفيلة )حرية الاعلام والصحافة( بان تكشف الفاسدين والمفسدين واداة مراقبة فعالة لكل من يتلاعب بمقدرات الشعوب ومصائرها لاي سبب كان ومها كان , امتلكوا الشارع لا البرلمان لأن هذا الاخير سوف يكون تحت مساومات ومحاصصة الساسة والتيارات السياسية الفائزة بالانتخابات ولا نرجو منه الكثير للاصلاح , فمن يمتلك الشارع اليوم كانه ممسك بالدولة والحكومة معا فلقد كان هذا الشارع ولا يزال السبب الرئيسي بسقوط الطغاة والمستبدين وليس التيارات والاحزاب المعارضة )اسلامين او علمانيين (. .واخيرا اسمحوا لي ان اقرأ المستقبل السياسي القريب المنظور من وجهة نظر متواضعة وكيف ستؤول الاوضاع اليه ,ان كل من يستلم السلطة بدون مكافحة الفساد وسرقة المال العام وبدون تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية لبلده وتوفير مستلزمات العيش الكريم لابناء شعبه سوف يكون مصيره الفشل والنسيان والمحاكمة وبما ان الكثير من التيارات الاسلامية اليوم ليس لها تصور عن مرحلة ما بعد السلطة كونها احزاب معارضة ليس لها تجربة حكم وهذا يحسب لهم لا عليهم كونهم قد اقصوا عن الحكم لفترات طويلة من قبل الحكومات السابقة ,ولكن ايضا ليس لهم روؤيا واضحة ومنهج عمل متكامل واقعي وعملي ومعاصر
لمعالجة الكثير من الاشكلات الاقتصادية والمالية وادارة الدولة وتحقيق التنمية وتعزيز فرص النموا الاقتصادي واصلاح الواقع المتردي لبلدانهم , كذلك ليس لهم ايه الية حقيقية لتحقيق طموحات الجماهير الساعية للانعتاق والحرية الفكرية والرخاء الاقتصادي والاجتماعي ,فضلا على ذلك وجود محددات وكوابح قد قيدوا انفسهم بها لا يستطيعون تجاوزها لان كما اسلفنا انهم دعاة معارضة وتحشيد معنوي وليسوا دعاة نهج اصلاحي واقعي وعملي ومعاصر وهنا لا اريد ان اخوض بالتفاصيل الفكرية والفلسفية لانها معروفة لدى الكثيرين من المفكرين والمثقفين وعامة الناس المتابعين لمناهج وافكار تلك التيارات والاحزاب فهي ان صح القول لا تمتلك مقومات الاستمرار بعد مرحلة تسنمها قيادة السلطة بالشكل الذي يجعلها تحقق اماني الشعوب ,وهنا لابد من التذكير ان من اهم محددات تلك الاحزاب او التيارات هي مرجعيتها ففي مناهجها جميعا سواءا كانت شيعية ام سنية مرجعيتها القران والسنة في حين ان النظام الديموقراطي الذي اوصلها للسلطة يستند بمرجعيته الى سلطة الشعب .
وهذه اشكالية كبرى لا اعلم كيف سوف يجدون تفسيرا لها ,فربما سيقولون لنا نعم الاسلام ديموقراطي ويؤمن بسلطة الشعب ويخرج علينا مفكريهم بتأويل الايات القرانية ويفسرها حسب رأيه ويجعلها تحقق اهداف حزبه المصون . على اية حال حسنا فعلوا عندما احتكموا لرأي الشعب وجعله المرجعية لهم ولو من حيث الشكل, فانا اعتقد انها خطوة صحيحة على طريق الاقتراب للواقع ومحاولة جدية لنزع ثوب القدسية والانخراط بالعمل الانساني الذي يحتمل الخطاء والصواب وينبغي تشجيعهم عليها.ومن هذا المنطلق وغيره اقول ان زمن استمرار تلك الاحزاب سوف يكون فترة انتخابية واحدة يشوبها الكثير من اللغط والاشكالات الفكرية
والانشقاقات الحزبية وفشل كبير في تحقيق اهداف وطموحات الشعوب,وسوف تتشظى تلك التيارات وتتحول فيما بعد الى محاكاة الواقع وتنزع عنها صفة الفوقية والربوبية واقصاء الرأي الاخر وتتخلى عن فكرة)الاسلام هو الحل ( وعندها سوف تندمج مع تيارات المجتمع الليبرالية والعلمانية والوطنية وربما تقودهم ايضا لطوي صفحة ماضيها فهي تتمتع ببراغماتيه عالية لا يجاريها اي حزب لليبرالي او علماني .