ألتسامح من أجمل المفاهيم الانسانية التي تعزز روح التعايش والسلام بين الناس باختلاف أديانهم وقومياتهم وألوانهم وأعراقهم, ولقد أكدت عليه جميع الأديان السماوية وأمر به جميع الأنبياء لما له من تأثير كبير على استقرار المجتمعات وابتعاد عن التعصب والحروب التي تحدث كثيراً عند غيابه ودائماً ماتأكل الأخضر واليابس.
إنَّ التسامح كمفهوم انساني لا يمكن أن يُبنى ويُنمَّى وينتشر في مجتمع ما من خلال نصوص قانونية فقط ، ولا ينتشر من خلال دعوات من منابر مختلفة (دينيَّة وسياسيَّة) فحسب على الرغم من أهميَّتها ,وإنَّما يُبنى من خلال ثقافة تسهم في بنائها المكوّنات السابقة ومكوّنات أخرى في طليعتها المثقفين الذين يقع على عاتقهم دوراً كبيراً في نشر مفهوم التسامح وتطبيع مجتمعاتهم على ممارسته بشكل طبيعي وهذا لن يتحقق الا بقيام المثقفين وكلٌ من موقعه واختصاصه بشرح أهميته والتركيز على نتائجه المرجوة للمجتمع من خلال الاستقرار الذي سيحدث بين مكونات المجتمع وتقليل المشاكل والجريمة والتعصب الديني والقومي وتجنب الحروب والممارسات الخاطئة وانتشار الأمان بين أفراد المجتمع.
ان الشخص الذي يمارس التسامح في حياته اليومية يرافقه شعور بالسلام الداخلي والراحة النفسية لذا فان نتائجه ستكون له قبل أن تكون للآخرين, وأجمل مافي التسامح عندما يكون عند المقدرة أي عندما يمتلك الانسان المقدرة والأدوات على ايقاع الضرر بانسان آخر قد أساء اليه بطريقة ما, وهنا عندما يسامح ويعفو فسينتابه شعور داخلي جميل بالقوة والراحة بنفس الوقت.
في مجتمعنا مع الأسف يعتبر الانسان المتسامح ضعيف الشخصية لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً لأن الطيبة شيء وضعف الشخصية شيء آخر حيث أن التسامح يخمد نار الرغبة في الانتقام وينهي المشاكل في مهدها, لذا ينبغي علينا جميعاً أن نتحلى بمبدأ التسامح في كل تفاصيل حياتنا لأنه يغير نظرتنا للحياة ويجعلنا نتفه ونكتشف مزايا الأفراد المحيطين بنا بدلاً من البحث عن سلبياتهم ونواقصهم.
يعتبر التسامح الديني و السياسي وعلى مر العصور من أبرز جوانب مفهوم التسامح، سيما وأن الخلافات في الآيديولوجيات الدينية و السياسية قد تسببت في حروب و حملات تطهير و خلّفت الدمار والقتل والتهجير وذهب نتيجتها الكثير من الأبرياء.
يحتفل العالم أجمع في يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بـ(اليوم العالمي للتسامح)
حيث تم اعتماد هذا التأريخ من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1996 وصار (إعلان مبادئ التسامح الأممي). وتؤكد الأمم المتحدة في هذا اليوم عن التزامها في دعم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب، وتحقيق حياة أفضل للإنسانية بغض النظر عن دياناتهم وجنسياتهم وعرقهم ولونهم وثقافاتهم، وفتح باب الحوار والتعاون المشترك بين الشعوب.
والتسامح هو ما يحتاجه العالم في هذه الأوقات، التي تسود فيها الحروب والنزاعات والتطرف والعنف وازدياد الصراعات والتمييز، وعدم الاعتراف بحقوق الآخرين.
كما أن جملة المبادئ التي أوردها “إعلان اليونسكو” حول التسامح يؤكد ضرورة “الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد”.
دعوتي المتواضعة لجميع المثقفين والسياسيين والتربويين وشيوخ العشائر أن يأخذوا دورهم الانساني الحقيقي في العمل على نشر مفهوم التسامح في مجتمعاتنا لكي ننعم بالأمان والسلام الذي افتقدناه منذ عقود طويلة.