23 ديسمبر، 2024 1:48 ص

دعوة لعتق العقل من أسر الدين 2/2

دعوة لعتق العقل من أسر الدين 2/2

مقالة نشرت باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
وهكذا يتحول الدين إلى سجن للعقل [ويُستثنى عقلاء الدينيين]، ويكون النص الديني بمثابة أداة تعطيل وتخريف للعقل. فحتى العقلاء من أهل الدين تراهم يعطّلون عقولهم، ولو بنسبة دون غيرهم، طالما هم سجناء الدين، يعطلونه عندما يحسون منه في حركته التأملية وتساؤلاته وبحثه عن ثمة إجابات مقنعة غير هاربة من مواجهة الحقيقة إلى مناهج التبرير، عندما يحس واحدهم من عقله اقترابا من المساحات المحرمة، عندما يكون في حالة حركة بحثية استطلاعية تطرح النص أمام الشك العقلي، ذلك الشك الباحث عن الحقيقة، فتجد هذا العاقل أو العقلي المتعبد بالنص سرعان ما يدير ظهره لعقله، أو منهجه العقلي، فيهرب من المواجهة، مودِعا عقله ثانية في زنزانة النص الديني، الذي كاد ينعتق منها بحثا عن إجابات في الفضاء المفتوح خارج سجن النص الديني، فيزجز تدينُه عقلَه ويأمره بأن تكون حركته القلقة الباحثة حصرا ضمن ما تتيحه له زنزانة التقوى المُتوهَّمة، ومخافة الله المدَّعاة، فيلجأ العقل مضطرا إلى أن يقنع نفسه بأنه مقتنع، ولو من غير اقتناع، فيبحث في التوفيقيات والتبريريات، أو ما يسميه بالتوقيفيات والتعبديات، عن وسيلة للتوفيق ما بين قلق المعرفة والشوق إلى اكتشاف الحقيقة مما يستوجب الانعتاق من سجن الدين، للتوفيق ما بين الميل الفطري إلى الاعتدال والعقلانية والمثل الإنسانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بين التعبد لله بالنص، دون إدراك أن هذا التعبد الموهوم بالنص لله، قد استحال في الحقيقة إلى عبادة للنص، من دون الله، فترى مثل هذا الهارب من مواجهة الحقيقة في خضم هذا التجاذب بين ذا وذا، يبدأ بمحاولة بائسة أو يائسة في الاستغراق في المنهج التبريري لفهم النص، مهما بدا النص لوعيه الباطني متعارضا مع ضرورات العقل الفلسفي أو العقل الأخلاقي، فيعيش أزمة داخلية يكابر في الاعتراف بها، لأنه يخشى مواجهتها، هذه الأزمة المتأتية من الصراع ما بين العقل الباطن الذي لا يسمح له أن يطفح من قعر اللاوعي إلى سطح الوعي، فيتحول من عقل باطن محجوب، إلى عقل ظاهر مُسفِر، مُفصِح عن رفضه لمضمون النص، ولتأويلاته التبريرية الهروبية، أي التبريرية الهاربة من مواجهة حقيقة استحالة صدوره عن الله، عبر التمسك بقداسة النص الموهومة، حتى لو أدى ذلك التمسك إلى التضحية بقداسة الله السبوح القدوس، أو إلى خدش تلك القداسة حماية لقداسة النص من أن تُخدَش أو يُنتقَص منها، بحجة أن الدين لا يُدرَك بالعقول، وأن عرض الدين على العقل وإخضاعه لحاكميته إنما ذلك مدخل من مداخل الشيطان، غير ملتفت أنه إنما بذلك قد خدش جوهر الإيمان، وانتقص منه، وعكر صفو العلاقة بالله سبحانه، وأخل بمبدأ تنزيه الله الذي يمثل ذروة توحيده، والذي أي توحيده يمثل ذروة الإيمان به، وغير مدرك أن ما صنعه لنفسه من دين، إنما كان صدّا عن سبيل الله، عندما تحول الدين إلى عامل تنفير من الله، بدل أن يكون عامل جذب إليه سبحانه، وعندما صار الدين طاغوتا يزاحم الله في ربوبيته، ووثنا يُسجَد له من دون الله، ونِدّا يُعبَد من دون الله، ومقدَّسا يُقدَّس غُلُوّا فيه فوق تقديس الله تقدست وتنزهت من النقص محامده.