في الثمانينات كنت اذا زرت القنصلية العراقية في وارشو أو وارسو والتقيت بأي عراقي وسألك عن مكان دراستك وأجبته مدينة كراكوف فانه سيقول لك على الفور… انتم اللي سويتم هريسه للحسين!
عبد الله طالب عراقي ممتلئ الجسم ، متوسط القامة، دائري الوجه، ذو لحية خفيفه لم يكن احد يعرفه خارج دائرته الضيقه ولكن ذات يوم وليلة نال شهرة واسعة عريضة في اوساط الطلبة الدارسين وفي دائرة المخابرات ببغداد ودائرة البعثات و السفارة العراقية في وارشو بسبب اقدامه على فعل لم يكن ليقدم عليه احد ولم يكن يفكر فيه احد. في السنة الدراسية الثانية من دراسة اللغة البولونيه قرر معهد اللغة ان نجتمع نحن العراقيين من الطلبه في قسم داخلي واحد بعد ان كنا موزعين بين مختلف الاقسام ووجد لنا المعهد قسم داخلي بعيد عن المدينة الطلاببة ومنعزل تماما ولذلك اسباب كثيرة كان اهمها مشاجرة بين طلبه عراقيين وبولنديين ادت الى تدخل قوات مكافحة الشغب في فترة امنية حرجة في تاريخ بولونيا حيث كان الصراع على اشده بين نقابات العمال بقيادة لخ فاونسا وبين الحزب الشيوعي الحاكم وعلى رأسه الجنرال يارزولكسي وقد ظنت الدوائر الامنية في المدينة ان مصادمات قد تجددت بين الطلبه والشرطه وحين ارسلت مكافحة الشغب اكتشفت انه مجرد شجار ليلي بين طلبه بولون واجانب ولاعلاقه له البته بالسياسه وبنقابات العمال.
لم اعرف شئ عن المقدمات، كيف جلسوا وخططوا ووزعوا الادوار ولكن الحكاية تبدأ حين سمعت نقرا على الباب وطلب مني الطارق اعارته طاولة القراءة وحين خرجت من الغرفة بعد وقت رأيت في الممر الطويل والممتد على مسافة مئة متر الطاولات وقد رصفت على طول الممر وكأن هناك وليمة كبيرة تعد لعدد غير محدود من الاشخاص. بعد نصف ساعة تقريبا سمعت نقرا على الباب من جديد, فتح الباب واطل واحد من الطلبه فقال لي ولضيفي ياجماعة انتم معزومين على العشاء. خرجنا فوجدنا الدنيا مقلوبة كل الطلبه العراقيين متجمعة حول الطاولات التي رصفت عليها صحون التمن ومرقة القيمه المشهورة . كلوا واشربوا هنيئا لكم انه عاشوراء.
دعا عبد الله او من أنضم اليه لاحقا بالدعوه العاشوريه طلبة الدكتوراه الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة مع السفارة ولم يعترض منهم احد على فكرة الوليمة ولكن هكذا يبدو الامر على ظاهره ربما جاء من جاء من اجل تكوين فكرة عن الموضوع ورفع تقرير بها لتبرئة الذمه .انتهت الوليمة كما بدأت بهدوء هكذا في الظاهر ايضا! ولكن الاشاعات بدأت تتردد بعد ايام من الوليمة ولم يكن طعم رائحة الأكل الدسم قد بارحتنا بعد .ثم انقلبت الاشاعات الى اخبار موثوقة يتحدث عنها الجميع وبصوت اعلى. بغداد تستدعي عبدالله للتشاور في أمر الوليمة بل والاكثر من ذلك تستدعيه مع سبعة من رفاقه! ليس من شاركه الفكره بل من اشترى له التمن وجاء له بالدهن بل واستدعي واحد لم يشتري شئ بل حمل الخروف بسيارته عند شراءه يعني اتهام بالدعم اللوجستي! ودب الخوف وانتشر الرعب في قلوب الطلبة انتشار الهشيم في النار. الساعد الايمن لعبد الله حمل نفسه وهرب الى هنغاريا فكان اول العراقين الهاربين! المجموعة المستدعاة من المخابرات ذهبت اما افرادا اوجماعات ولكنها كلها عادت من بغداد وماجرى لها ظل سرا مقدسا دفينا دونه الموت. ارتابوا في بغداد في خلية تتبع تنظيم حزب الدعوة و يقيم وليمة لسيد الشهداء ، وكل الامر ان عراقيا من الجنوب احب ان يدعوا رفاقه من الطلبة على وليمة في ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين عليه السلام
وبما ان عبدالله رجع بعد المشاوره فهذا يثبت بالدليل شبه القاطع بان الولد لاعلاقه له بتنظيم حزب الدعوة المحظور..
ملحوظه:
لم تقدم في الوليمة اي هريسه وجاء ذكر الهريسه بسبب كذب الرواة وتندرهم .