23 ديسمبر، 2024 9:39 ص

دعوات الانسحاب .. في مصلحة مَنْ ؟

دعوات الانسحاب .. في مصلحة مَنْ ؟

مع تصاعد العدّ العكسي لموعد الانتخابات البرلمانية في أيار المقبل، يتسابق هواة السياسة وغواتها والمستثمرون فيها، في ما بينهم برفع الصوت مطالبين بسحب القوات الأجنبية (معظمها أميركية) من البلاد بدعوى انتفاء الحاجة إليها.
لكن هل الحاجة منتفية بالفعل؟
مثل هذا الوضع سبق أن عشناه في العام 2011. يومها أيضاً نشط سوق المزايدات بين السياسيين وهواة السياسة وغواتها والمستثمرين فيها، رافعين شعار استعادة السيادة الوطنية، ولم يهدأوا إلا بسحب القوات الاجنبية (معظمها كان أميركياً أيضاً)، فيما كان العراق لم يزل يواجه حرب الإرهاب الضروس مع تنظيم القاعدة.
دعاة الانسحاب تحقّق لهم ما أرادوا، لكنّ ذلك صبّ في مصلحة تنظيم القاعدة الذي ظلّ يضرب أينما يريد وحيثما يشاء، حتى بلغ الأمر ذروته باجتياح داعش واحتلاله ثلث مساحة البلاد. الاجتياح ترتّبت عليه مآس ومحن ضربت أكثر من ستتة ملايين عراقية وعراقي لم يزل نصفهم تقريباً يعيش في مخيمات النزوح البائسة، فضلاً عن عشرات آلاف القتلى والجرحى والأسرى والسبايا ومجهولي المصير.
دعاة السيادة استعادوها إذّاك من الاميركيين لكنهم في الواقع قدّموها على طبق من ذهب الى تنظيم القاعدة ثم وريثه داعش.
الدعوة الجديدة، إذا ما تحقّق لأصحابها ما يريدون، ستكون هدية مجانية من السماء لتنظيم داعش الذي يطلّ برأسه من جديد الآن في أكثر من موقع ومنطقة من المناطق التي احتلّها على مدى سنوات منذ حزيران 2014.
فضلا ًعن هذا، فإن عودة داعش الى نشاطه الإرهابي تتزامن مع العمليات العسكرية لتركيا الأردوغانية داخل العراق، وهي عمليات لن تنتهي أبداً بطرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني أو القضاء عليهم.. التجربة تفيدنا بأن العسكر الترك لا يتركون منطقة يحتلّونها .. قبرص شاهد وسوريا شاهد .. والعراق هو نفسه شاهد، فمواطئ القدم العسكرية التي أقامتها تركيا في كردستان العراق في الثمانينيات من القرن الماضي بالاتفاق مع نظام صدام لم تزل قائمة حيث هي، بل إنها الآن ازدادت عدداً وعديداً وعُدّة.
إيران لا يروق لها أن يبقى جندي واحد في العراق .. هذا شأنها ومصلحتها، لكنّ شأننا نحن العراقيين ومصلحتنا ألا نكرّر الخطأ الذي ارتكب في 2011. انسحاب القوات الدولية، وبخاصة الأميركية، الآن لن يكون في مصلحة إيران وحدها كما ترى هي وترى جماعاتها في العراق.. إنه في مصلحة داعش وتركيا في المقام الأول.
الموقف الصحيح أن يُترك أمر القوات الأجنبية الى الحكومة ومصيرها، فهي مَنْ يمكنها تقدير مدى الحاجة أو عدم الحاجة الى أيّ قوات أجنبية.