الديموقراطية كآلية للحكم فكرة توافقية، لكنها غير ناضجة، ومليئة بالعيوب والثغرات الجوهرية. ولقد تمت صناعة هالة أقرب للقداسة حولها لحمايتها من قبل وسائل الاعلام الموجهة او الساذجة التي تنعق مع كل ناعق، ولولا هذه الهالة المصطنعة لالتفتت الشعوب الحية اليها وناقشتها. وقد كانت هذه الآلية ضرورية في البلدان الاوربية القديمة لكونها لم تكن قائمة على نسق فكري معين، بل كانت أقرب الى النظم العفوية الفوضوية، التي تنتهي الى الملك الذي لم يكن سوى شخص عادي ينتظر تحقيق المزيد من الملذات. وكانت القوانين يتم سنّها وفقاً للهوى الملكي او الاميري في أحسن الأحوال. وهذا الحال غير موجود في الشرق الحضاري الفلسفي قطعا، بل الديموقراطية كانت اختراقاً فوضوياً غربياً لحضارة الشرق، تلج منها الأفكار الاستعمارية بصورة ناعمة.
فالديموقراطية مهما استطاعت ان تحقق من حقوق للأكثرية فهي لابد ان تسحق حقوق وامتيازات الأقلية. وليس بالضرورة ان تكون الأكثرية نبيلة او صاحبة حق شرعي انساني، فالغرائز البشرية قد تحكم حركتها فعليا، كالأنانية.
اذ تساوي وسائل الديموقراطية عند التصويت بين العالم والجاهل، وبين السوي والمجرم، وبين الكبير الناضج والصغير النزق، او قد تصل – حين لا يلتفت أحد – الى مساواة العاقل بالمجنون. فجميعهم له صوت انتخابي، لكنّ الأكيد ان ليس جميعهم له عقل انتخابي.
وحين تتعارض الأفكار التي تتنافس للوصول للحكم بالطريقة الديموقراطية بين الإسلام والشيوعية والاشتراكية والرأسمالية او اية عقيدة أخرى تقوم على أساس شمولها الجذور الأولية لنظام الحكم، ومنه رفض الآلية الديموقراطية والاحتكام الى البعد الفلسفي او الديني، وارادت احدى هذه الجهات تطبيق فكرها بعد وصولها للحكم بصورة ديموقراطية، عندئذ تعاني هذه الآلية عقدة غير قابلة للحل او التوافق مع الفكر السياسي المنتصر. فأما الغاء وجوده او الغاء الآلية الديموقراطية ذاتها. او قد يتم التوافق على الا تنفذ اية جهة فائزة فكرها على الأرض لحفظ حقوق الاخرين، ومن ثم يكون نظام الحكم عبارة عن فوضى، يتبرأ كل فكر منها. وهو الحاصل في العراق.
كما ان هذه الآلية تقوم على أساس الاقناع والانتشار، لاسيما في عصر تكنولوجيا الاعلام، وهذا ما يقوم على المال، والذي لا يكون ربما سوى في يد العصابات ومافيا الفساد , التي ستغطي ذئبها بصوف الخروف .
او قد تراهن المؤسسات السياسية ذات المستوى المتدني على غباء الناخبين، لا وعيهم، للوصول للحكم. فهي لا تستطيع الارتقاء، فتلجأ الى خفض مستوى الذكاء العام، من خلال اليات الاعلام والاشاعة والتخريب للمنشآت التعليمية والتربوية والأخلاقية. الامر الذي ينتج جهلاً وفساداً مركّبا. كما هو حاصل مع اكبر كتلة برلمانية عراقية .
وفي النظام الديموقراطي تظل النظم التعليمية والاقتصادية والجنائية والشخصية بلا أسس فلسفية. وانما تقوم على الأسس التوافقية، التي تتغير بين فترة وأخرى. الامر الذي يتسبب في ارهاق المواطن جسدياً وفكريا.