قيام أي نظام للحكم في العالم تحت حراب الاحتلال عملية خاضعة غير طبيعية . فلا يمكن تصور ان تأتي هذه الحراب من دول فاسدة وتنفق مليارات الدولارات لإنشاء نظام حكم عادل دون ان تبتزه . وبالتالي وعلى الأقل ستنتج خلطة سياسية فوضوية .
ان ما جرى في العراق من خلال فرض قانون إدارة الدولة على مجموعة كتابة الدستور بعد احداث النجف الدامية وعدم وعي المقاتلين هناك حينها لما يراد تأسيسه على اثر تلك المعركة لصبيانيتهم السياسية أسس لنظام مبادئ دستورية فاشلة في كل الجوانب الاقتصادية والقانونية والتعليمية والأمنية والإدارية والدينية في العراق .
كما ان عدم التصدي الحقيقي للمرجعية الدينية المؤثرة اعطى الفرصة للأمريكان وللأحزاب المختلفة التي جاءوا بها لتنفيذ رؤاهم المتضاربة والمختلفة , والتي انتجت الدمار . وملخص هذه الرؤى ( خذ اكبر مقدار من الكعكة ) .
ولا شك ان الأحزاب العراقية المؤسسة لما بعد 2003 م بفسادها خضعت للسلطان الأمريكي . اذ كانت هيئة النزاهة – كما على لسان رئيسها السابق موسى فرج – ملزمة برفع التقارير الشهرية الى السفارة , ومن ثم فالسفارة الامريكية كانت تسيطر على رقاب الفاسدين وتملك زمام امورهم او اسكاتهم على الأقل . وبالتالي فجميع المشاريع الامريكية الاقتصادية والأمنية سارت بهدوء . وصارت الولايات المتحدة تملك ولاءات اكبر مساحة من الأحزاب العراقية . بالإضافة الى لعبها على وتر القضية الكردية والعرب السنة لتحقيق اكبر مقدار من المكاسب . فصارت تتحكم بخيوط اللعبة .
امام هذا المد كان هناك مد آخر , معارض , لا مرجعية له ويحتاج الى الدعم , ولا يتمتع ببعد سياسي مناسب , ولا رؤى عقلية ناضجة , الا انه أراد ان يكبر وهو في صباه , ليواجه الغول الأمريكي , فاختار الأقرب اليه فكرا , كما يظن , وهي السفارة الإيرانية . ولأنه لم ينضج بعد اختار ان يكون مقاتلا , لكنه فشل في إدارة الدولة أيضا .
وكانت هناك دول الخليج بسفاراتها بداعي الحفاظ على مصالح بعض أطياف الشعب العراقي , حتى جعلتهم شظايا , بعد ان أرسلت اليهم الاف الإرهابيين . وكانت هناك سوريا , الدولة الأولى التي دربت الإرهابيين وارسلتهم الى العراق , ظناً منها انها تستطيع هزيمة الامريكان , فانقلب السحر على الساحر . وتركيا وإسرائيل والدول الكبرى . بل حتى الأردن , التي تعمل سفيرة العراق فيها كممثل عن الأردن وليس بلدها .
نعم , كان الجميع بحاجة الى الدعم وطرق باب السفارات , في ظل صراع داخلي انشأته وعززته ديموقراطية فوضوية تقوم على الاختلاف في الرجال لا في الأفكار الإصلاحية .
فوصل الحال الى استغفال الشعب وإعطاء ثروته للشركات المتعددة الجنسيات , عن طريق السفارات ومن يواليها , واقنعوه – بالتعاون مع صندوق النقد الدولي – ان خزينته فارغة وان العالم يساعده .