تبادل الشتائم ورمي الاتهامات والمناكفات السياسية لن تبرأ أحدا من التقصير، ايضا لا داعي لتخوين كل من يقف مع حقوق المتظاهرين ومطالبهم في توفير الماء الصالح للشرب والخدمات سيما ان حق التظاهر مكفول على وفق الدستور وما على الحكومة سوى توفير الحماية والامن للمتظاهرين من جهة ولمؤسسات الدولة من جهة ثانية.
الازمة الحالية في البصرة افرزت حالة الفوضى التي تعيشها الحكومة والفجوة العميقة بين الحكومات المحلية من جانب والحكومة الاتحادية من الجانب الآخر. المحافظ يخلي مسؤوليته ويرمي الكرة في ملعب الحكومة الاتحادية والاخيرة تحمل المحافظ الفشل والتقصير، والمواطن له الله، كنا قبل جلسة البرلمان يوم السبت الثامن من ايلول لا نملك الادلة الملموسة على عمق الخلافات وحساسية المواقف، أما بعد الان اصبحت الامور واضحة وضوح الشمس.
أحد السياسيين وصف أحداث البصرة بأنها “ذات بعد سوسيولوجي ونفسي وتراكمي فعلى الاقل منذ عام 1800 وحتى هذه اللحظة لم يشهد العراق عقدا واحدا من السنوات من دون ثورة او انتفاضة أو خراب” أفهم من رأيه “أن الشعب العراقي ورث الازمات لا بل هو من يصنعها” مما يعني ان الشعب هو سبب عدم الاستقرار واذا كان الامر كذلك فأننا أمام سلسلة ازمات لا آخر لها، وبما أن تبديل الشعب مسألة عويصة وان الحكومات المتعاقبة على العراق لا تمتلك منهجا او ايديولوجية لتغيير المفاهيم المتراكمة فليس لنا الا ان نقبل بالامر الواقع ونتعايش معه. !
ويبدو لي ان تسطيح مطالب الجماهير والقفز على حقوقها في العيش الكريم وتوفير متطلباته من الخدمات المختلفة اضافة الى فرص العمل للخريجين والشباب الاخرين هو الذي يدفع المواطن المثقف والبسيط للخروج الى الشارع وليس التراكم النفسي او البناء السوسيولجي للموطن، لا يوجد شعب في العالم يقبل ان يعيش في ظروف كالتي يعيشها المواطن العراقي فلماذا نحمل المواطن ولا نحمل الحكومة التي بيدها الحل والربط، هل تعتقدون ان شعبا يعيش حياة كريمة ممكن ان يحرق الممتلكات العامة او يعتدي على المؤسسات ويصطدم بافراد الشرطة أو الجيش، حتما لا. ثم اذا افترضنا جدلا صحة ما ذهب اليه السياسي فما هو دور الحكومات والاحزاب والكتل التي تمتلك السلطة وتتحكم بالمال في تغيير نمطية تفكير الاجيال المقبلة، طبعا ولا شي.
الحقيقة المؤلمة التي ينبغي الاعتراف بها هي ان الاحزاب او التجمعات الحزبية المتصدية لم تضع في مناهجها ان كان لها منهجا، التضحية من أجل الشعب قبل وبعد كل شيء بقدر حرصها على جني الامتيازات والحصول على المناصب، ففي جميع الازمات لم يلاحظ المواطن حرص هذه الاحزاب على الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين المكونات في الجانب العملي وفي ظل جميع الظروف غير ما سمعه من شعارات وهتافات، في ازمة البصرة مثلا لم يتورع أي حزب من الاحزاب او الكيانات التي تشكل حكومة البصرة المحلية في حث اعضائه للنزول الى الشارع والقيام بحملة تنظيف أو معالجة شحة الماء وتلوثه بينما اظهرت الازمة ان المتنفذين هم سبب اوجاع المواطن البصري ومشاكله المتراكمة.
المرحلة المقبلة تتطلب مواقف مضحية خالية من الصراعات تعيد الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة والالتزام بالمواعيد الدستورية في تشكيل الرئاسات الثلاث وتشكيل حكومة خدمات تعالج مخلفات الزمن الضائع والاهمال الواضح.