22 ديسمبر، 2024 7:42 م

دروس لثورة تشرين الشبابية من غير وصاية 1/2

دروس لثورة تشرين الشبابية من غير وصاية 1/2

هناك ما يجب بتقديري أن يقال أيام ترقب استئناف ثورة الشباب في العراق. فحتى أربعين الحسين تمر ثورة تشرين الشبابية في أيام ما يمكن نعتها بـ (استراحة المحارب)، مع التسامح في استخدام كل من مصطلح «استراحة» ومصطلح «محارب»، فالحرب هنا مجازية لكونها سلمية. رأيت أن أستغل هذه (الاستراحة) – إن صح التعبير – لأتناول بعض ما يجب أن يقال، حسب تقديري. ولكني ارتأيت أن أواصل ما أسميته مع الاستئذان بـ «دروس». فإني بذلك لا أريد، بل لا أسمح بهذا لنفسي أن أزاول دور الوصاية على الجماهير الشبابية الثائرة، فإني أعي جيدا مدى حساسية الجماهير الشبابية المنتفضة محقة من فرض أي شخص أو أي تنظيم سياسي ثمة وصاية عليهم.

لكني ربما بوصفي مستقلا، لا أنتمي إلى أي حزب، رغم إيماني الشديد بالعمل الحزبي، أملك فسحة من حرية أكثر مما لو كنت حزبيا في طرح بعض الأفكار التي أراها مفيدة للفعل الثوري القائم.

وبلا شك إن من الشباب المنتفض، من يتمتع – قل هذا النوع أو كثر – بقدر من الوعي السياسي، مما يجعله يقدر به مدى ضرورة الفكر السياسي لكل عملية تغيير. فكل الثورات قامت على أساس فكر فلسفي أو اجتماعي أو سياسي، اعتُمِدَ في تلك الثورات التغييرية من قبل الجماهير الثائرة. ولذا فإني إذا لم أستطع أن أخاطب كل الشباب المنتفض، فإن خطابي من الممكن أن يصل إلى الشريحة الواعية منهم، ولعها المؤثرة بقدر أو بآخر.

بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي:

تكررت الدعوات من قبل المشاركين في انتفاضة الأول من تشرين الأول المطالبة بالتحول من النظام البرلماني (النيابي) إلى النظام الرئاسي. وهذه المطالبة جاءت نتيجة خيبة أمل الشعب العراقي في أداء مجلس النواب في دوراته الأربع أو الخمس إذا أضفنا الجمعية الوطنية التأسيسية إليها. وهنا يجب التنبيه إلى مجموعة حقائق:

الحقيقة الأولى: إن المشكلة ليست في النظام النيابي، بل في القوى السياسية التي مُثِّلَت في مجلس النواب حتى الآن، من خلال سوء الاختيار من قبل الناخبين أنفسهم، وعامل التزوير، وغياب البدائل المؤثرة للقوى السياسية السيئة والمرفوضة من قبل الجماهير الثائرة.
الحقيقة الثانية: النظام الرئاسي يختزن أكثر من النظام النيابي خطورة التفرد والاستبداد، لسعة الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، الذي هو في نفس الوقت رئيس السلطة التنفيذية (الحكومة)، بعكس النظام النيابي الذي يمثل رئيس الجمهورية فيه منصبا رمزيا شرفيا، أكثر من كونه رئيسا تنفيذيا. وبنظرة سريعة لتجارب الأنظمة الرئاسية الحالية في العالم، نجد أمامنا أمثلة تبتعد بدرجة أو أخرى عن أسس الديمقراطية، مثل ترامپ، أردوغان، پوتين، السيسي. فلنفكر مَنْ يا ترى مِنَ الشخصيات السياسية نستطيع أن نثق به ليتمتع كرئيس بصلاحيات النظام الرئاسي، ويملك في نفس الوقت فرصة أن يفوز في الانتخابات، ثم لا يستبد.
الحقيقة الثالثة: يتوهم الكثير من المطالبين بالتحول للنظام الرئاسي، من الذين لا تتوفر لديهم ثقافة سياسية كافية، أن النظام الرئاسي يخلو من البرلمان (مجلس النواب). فالنظام الرئاسي له أيضا برلمان منتخب، وإذا بقيت نفس القوى السياسية الراهنة، وبقيت نفس الشخصيات السياسية الحالية هي التي ستتبوأ مكانها في مجلس النواب، حتى في إطار النظام الرئاسي، فلا نكون قد غيرنا الكثير، علاوة على خطورة سعة صلاحيات الرئيس كما بينت.

نعم، ربما هناك فكرة، تكون الأولى من نوعها، يمكن أن تُجَرَّب في العراق، وهو أن نمر بمرحلة انتقالية لدورة نيابية واحدة، تُحَلُّ فيها جميع الأحزاب الحالية، ويجري الترشيح الفردي لعضوية مجلس النواب، ويجري تأسيس أحزاب بشروط توضع في ضوء تجربة العراق السياسية بعد 2003.