علمنا التاريخ بأن السلوك الخارجي للدول يشبه الى حد كبير سلوكيات الأفراد من حيث الخلجات السايكوبولتية والتمني والتطلع نحو رسم الأمنيات المستقبلية بجانبيه النظري والبراغماتي. فنحن اليوم نشهد ربيعاً عربياً ينفجر بأوانيه المستطرقة هنا وهناك ينشد الديمقراطية ويتعثر احياناً وأحايين بأذيال الأرث المطبوع في ذاكرة الفرد العربي.
مقدما نقول إن العقل السليم يبارك بربيع تسقط فيه الدكتاتوريات ليحل محلها عصر الديمقراطية.
ولكن عندنا سؤال محوري جوهري: هل الربيع العربي يترك وشأنه بعيداً عن تأثيرات المحيط الدولي؟ وبعبارة اخرى، هل القوة العظمى (قوة القطب الواحد) تترك الأمور على عواهنها وتلعب دور المتفرج بما يحصل في القاهرة مثلاً؟
علينا الآن أن نقلب صفحات التاريخ غير السحيق لنرى ماذا حصل في في بودابست؟، وما هو الدور الإيجابي الذي لعبته الإمبريالية العالمية آنذاك؟ وما هي أولويات دعاة التعولم اليوم؟
نعلم بحصول اضطرابات كبيرة في المجر متزامنة مع تأزم الوضع في العالم العربي (مصر عبد الناصر) عام 1956، ويبدو ظاهرياً عدم وجود علاقة بين الحدثين، وعلى الرغم من أن المسافة الفاصلة بين مصر والمجر تتجاوز آلاف الكيلومترات، فإن تحليل الأحداث يثبت وجود ترابط وثيق بين الأزمتين.
في المجر:
في رأينا نرجع أسباب الصراع في المجر إلى عدم الاستقرار في روسيا؛ لأنه منذ قرن من الزمن لم يحصل أي تبدل غير عقلاني في الكرملين؛ ولو حدث شيء من ذلك فإنه سيؤدي إلى هزات عنيفة خارج روسيا. هكذا أصبح حال الإمبراطورية الروسية منذ القرن التاسع عشر وامتد ذلك إلى عهد الاتحاد السوفيتي السابق في القرن العشرين. فالتغيير الذي حصل عام 1953 في القيادة الروسية بعد موت جوزيف ستالين ومجئ نيكيتا خروشوف على رأس القيادة السوفيتية قد أدى الى حصول بعض التخلخلات في السلوك السياسي الخارجي للكرملين. فنكيتا خروشوف ليس ستالين الذي عرفه الغرب خصوصاً، وهذا لا يعني التقليل من شأن خروشوف وشجاعته الشخصية التي ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية وساحات القتال في ستالينغراد تشهد له بذلك.، لكن هذا هذا الرجل وفي غضون الثلاث سنوات الأولى من قيادته جر الاتحاد السوفيتي إلى ثلاث أزمات في: ألمانيا الشرقية، وبولندا، والمجر. الأولى والثانية تم حلهما بالوسائل السياسية وأستعصت الثالثة كي يحلها ازيز المدافع والدبابات.
ونرى فيما بعد (في عصر البيروسترويكا) مقارنة هنري كيسنجر بين خروشوف و””مصلح”” غير ناجح آخر جاء بعده فقال: “يمكن أن نعد خروشوف سلفاً لغورباتشوف، ولكن الأول أقدم على التغيير من دون أن يعرف النتائج؛ لأن ذلك المسلك لم يجرب من قبل”.
نرجع الى احداث المجر فنقول أن العلة تكمن في إن المجريين كان شأنهم شأن بقية الشعوب المخدوعة (قبلهم وبعدهم) الذين يعيشون على أمل مساعدة الولايات المتحدة لهم في حالة المجابهة مع ” أعداء ” الديمقراطية، لذا فقد حسبت المجر، في تمردها على حلف وارشو، أنها صاحبة فضل على الولايات المتحدة، ولم تحسب حساب الطرف الآخر الذي يقدم على تفضيل مصالحة الجيوستراتيجية على أي شئ آخر حتى لو أدى ذلك الى موت “الأصدقاء”، في ظل نظرية المصلحة (الليبرالية) التي تخلو من المبادئ الأيديولوجية.علما بأن المجريين تراودهم عقدة المجابهة مع الروس منذ بداية الحرب العالمية الثانية إذ دفعت القيادة المجرية (600.000) جندي مجري لغزو الأراضي الروسية، ولكنهم هزموا شر هزيمة في الهجوم الروسي المضاد في منطقة الدون عام 1943 مما جعل الجيش المجري خارج حسابات الجيوش المتصارعة على ساحات القتال،واكتفى هتلر بتوجيه الفلول المتبقية من هذا الجيش لمشاغلة جيش الأنصار اليوغسلافي بقيادة جوزيف بروز تيتو.
عندما بدأ ربيع بودابست بتاريخ 23/10/1956،أي قبل العدوان على مصر بثمانية أيام، طافت شوارع العاصمة المجرية مظاهرات عارمة، وتجمع المتظاهرون بشكل خاص حول المعسكرات الروسية المتمركزة في المجر، وقامت الحكومة الأمريكية بتمويل وسائل الإعلام العملاقة للقيام بدور التحريض بأسلوب هستيري على إثارة الفوضى في شوارع بودابست. ولعبت إذاعة “أوروبا الحرة” دوراً كبيراً في نشر بيانات وبلاغات وهمية، وقدمت مفهوم “الحرية” بشكل ساذج بكل ما تعنيه كلمة السذاجة من معنى.
بدأ أول هجوم مسلح على الجيش الروسي في 24/10/1956، وأحرقت الدبابات السوفيتية التي قامت بخطأ حينما تبنت حراسة البنايات الحكومية الحساسة، وبنفس اليوم نُصّب فيه (ناج) رئيساً للوزراء.وعلى أثر ذلك وصل من الاتحاد السوفيتي اثنان من أعضاء المكتب السياسي الروسي لتقييم الوضع وهما سوسلوف ومينويان ونجحا في احتواء الأزمة، وبعدها باشرت الدبابات الروسية الانسحاب من بودابست، وأنهى الزائران الروسيان عملهما في 26 اكتوبر. ولكن التحريض الإعلامي الخارجي بقي مستمراً. المتظاهرون ليس لديهم مطالب إلا:
– السماح بإقامة نظام التعددية الحزبية.
– انسحاب القوات السوفيتية من جميع الأراضي المجرية.
– وانسحاب المجر من حلف وارشو.
ناشدت الولايات المتحدة الأمريكية، في 27/10/1956، مجلس الأمن بطلب رسمي دعم الثورة في المجر، وفي نفس اليوم وعد دالاس وزير الخارجية الأمريكية المجريين بتقديم المساعدات لهم،عبر خطاب ألقاه إذ قال: إن الولايات المتحدة تأمل من المجر أن تنسحب من المدار السوفيتي، وأن موسكو سوف لن تتطلع بأطماعها إلى جميع بلدان أوروبا. ومن الممكن أن تحصل أي دولة تتنصل من هيمنة روسيا على مساعدات أمريكية غير مشروطة، وبعبارة أخرى؛ فإن أي مساعدة أمريكية لا يمكن أن تحصل إلا بعد تحقيق الديمقراطية، والأخذ بالنموذج الليبرالي والانسحاب من حلف وارشو. وطالبت محطة صوت أمريكيا في 30/10/1956 باستمرار الكفاح المسلح ضد عملاء موسكو من المجريين في وزارتي الدفاع والداخلية بالدرجة الأولى.
وقبل يوم من بدء العدوان الثلاثي على مصر حصل تغيير كلي في المجر؛ إذ أحرق المتمردون مقر الحزب الشيوعي بتاريخ 30/10/1956 تناغماً مع نداءات إذاعة “أوروبا الحرة” وألقي القبض على كل الأشخاص الذين كانوا في مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المجري، وفي نفس الليلة تم تشكيل “الحكومة الديمقراطية”، وأطلق سراح الكاردينال الكاثوليكي (منديسيتي) الذي انضم إلى المتمردين عقب إطلاق سراحه مباشرة. وبعد يوم واحد من قيام التمرد بلغت آلة الدعاية الغربية أوج عظمتها، وفي 1/11/1956 أعلنت الحكومة المجرية انسحابها من حلف وارشو.
سياسة خروشوف الفاعلة، تهديد في الأوراق السياسية لا استخدامها:
نجح الغرب في 23/10/1956 وإلى غاية 1/11/1956 في الوصول إلى قمة النصر في المجر، فالشيوعيون قد طردوا من السلطة، والمجر خرجت من حلف وارشو، ودخلت المجر من الناحية العملية المعسكر الغربي، وبدأت القوات الروسية بالانسحاب.
لقد اتخذ الروس خطوة غير متوقعة، مع أن جميع المعطيات تشير إلى خسارتهم في المجر، وتلك الخطوة غير المتوقعة تتمثل في تدخلهم بأزمة الصراع العربي الإسرائيلي في تلك الفترة بالذات. عندما أوجد خروشوف صلة بين الأزمتين المجرية والمصرية.
في مصر:
بدأ العدوان الثلاثي على مصر في 29/10/1956 دون أن تعلن إسرائيل حالة الحرب، وذلك خلافاً لقواعد قانون الحرب، وفي اليوم التالي هاجمت القوات الفرنسية والبريطانية المدن والموانئ المصرية، وشارك في القتال (20.000) مقاتل بمساعدة (500) طائرة، وأكثر من (200) باخرة حربية (خمس حاملات للطائرات المقاتلة، وحاملتين للطائرات العمودية، وسبعة طرادات، وثماني عشرة مدمرة).
لقد كان الجيش المصري ضعيفاً مقارنة بالجيوش المغيرة المتطورة في عُددها، وبعد بضعة أيام من العدوان تم تدمير الجيش المصري، وتم في يوم 1/11/1956 (تحديداً) الإعلان عن خسارة الجيش المصري (10.000) قتيل وجريح. أدى القصف الكثيف على المدن إلى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا بين صفوف المدنيين؛ ففي مدينة بورسعيد وحدها قتل حوالي (3500) مدني. وتم تدمير (250) طائرة مصرية، كانت معظمها جاثمة على الأرض. لقد أصبحت مصر في موقف حرج بعد احتلال مناطقها المهمة، وأصيب الجيش بالخلل، ولم يؤد شجب الأمم المتحدة، ولا الرأي العام العالمي على إيقاف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عن مواصلة النشاطات العدوانية.
في تلك اللحظات الحرجة ولأول مرة اسهمت روسيا في التدخل الحقيقي في أزمة الشرق الأوسط، وجاء التدخل الروسي على إثر النداء الذي وجهه عبد الناصر بعد بدء العدوان مباشرة إلى روسيا طالباً المعونة العسكرية، فأرسلت موسكو مباشرة خبراء ومستشارين عسكريين لتنظيم المقاومة المصري وعندما رأت روسيا أن هذا ليس كافياً هددت علناً بالتدخل العسكري.
لقد انطلق من موسكو تحذير موجه إلى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل يطلب منهم الانسحاب الفوري من مصر، وإلا فإن الصواريخ السوفيتية ستطيل لندن وباريس، وسيتم إرسال جيش كبير الى مصر يكون معظمه من المتطوعين السوفيت، وأعلن خروشوف الزعيم الروسي وقتذاك أن ابنه سيكون واحداً من أوائل الذاهبين إلى الشرق الأوسط. لقد أوقف هذا الإنذار الروسي العدوان على مصر بشكل فوري، ولم تكن الولايات المتحدة بوضع يسمح لها بتقديم المساعدات لحلفائها.
بعد ثمانية أيام من اليوم الأول للهجوم، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته القوات المعتدية بدأت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل سحب جيوشها والتخلي عن الأراضي التي احتلتها، وقوبل إنهاء الأمر بهذا الشكل بالإعجاب في الوطن العربي، وارتفعت مكانة روسيا عند العرب.
فيما بعد أرسل جمال عبد الناصر رسالة شكر وامتنان إلى موسكو جاء فيها: “إن الأجيال العربية القادمة لن تنسى موقف الاتحاد السوفيتي الذي ساندهم في أحرج ظرف مر عليهم”.
أيقن الروس -وليس ذلك من قبيل الوهم- أن الغرب شهد هزيمة حقيقية، وأذاعوا وقتذاك أن الولايات المتحدة كانت تخفي مشاركتها الغرب في وضع خطة العدوان الثلاثي، فتظاهرت بأنها ضد العدوان. ورغم ذلك بقي عبد الناصر قائداً، وتصاعدت قوة مصر بعد ذلك العدوان الإنجليزي الفرنسي الإسرائيلي الأحمق.
نلاحظ من خلال ما تقدم أن العدوان على مصر عام 1956 جعل موقف الولايات المتحدة أن يؤدي إلى خلق وسيلة مكنت روسيا من التدخل في أزمة الشرق الأوسط، وبقاء الولايات المتحدة سائرة في دعم إسرائيل على طول الخط، الأمر الذي جعل العرب يستنكرون مواقفها ويتوجهون إلى روسيا لطلب المساعدة، وذلك على عكس ما يروج له الإعلام الغربي من أكاذيب حتى يومنا هذا؛ فالولايات المتحدة الأمريكية لا تدعم إسرائيل بسبب وجود التأثير الروسي في المنطقة؛ إذ إنها كانت تدعم إسرائيل قبل قيام الحرب الباردة، وقبل سنوات من التدخل الروسي في هذه الأزمة. اما اليوم فالصورة واضحة جدا فتفكك الاتحاد السوفيتي واصبحت الولايات المتحدة قوة وحيدة تهيمن على مقدرات الكوكب وهي لازالت تدعم إسرائل دعماً غير محدود.
جاء في كتاب (سنوات في موسكو 1956-1958) لمؤلفه فليكو ميتشونوفيتش سفير يوغسلافيا وقتذاك في موسكو: ” في الوقت الذي نشب فيه الصراع المسلح في المجر تفاقم الوضع بشكل مفاجئ حول السويس، واعتقد الفرنسيون والإنجليز بأن الروس منشغلون بهمومهم في المجر، وأن جل اهتمامهم ينصب حول الحفاظ على المعسكر الشيوعي، وليسوا في ظرف يسمح لهم بمساعدة عبد الناصر في موضوع أزمة السويس”.
إن الخطاب السياسي الروسي المبني على تصريحات نكيتا خروشوف، يظهر كأن الغربيين قد دخلوا حرباً حقيقية مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي من خلال المجر. فالتهديد العلني الذي أطلقته موسكو في إرسال قوات كبيرة إلى مصر جعل الولايات المتحدة أمام خيارين:
– إما أن تحرص على سلامة وأمن إسرائيل (التي سوف لن تسلم من الجيش الأحمر أو كما سماهم خروشوف – المتطوعين).
– أو أن تتوقف عن تقديم الدعم للمجريين في صراعهم ضد الروس.
لم تجد واشنطن أمامها أي حرج عندما أعلنت بأنها تعطي الأولوية لأزمة الشرق الأوسط، وتفضلها على المجر ضمن سلم أولوياتها. فأرسلت موسكو الدفعة الثانية من قواتها إلى المجر في 4/11/1956 لغرض إخماد التمرد، واتخذ الغرب بشكل مفاجئ موقفاً مختلفاً تماماً عن موقفه السابق الذي اتخذه قبل عشرة أيام بشأن المجر، وبهذا الصدد كتب كيسنجر، في كتابه الدبلوماسية، قائلاً: ” لم تكترث الولايات المتحدة بالشأن المجري، وهي تتصور أن دخول القوات الروسية إلى المجر سيتطلب أياماً حتى تتمكن من تجميع قوة ضاربة. وإذا حصل الهجوم فهل كان بمقدور الدول الديمقراطية أن تعيقه؟ وتعد مسألة “الحرية” من أولى المبادئ التي تتمسك بها الحكومة الأمريكية، ودعايتها التحريضية التي أطلقتها من خلال إذاعة “أوروبا الحرة” قد بنيت عليها آمال كبيرة فاقت تلك التي أطلقها دالاس، التي أوردها في مقاله المنشور في جريدة (لايف) عام 1952، ولكن عندما تفجر الوضع في المجر فإن البعثة الأمريكية في بودابست لم تقم بأي دور يذكر عدا أنها أصبحت تنقل للخارجية أخباراً لا تتعدى تلك الأخبار التي يعرفها أي صحفي، مثل أن الحكومة الشيوعية والبنية السياسية الشيوعية المجرية قد انهارت، وفي هذه الحالة أصبح من الصعب الاعتقاد بأن الخارجية الأمريكية تستطيع أن تتشاور مع قادة الكرملين المؤثرين في أية لحظة، وذلك لعدم توفر المعلومات الميدانية الدقيقة. لم يخطر على بال أحد من طاقم الخارجية أن يتحدث عن تدخل عسكري روسي، هكذا كان حال جارلس بولن و ليولين تومبسون وفوي كولير وجورج كينان، وفي كل الحالات فإن إدارة إيزنهاور لم تبد أية محاولة لتعطيل الهجوم عموماً”.
ونفهم من قول كيسنجر أن واشنطن كانت غير راغبة في مساعدة المجريين حتى بالطرق الدبلوماسية. لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة التمرد في المجر، عن خطابها البلاغي المعروف في ذلك الوقت، إذ أبدت عدم الاستعداد للمجازفة في حرب تطول مدة عشر سنوات بسبب قلب الحكومات الشيوعية في أوروبا الشرقية وهذا درس أمريكي واضح.
وظهرت بعض الادعاءات القائلة بإن الولايات المتحدة أخذت تختبر الأمر بجدية لكي تبحث عن خيار آخر غير الحرب من أجل أن تتمكن في التأثير على الأحداث. وفي الحقيقية كانت هناك فجوة كبيرة بين القول والفعل؛ إذ أن الفرق واضح بين ما تطرحه الولايات المتحدة ومجريات الواقع الذي تدعي دعمه.
لم توضح الولايات المتحدة على العموم الحدود التي ستدعم بها الحكومة الفتية العديمة الخبرة التي شكلت في المجر بعد التمرد مباشرة، بل أن الولايات المتحدة لم تقدم حتى النصيحة للمجريين رغم توفر العديد من القنوات التي يمكن أن توصل من خلالها ما تريد إيصاله.
ولم يبق خيار باستطاعة المجريين اللجوء إليه بعد ما أصابهم ما أصابهم من خذلان. لقد نفذوا تمردهم بنجاح، لكن مرحلة ما بعد النجاح أدت بهم إلى طريق الهلاك.
كان ينبغي أن تكون ردود أفعال الولايات المتحدة على أحداث المجر داخل أروقة الأمم المتحدة رادعة وذات قيمة مؤثرة، وذلك من خلال استغلال أزمة السويس، ولكن بدلاً من ذلك فأن الولايات المتحدة وحلفاءها تصرفوا وكأنهم مراقبون لا تعنيهم العواقب المرتقبة بشكل مباشر من جراء موقفهم الذي تجسد في لعب دور المتفرج.
يتبين لنا بوضوح إن أولوية مبادئ الخارجية الأمريكية تكمن في حماية أمن إسرائيل وسلامتها مهما بلغ الثمن، وإذا حصلت أزمات أخرى في العالم فإنها ستصبح أزمات ثانوية إذا تعلق الأمر بتعرض إسرائيل للخطر.
ونستخلص من مقالنا هذا هو أن على ” الربيعيين ” العرب أن يحسبوا حساب نجاح أو عدم نجاح أي “ربيع” بقدر موقفه من أمن وسلامة إسرائيل… فالدرس المجري واضح وهكذا نتعلم الحقائق من التاريخ بدلا من الإيمان بالوهم والتعويل على مساندة أمريكا لدعم “الديمقراطية” في عالمنا العربي.