22 ديسمبر، 2024 11:30 م

درس خصوصي من ساقي عطاشي كربلاء

درس خصوصي من ساقي عطاشي كربلاء

لقد خُلّدت قصص كثيرة قي التاريخ العربي عن العشق والحب والهيام، كقصة قيس وليلى، وعنترة وعبلة، وكليوبترا ومارك أنطونيو… وغيرهم. وقرأنا عن تلك القصص في مدارسنا ووسائل إعلامنا المختلفة، لكن تمَّ طمس قصة تحمل أجمل معاني الأخوة الحقيقية على امتداد التاريخ، كان من المفترض نتعلم منها ونقتدي بها، ألا وهي قصة الامام العباس ( عليه السلام) مع أخيه الامام الحسين ( عليه السلام).
عندما توفيت السيدة فاطمة – عليها السلام – قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام)لأخيه عقيل، ابحث لي عن امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها؛ فتلد لي ولداً يكون شجاعاً وعوناً لأخوته. فكانت تلك السيدة أم البنين السيدة فاطمة العامرية، أم الامام العباس. فكما وقفت هي لخدمة الحسن والحسين وزينب، وقف العباس لخدمة أخيه الحسين وحمايته طوال حياته إلى أن استشهدا معاً.إن أخوة العباس النبيلة وتربيته الصالحة، هي التي دفعت الحسين لاختياره لحمل لوائه في كربلاء، فكان يشعر بالراحة النفسية وهو بجانبه. ولم تكن علاقة العباس الحميمة بأخيه الحسين فقط بل بالحسن وبزينب التي كان لها سنداً وحارساً ومعيناً
إنّ الحديث عن قمر بني هاشم أبوالفضل العباس بن عليّ (عليه السلام)، حديث صعب مستصعب، لما يُعرف عنه من رسوخ العقيدة وقوّة المبدأ والولاء لإمامه وسيِّده، فضلاً عما يتمتع به من الشجاعة والبسالة والإقدام، ففي يوم الطف كانت له مواقف خالدة كثيرة وعظيمة.
من ناحية أخرى، إنّ أباالفضل العبّاس (عليه السلام) اقتدى بأبيه في الكرم والجود، فصار باباً لأخيه وسيِّده الإمام الحسين (عليه السلام)، كما كان أبوه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) باباً لأخيه وابن عمّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل إنّ العبّاس (عليه السلام) أصبح بمؤهّلاته الخلقية وكفاءاته الإنسانية العالية باباً لولاية الأئمّة من أهل البيت (عليهم السّلام)، بحيث لا يمكن لأحد أن يرد إلى مدينة حبّهم وحصن ولايتهم إلّا عن باب محبّة أبي الفضل العبّاس (عليه السلام).
نشأ أبوالفضل وكلّه علمٌ ومعرفة، وفقهٌ وحكمة، وفصاحةٌ وبلاغة، كانت تربيته خاصّة، مبنية على الإيمان والعقيدة الصادقة. لقد امتاز في كربلاء بصفات انفرد بها، كالشجاعة البدنية والروحية، وقوّة القلب والصبر والتحمّل وحمل الراية بالإضافة إلى رضاه وتسليمه لسيِّده الحسين (عليه السلام) وإطاعة أوامره. لقد كان لهذه التربية مع ما خصّ الله تعالى به العباس (عليه السلام) كان العباس (عليه السلام)، يرى الإمام الحسين (عليه السلام) ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المفروضة طاعته، قبل أن يراه أخاه وابن أبيه، وقد جسّد تلك الطاعة لسيِّده بأروع صورها، مما حدا بالإمام الحسين (عليه السلام) أن يجعله رسولاً عنه ومتحدّثاً بلسانه. فقد قيل إن العباس لم يخاطب الحسين يوماً ما، يا أخي، إلا مرّة واحدة في يوم عاشوراء؛ عندما هوى من جواده إلى الأرض مصاباً مقطّع اليدين، وهي لحظات حنَّ فيها إلى رؤية أقرب الناس إليه، قبل أن يودع الدنيا. وفي تلك اللحظات المؤلمة للعباس، نادى الحسين بقوله «أدركني يا أخي». فأسرع الحسين إليه يمسح التراب والدماء من على وجهه وعينيه. وألقى العباس نظراته الأخيرة على أخيه الحسين، ليلفظ بعدها أنفاسه الأخيرة في أحضانه. لقد ودّعه في موقف يرسم ويحكي اسمى معاني الأخوة والولاء والمحبّة. وقد بكى عليه الحسين بكاءً شديداً، وقال قولته الشهيرة: «الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوي
من مزايا أن جعلته مثالاً يضرب به للأجيال، وأُسوة يحتذي به السالكين، حتى ورد في حقّه الثناء البالغ من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فعن الصادق (عليه السلام): كان عمّنا العباس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبدالله، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً، وعن زين العابدين (عليه السلام): رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قُطّعت يداه، فأبدله الله عزّوجلّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة عظيمة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.
لقد مثّل أباالفضل العباس .ع.درس في الإباء بجميع مراحله وبكلّ مفاهيمه، فقد أبى أن يعيش ذليلاً في ظل الحكم الأموي، فاندفع في ساحات الجهاد كما اندفع أخوه أبوالأحرار الذي رفع شعار العزّة والكرامة وأعلن أنّ الموت تحت ظلال الأسنّة سعادة، والحياة مع الظالمين برماً.إنّ ملحمة كربلاء من أهمّ الأحداث العالمية، بل من أهمّ ما حققته البشرية من إنجازات رائعة في ميادين الكفاح، لقد استشهد أباالفضل العباس من أجل المبادىء العُليا التي رفع شعارها أخوه أبوالأحرار الحسين (عليه السلام)، والتي كان من أهمها أن يُقيم في ربى الأُمّة الإسلامية حكم القرآن وينشر العدل بين الناس ويوزّع عليهم خيرات الأرض والتي هي ليست لقوم دون قوم. و

والدرس الأخير هو عنوان الأخوة الحقيقية التي يجب أن نحتذي بها… فقد وقف العباس مع أخيه الحسين في كل اتجاهاته ومواقفه وأشد الظروف وأصعبها، وكان وفياً له، فعندما ألمّت بالعباس الشدائد والمصائب، يوم الطف لم يسخط أو يجزع أو يتراجع بل كان وفياً وصادقاً مع أخيه… وقف معه ولم يفارقه حتى قطعت يداه واستشهد في سبيله، ليرتقي إلى قمة المجد والشهامة، لتخلد حكايته كأجمل حكاية أخوين على امتداد التاريخ