أكدت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية عدم وجود كتلة متفردة بالفوز، وحتمية التوافق بين الكتل الفائزة لتشكيل الحكومة الجديدة؛ لأن الكتلة الفائزة بالمعني القانوني هي الحاصلة على أغلبية ثلثي عدد مقاعد مجلس النواب العراقي؛ أي (219) مقعداً؛ لتتمكن بمفردها من اختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة؛ وفق توصيف الدستور العراقي (المادة 70)، أو أنها الفائزة بالأغلبية المطلقة؛ أي (165) مقعداً، وهي نصف عدد مقاعد البرلمان زائد واحد؛ محققة بذلك أغلبية برلمانية تؤهلها لتشكيل الحكومة بمفردها (المادة 74). هذا هو المفهوم القانوني للكتلة الفائزة. أما الكتل التي تفوز بأقل من هذا العدد فهي فائزة فوزاً جزئياً؛ أي أن الكتلة التي تفوز بمقعد تعد فائزة، وكذا التي تفوز بـ (164) مقعداً تعد فائزة أيضاً؛ لكنه فوز نسبي؛ لأنها تحتاج الى أن تأتلف مع كتلة أخرى لتحقيق التحالف الذي تشكل الحكومة. أما الكتلة التي تحصد لوحدها عدداً من المقاعد أكثر من الكتل الأخرى؛ فتكون قد حققت أغلبية بسيطة، وهذه الأغلبية لا أثر قانوني لها؛ وإن حصلت على (164) مقعداً.
أما الكتلة الخاسرة فهي التي لم تحصل على أي مقعد في البرلمان. وإذا عممنا هذا المفهوم على سياقات تشكيل السلطات في أنظمة الديمقراطيات التقليدية، والتي ترتبط بقواعد الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة؛ فستكون كل كتلة لم تحصل على النصف زائد واحد من مقاعد البرلمان هي كتلة خاسرة. وهذا ماينطبق على أصوات المرشحين أيضاً. فالذي يفوز بمليون صوت يحصل على مقعد واحد فقط، ويمنح باقي أصواته تلقائياً لمن معه في القائمة. وكذا الذي يحصل على (500) صوت ويفوز بمقعد في البرلمان بأصوات قائمته؛ فإنه يعد فائزاً أيضاً، ولاتختلف حقوق الإثنين وواجباتهما وحظوظهما داخل البرلمان.
حتمية التوافق بين الكتل السبع الكبيرة
يبلغ عدد الكتل الكبيرة سبع كتل، وهي التي حصلت على (20) مقعداً وأكثر؛ الأمر الذي يجعلها أكثر قدرة من الكتل الأخرى على المناورة في مجال عقد التحالفات، وتكوين الكتلة الأكبر، وصياغة مسار تشكيل الحكومة الجديدة، وهي تحالف “سائرون” برعاية مقتدى الصدر (54 مقعداً)، و تحالف “الفتح” برئاسة هادي العامري (48 مقعداً)، و ائتلاف “النصر” برئاسة حيدر العبادي (42 مقعداً)، وائتلاف “دولة القانون” برئاسة نوري المالكي (25 مقعداً)، و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” برئاسة مسعود البارزاني (25 مقعداً)، و”ائتلاف الوطنية” برئاسة إياد علاوي (21) مقعداً، و”تيار الحكمة” برئاسة عمار الحكيم (20 مقعداً). و كلما زاد عدد مقاعد الكتلة بفارق كبير مع الكتل الأخرى؛ فإن حظوظها ستكون أكبر من غيرها نسبياً في تكوين نواة الكتلة الأكبر، وفي التأثير باختيار مرشح رئاسة الحكومة الجديدة؛ وصولاً الى الإمساك بزمام العملية السياسية وحركة الدولة. وهو ما لم تحظ به أي من الكتل السبع الكبيرة؛ لاسيما أن الفارق بين الكتل الثلاث الأولى (سائرون، الفتح والنصر) فارق ضئيل.
و هذه الحقائق هي تكرار لما حدث في دورتي العامين 2010 و 2014؛ ففي العام 2010 حصل ائتلاف الوطنية برئاسة إياد علاوي على (91) مقعداً، مقابل (89) مقعداً لائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وأعلن علاوي ـ حينها ـ أن كتلته فازت في الانتخابات، و تسبب ذلك في طرح مفهوم خاطئ من الناحيتين السياسية والقانونية عن معنى الكتلة الفائزة؛ لأن ائتلافه لم يفز بالانتخابات؛ بل تفوّق بمقعدين فقط على ائتلاف دولة القانون، وهو تفوق ليس له أثر قانوني مطلقاً؛ لأن الأثر القانوني يترتب على تشكيل الكتلة الأكبر قبل دخول الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، وليس الكتلة التي تحصد أكثر عدد من المقاعد في الانتخابات (فتوى المحكمة الإتحادية في أيار 2010). ولذلك تحالف ائتلاف دولة القانون مع الائتلاف الوطني الموحد وشكلا الكتلة الأكبر. وحتى هذه الكتلة الأكبر التي بلغت مقاعدها (154) مقعداً؛ لم تكن الكتلة الفائزة بالمعنى القانوني؛ إذ احتاجت الى (11) مقعداً اضافياً لتشكل أغلبية مطلقة (النصف زائد واحد). وفي النتيجة لم تستطع الكتلة التي فازت بـ (91) من طرح مرشحها لرئاسة الوزراء؛ بل كانت رئاسة الوزراء من نصيب الكتلة التي حصلت على مقاعد أقل؛ لأنها استبقت تاريخ الجلسة الأولى وتحالفت مع كتلة أخرى لتشكيل الكتلة الأكبر.
وفي العام 2014؛ فاز ائتلاف دولة القانون بـ (92) مقعداً؛ ثم وصل الى (103) مقاعد بعد التحاق كتل صغيرة به فور إعلان النتائج، وكان يمثل الكتلة الأكثر عدداً؛ إلّا أنه لم ينجح حتى في الحصول على فرصة تكليف مرشحه لرئاسة الوزراء. وكان مسار تكليف المرشح البديل وتشكيله الحكومة حينها مبنياً على مركّب عجيب من التوافقات. وبالتالي؛ فإن الذي يحدد مسار ترشيح رئيس الحكومة العراقية وتشكيلها ليس عدد الأصوات التي يحصل عليها المرشح أو الكتل الفائزة فوزاً جزئياً، أو عدد مقاعدها؛ بل التوافقات والموافقات، وهي لاتقتصر على عدد مقاعد الكتل الفائزة وحسب؛ بل تشتمل على الرؤى التي تطرحها مرجعيتي النجف وطهران ودولة أمريكا.
وسبب التعقيد في مسارات تشكيل الحكومة العراقية هذه المرة؛ يتمثل في تقارب أعداد مقاعد الكتل الفائزة الكبيرة؛ على العكس من نتائج انتخابات العامين 2010 و2014، والتي كانت أقل تعقيداً من نتائج الانتخابات المتصرمة. ففي العام 2010 كانت هناك ثلاث كتل كبيرة فقط: ائتلاف دولة القانون وائتلاف الوطنية والائتلاف الوطني الموحد. وفي العام 2014 كان الفارق بين كتلة دولة القانون برئاسة نوري المالكي والكتل الفائزة الأخرى كبيراً؛ فقد حصلت كتلة الأحرار برعاية مقتدى الصدر، وهي الكتلة الثانية في عدد المقاعد؛ على (34) مقعداً؛ أي أن الفارق بينها وبين الكتلة الأولى (دولة القانون) كان (58) مقعداً.
وعليه لابد من التحالف بين بعض هذه الكتل أو جميهعا لتحقيق ما يلي:
تشكيل الكتلة الأكبر؛ ليتم تكليف مرشحها بتشكيل الحكومة؛ مايعني أن الخطوة الأولى في طريق التوافق ستبقى معقدة؛ بسبب ضآلة المسافات بين المتنافسين.
تشكيل الأغلبية البرلمانية المطلقة: (165) مقعداً؛ بهدف انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، ورئيس الحكومة في الدور الأول. وهو يحتاج الى أن تتحالف الكتل الكبيرة بأجمعها داخل البرلمان.
تشكيل أغلبية الثلثين البرلمانية: (219) مقعداً؛ بهدف انتخاب رئيس الجمهورية في الدور الأول. وهو بحاجة الى تحالف واسع جداً يضم جميع الكتل الكبيرة والمتوسطة.
مقاييس احتساب شعبية الكتل الفائزة
بناءً على النتائج؛ يمكن احتساب شعبية الكتل الشيعية الفائزة؛ بالقياس الى نتائج انتخابات العامين 2010 و2014؛ على النحو التالي:
1- حزب الدعوة الإسلامية؛ حصل مع حلفائه في “ائتلاف دولة القانون” برئاسة نوري المالكي في العام 2010 على مليونين و (800) ألف صوت؛ بواقع (89) مقعداً. وكان نصيب “كتلة الدعوة” (الدعاة وانصارهم) مايقرب من مليون صوت وحوالي (40) مقعداً. وفي العام 2014 حصل الائتلاف على ثلاثة ملايين و(200) ألف صوت؛ بواقع (92) مقعداً، أي بزيادة حوالي (400) ألف صوت، وثلاثة مقاعد فقط. وفيها ارتفع نصيب حزب الدعوة من الأصوات ـ منفرداً ـ الى حوالي مليون و(300) ألف صوت؛ بينها (720) ألف صوت لنوري المالكي وحده. ثم التحقت كتل صغيرة ونواب مستقلون بائتلاف دولة القانون فور إعلان النتائج؛ ليصل أعضاؤه الى (103) نواب، وهو ثاني أكبر ائتلاف في تاريخ البرلمان العراقي؛ بعد “الائتلاف الوطني الموحد” الذي حصد (128) مقعداً في العام 2005. كما وصل عدد مقاعد “كتلة الدعوة” البرلمانية في العام 2014 الى (54) مقعداً من بين مقاعد دولة القانون، وهو أكبر كتلة حزبية في تاريخ البرلمان العراقي بعد العام 2003.
وفي انتخابات العام 2018 تفرّع “ائتلاف دولة القانون” الى ثلاثة ائتلافات، وكانت نتائج كل منها ما يلي:
“إئتلاف دولة القانون” برئاسة نوري المالكي: حصل على (750) ألف صوت تقريباً، و(25) مقعداً.
“ائتلاف النصر” برئاسة حيدر العبادي: حصد مليون و (400) ألف صوت تقريباً، و(42) مقعداً.
“تحالف الفتح” برئاسة هادي العامري: بلغت أصواته مليون و (550) ألف صوت تقريباً، و مقاعده (48) مقعداً.
وعليه يكون مجموع أصوات قائمتي حزب الدعوة (دولة القانون والنصر): مليونان و(250) ألف صوت، وعدد مقاعدهما (67) مقعداً. وباحتساب أصوات “تحالف الفتح”؛ الحليف السابق لحزب الدعوة في إطار “إئتلاف دولة القانون”؛ يكون مجموع أصوات التفرعات الثلاثة لائتلاف دولة القانون: ثلاثة ملايين و(800) ألف صوت، و(115) مقعداً. أي بزيادة في عدد الأصوات تصل الى (650) الف صوت تقريباً، وزيادة في عدد المقاعد تبلغ (23) مقعداً؛ بالقياس الى نتائج الائتلاف في العام 2014.
ولكن إذا حذفنا المقاعد التي حصل عليها المرشحون السنة في إطار “تحالف الفتح” و”ائتلاف النصر”، والبالغ عددها (15) مقعداً تقريباً، وكذلك حذفنا مقاعد حركات لم تكن منخرطة في “ائتلاف دولة القانون” في انتخابات العام 2014؛ مثل “حركة عصائب أهل الحق” التي حصدت (12) مقعداً، و “حزب الفضيلة” الذي حصل على (8) مقاعد، وحركات أخرى حصلت على (5) مقاعد؛ فسيتبقى (75) مقعداً تقريباً لتفرعات “ائتلاف دولة القانون” الثلاثة؛ ما يعني خسارة (17) مقعداً؛ قياساً بما حصل عليه حزب الدعوة وحلفاؤه في العام 2014.
وقد جاءت نتائج تفرعات “ائتلاف دولة القانون” على حساب حزب الدعوة، ولمصلحة حلفائه. وبالتالي فإن الحديث عن عدد مقاعد حزب الدعوة الإسلامية وحلفائه في هذه الانتخابات؛ لم يعد واقعاً منتجاً؛ لأربعة عوامل رئيسة:
الأول: إن نسبة شعبية قادة حزب الدعوة ومنتظميه انخفضت بنسبة ملحوظة؛ فقد بلغت في العام 2014 حوالي مليون و (300) ألف صوت، ولكنها انخفضت الى حوالي (400) ألف صوت في العام 2018؛ أي أقل بنسبة 65% تقريباً؛ برغم أن أمين عام الحزب نوري المالكي حصل على أعلى نسبة أصوات على مستوى العراق، وكذا حصول رئيس المكتب السياسي في الحزب حيدر العبادي على ثالث أعلى نسبة أصوات على مستوى العراق.
الثاني: إن ما يقرب من (12) مقعداً من مقاعد “ائتلاف النصر” هي لحلفائه السنة، و (8) مقاعد لحزب الفضيلة و(10) مقاعد لأحزاب أخرى تبحث عن مواقع لها في الحكومة، ولاترغب بالتضحية باستحقاقاتها من أجل أن يبقى منصب رئاسة الوزراء لمرشح من حزب الدعوة؛ سواء كان حيدر العبادي أو غيره. وبذلك يكون الاستحقاق الحقيقي لحزب الدعوة وحيدر العبادي داخل “ائتلاف النصر” (12) مقعداً لا أكثر. أما “ائتلاف دولة القانون” فهو كتلة متماسكة تحسب جميعها لحزب الدعوة ونوري المالكي. وعليه سيكون مجموع ماحصل عليه حزب الدعوة وأنصاره في ائتلافي “النصر” و “دولة القانون” (37) مقعداً فقط.
الثالث: إن عدد أعضاء حزب الدعوة المنتظمين الذين فازوا في انتخابات العام 2018 لم يتجاوز (15) عضواً؛ معظمهم في ائتلاف دولة القانون؛ بعد أن بلغ العدد مايقرب من (35) عضواً منتظماً في العام 2014؛ أي أن الدعاة خسروا مايقارب 60% تقريباً من مقاعدهم؛ بالقياس الى نتائجهم في العام 2014. وهو مايعني مطالبة غير الدعاة وأنصارهم داخل ائتلاف النصر أو داخل الائتلافين فيما لو تحالفا؛ بالمشاركة الحقيقية في القرار وفي المكاسب الرئيسة؛ على عكس ما كان عليه في العام 2014؛ حين كان حزب الدعوة يهيمن على ائتلاف دولة القانون؛ إذ كان رئيس “ائتلاف دولة القانون” (نوري المالكي) هو أمين عام حزب الدعوة، ورئيس “كتلة دولة القانون” في البرلمان (علي الأديب) قيادياً في حزب الدعوة، ورئيس “كتلة الدعوة” البرلمانية (خلف عبد الصمد) عضواً في مجلس شورى حزب الدعوة.
الرابع: إن قرار حزب الدعوة الداخلي لم يعد موحداً كما كان عليه في العامين 2010 و2014؛ بل يتجاذبه محوران رئيسان؛ لكل منهما توجهاته في التحالف مع الكتل الأخرى. فائتلاف “النصر” منحاز الى “تحالف سائرون” و”تيار الحكمة”؛ لأنه الأقرب اليهما سياسياً، ويجمعهم الخلاف مع نوري المالكي وبعض فصائل الفتح الحشدية. بينما ينحاز “ائتلاف دولة القانون” الى “تحالف الفتح”؛ لأنه الأقرب اليه سياسياً. هذا فضلاً عن الاختلاف في خيارات التعامل مع المحاور الاقليمية والدولية.
ولذلك فإن حجم خسائر حزب الدعوة ستتضاعف في حال لم يتحالف جناحاه؛ ليشكلا نواة الكتلة الأكبر. بل سيكون المستقبل السياسي للحزب على المحك في حال فقد موقع رئاسة الحكومة، وسعى كل جناح لعزل الآخر، وتحول الخلاف بين جناحيه الى انشقاق رسمي، وهو مايسعى اليه خصوم حزب الدعوة المحليين والإقليميين.
2- تيار السيد مقتدى الصدر: حصلت قائمتاه في انتخابات العام 2010 على (650) ألف صوت تقريباً؛ بواقع (40) مقعداً. وفي العام 2014 حصلت قوائم التيار الصدري الثلاث على مليون و (100) ألف صوت تقريباً، وبعدد مقاعد بلغ (34) مقعداً؛ أي أن عدد من صوّت لصالح التيار ازداد حوالي (450) ألف صوت تقريباً، ولكنه فقد ستة مقاعد. وفي انتخابات العام 2018 حصل تحالف “سائرون” على مليون و(500) ألف صوت تقريباً؛ بواقع (54) مقعداً. وقد بلغت حصة “حزب الاستقامة” الذي يمثل تيار السيد مقتدى الصدر حوالي مليون و (300) ألف صوت، ومايقرب من (49) مقعداً؛ بينما حصل حلفاؤه الشيوعيون والعلمانيون والقوميون مجتمعين على حوالي (200) ألف صوت تقريباً، و (5) مقاعد. وبذلك يكون تيار السيد مقتدى الصدر قد أضاف حوالي (250) ألف صوت الى قاعدته الشعبية التي كانت عليه في العام 2014. ولكن بقياس عدد المقاعد؛ فإنها ازدادت (9) مقاعد عن العام 2010، و (15) مقعداً عن العام 2014.
3- تيار السيد عمار الحكيم: كان هذا التيار أحد مكونات “المجلس الأعلى الإسلامي”؛ الذي دخل انتخابات العام 2010 في إطار “الائتلاف العراقي الموحد”، وحصل على (600) ألف صوت، و (19) مقعداً. ثم تفرّع المجلس الى شقين رئيسين؛ أحدهما “المجلس الأعلى” برئاسة عمار الحكيم والآخر “منظمة بدر” بزعامة هادي العامري التي التحقت بائتلاف “دولة القانون” فيما بعد. وفي العام 2014 شكّل “المجلس الأعلى” ائتلافاً مع حلفائه تحت اسم “المواطن”، وحصل على (750) ألف صوت، و (29) مقعداً؛ بزيادة بلغت (150) الف صوت، و(11) مقعداً؛ قياساً بنتائجه في العام 2010. وفي أعقاب انشقاق “المجلس الأعلى” للمرة الثانية الى تنظيم يحمل الإسم نفسه ترأسه الشيخ همام حمودي، وتنظيم آخر يحمل اسم “تيار الحكمة” برئاسة السيد عمار الحكيم؛ فإن هذا التيار دخل في انتخابات العام 2018 بمفرده، وحصل على (550) ألف صوت، و (20) مقعداً؛ بينما دخل “المجلس الأعلى الإسلامي” الانتخابات (وهو الشق الثاني لائتلاف المواطن) في إطار تحالف الفتح (قوى الحشد الشعبي الرئيسة)، وحصل على مقعد واحد فقط، وهي نتيجة تبعث على التأمل وجديرة بالدراسة. وبذلك بلغت مقاعد الطرفين (21) مقعداً، وقد خسرا ما مجموعه (8) مقاعد قياساً بنتائج العام 2014.
من كل ذلك نصل الى نتيجة أساسية مفادها أن الإئتلافات الرئيسة الثلاثة التي انشقت الى خمسة ائتلافات؛ تعرضت لتغييرات أساسية؛ فقد ازدادت شعبية فصائل المقاومة الممثلة في “تحالف الفتح” (تيارات الحشد الشعبي الرئيسة) وقادتها؛ بنسبة 200 %؛ لاسيما شعبية الشيخ قيس الخزعلي التي قفرت الى 300 %؛ بالقياس الى ارتفاع عدد مقاعده في انتخابات العام 2018. وفي المقابل احتفظت “منظمة بدر” و تيار السيد مقتدى الصدر وتيار السيد عمار الحكيم على نسب شعبيتهم؛ بينما انخفضت نسبتي شعبية حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى الإسلامي.
وعليه يمكن القول أن الأصوات التي أضيفت لفصائل “تحالف الفتح”، وجعلها تقفز في نتائجها بنسب كبيرة؛ كان معظمها من حزب الدعوة الإسلامية وأنصاره، وليس من الكتلة الناخبة شبه الثابتة لتياري مقتدى الصدر وعمار الحكيم. وفي المقابل كشفت النتائج عن افتقاد حزب الدعوة الإسلامية لكتلة ناخبة ثابتة، وأنّ ما حصل عليه حتى العام 2014 من مكاسب شعبية وسياسية؛ كان سببها نوري المالكي. في حين أن بقاء داعية آخر على رأس الحكومة بعد العام 2014 لم يحقق أي كسب للدعوة؛ بل تسبب في فقدانه معظم مكاسبه الشعبيه والسياسية. وبالتالي لايمكن القول بأن وهج السلطة وإعلامهما كفيلان بتحقيق معاجز سياسية.
تشكيل الكتلة الأكبر
وفق النتائج الأولية فإن حزب الدعوة الإسلامية وحلفاءه في إئتلافي دولة القانون برئاسة نوري المالكي والنصر برئاسة حيدر العبادي؛ قد حصلا على ما مجموعه (67) مقعداً، وكان بإمكانهما التحالف لتشكيل نواة الكتلة الأكثر عدداً. وتليها عدداً كتلة سائرون بواقع (54) مقعداً. كما ستكون كتلة حزب الاستقامة البالغ عدد أعضائها (49) عضواً الكتلة الحزبية الأكبر في البرلمان؛ تليها كتلة الدعوة (الدعاة وأنصارهم) بمايقارب (35) مقعداً.
و سبق أن ذكرنا في دراستنا الاستشرافية التي نشرناها قبل موعد الانتخابات بأن كتل دولة القانون وسائرون والحكمة هي الأكثر تماسكاً خلال مسار التحالفات وتشكيل الحكومة وداخل البرلمان؛ لأن لكل منها رأساً واحداً فقط يقودها. فكتلة دولة القانون التي ينضوي داخلها (9) أحزاب؛ هي في حقيقتها تيار واحد يؤمن ببرنامج واحد و رئيس واحد هو نوري المالكي، ومعظم أعضائها ذوي جذور دعوية؛ على العكس من نسخة دولة القانون في العام 2014، والتي فاز فيها غير الدعاة بأصوات المالكي والدعوة.
أما كتلة سائرون التي تضم (6) أحزاب؛ فإن تماسكها الداخلي سيكون قوياً أيضاً. وربما تظهر خلافات داخلها بين الإتجاه الإسلامي الصدري وحلفائه الشيوعيين والليبراليين والقوميين؛ بسبب هامشية تأثيرهم في قرار الكتلة. ولكن لن يكون لهذه الاختلافات تأثير في تماسك الكتلة، كما لن يكون انفصال هؤلاء العلمانيين عن كتلة سائرون مؤثراً في قوتها؛ لأن الغالبية الساحقة من أعضائها هم من حزب الاستقامة الذي يؤمن بقائد واحد هو السيد مقتدى الصدر.
ولن يختلف الأمر مع كتلة الحكمة التي تضم حزباً واحداً فقط يؤمن بزعيم واحد هو السيد عمار الحكيم.
وفي المقابل؛ فإن كتلتي النصر والفتح هما الأقل تماسكاً؛ فكتلة النصر تضم أعضاء من (13) حزباً وتياراً؛ بينهم (8) أعضاء من حزب الفضيلة، و (12) عضواً سنياً من حزب بيارق الخير و أحزاب أخرى و مستقلين، و (6) أعضاء لحركة عطاء، و (4) أعضاء من أحزاب وكيانات أخرى؛ لكل منها زعيم وراعي ورئيس، ومصالح خاصة، ولن تضحي هذه الكيانات بمقاعدها أو مكاسبها الانتخابية من أجل إيصال حيدر العبادي الى رئاسة الحكومة، وهو الذي يمتلك (12) مقعداً فقط داخل الائتلاف؛ يمثلون بعض الدعاة وأنصارهم. ولذلك ليس مستبعداً انفراط عقد كتلة النصر؛ إلّا إذا جمعت أحزابها مصالح سياسية مهمة في مرحلة تشكيل كتلة الأغلبية المطلقة وتشكيل الحكومة. و في حال انفرط عقدها فإن أعضاءها سيتوزّعون على الكتل الأخرى، أو يشكلون كتلاً صغيرة جديدة؛ فالدعاة وأنصارهم سيذهبون ـ غالباً ـ الى كتلة دولة القانون، بينما يشكل أعضاء حزب الفضيلة برعاية الشيخ محمد اليعقوبي، وحركة عطاء برئاسة فالح الفياض، وحزب بيارق الخير برئاسة خالد العبيدي؛ كتلاً مستقلة و تتحالف مع كتل سنية أخرى.
وبالنسبة لكتلة الفتح التي تضم (18) حزباً وفصيلاً؛ فقد كان متوقعاً ظهور بعض التشتت في قرارها الداخلي؛ لوجود ولاءات لقيادات رأسية متعددة فيها؛ لا سيما القياديين الثلاثة الأكثر تأثيراً فيها: هادي العامري وقيس الخزعلي وجمال الابراهيمي (ابو مهدي المهندس)؛ برغم أن كتلة بدر هي الأكبر عدداً، وأن أمينها العام (هادي العامري) يترأس التحالف. إلّا أن تحالف الفتح لازال متماسكاً؛ بسبب الانسجام النفسي والسياسي بين فصائل تحالف الفتح، و وجود مرجعية ايديولوجية تجمعها و تحول دون تفككها؛ رغم وجود إرادات متعارضة داخلها. أما ائتلاف النصر فإنه يفتقد الى عنصري التماسك هذين.
ومن خلال نظرة عامة الى واقع الخارطة السياسية العراقية في مرحلة مابعد ظهور النتائج؛ نرى أن الكتل الشيعية ظلت منقسمة الى محورين رئيسين مبادرين متكافئين:
الأول: محور دولة القانون والفتح: (72) مقعداً.
الثاني: محور سائرون والحكمة: (74) مقعداً.
أما ائتلاف النصر فبقي حائراً بين المحورين؛ لأنه يعيش هواجس الخسائر والمكاسب وحساباتها المربكة؛ لاسيما حسابات احتفاظ رئيسه بموقع رئاسة الحكومة، و الوضع الداخلي الهش للائتلاف؛ لأنه إذا تحالف مع دولة القانون والفتح سيفقد الدعم المتوقع من سائرون؛ فضلاً عن هواجس فقدان التأييد الأمريكي والتعاطف السعودي والخليجي. و لو انفرد النصر بالتحالف مع “سائرون” و”الحكمة”؛ فسيفقد كثيراً من إعضائه الدعاة وأنصار الحشد، وسيفقد دعم معظم أعضاء قيادة حزب الدعوة ومجلس شوراه، والذين لا يرون مصلحة الحزب في التحالف مع سائرون بمعزل عن دولة القانون؛ لا سيما بعد ظهور جناح ثالث وسطي في قيادة حزب الدعوة يقف على رأسه الشيخ عبد الحليم الزهيري. كما سيزيد من قوة (فيتو) مرجعية طهران وعموم محور الممانعة وشيعة المنطقة في حال وافق على محاولة سائرون عزل دولة القانون.
و على مستوى الكتل السنية أو الكردية؛ لاسيما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وائتلاف الوطنية وتحالف القرار وحزب الحل؛ فإن تصنيفها على أحد المحورين الشيعيين ليس ممكناً حتى اللحظة؛ لأن الذي يحكم تحالفات تشكيل كتلة الأغلبية البرلمانية المطلقة وتشكيل الحكومة هي ضغوطات العامل الخارجي أولاً، والمصالح الشخصية والحزبية ثانياً؛ وإن تم إضفاء شعارات وطنية على شكل التجاذبات. وبالتالي فإن الكتل السياسية السنية والكردية ورموزها تقدم قرابة المصالح على القرابة النفسية والسياسية، و تتحالف مع المحور الذي يضمن لها أكبر قدر من المصالح.
و لذلك ظل صعباً على المحورين الشيعيين الإنفراد بتشكيل الكتلة الأكبر؛ لأنهما يصطدمان بعقبات أساسية؛ منها ما يرتبط بحجمهما العددي، أو بطبيعة مواقف المحاور الإقليمية والدولية المعنية، و تحديداً المحور الأمريكي الإسرائيلي السعودي، و المحور الإيراني الشيعي، و منها ما يرتبط بسقف مطاليب الكتل الأخرى، والتي يعني كثير منها تنازل الأحزاب الشيعية عن ثوابت أو مكاسب أساسية على حساب مصالح مكون الأكثرية السكانية (الشيعة)، وهو ما لا يسمح به جمهورها ومرجعياتها السياسية والدينية.
تحالفات تشكيل الكتلة الأكبر
اصطفافات الكتل الشيعية الخمس الكبيرة التي أفرزت محورين رئيسين متكافئين متقابلين؛ أحدهما يضم دولة القانون والفتح ومعه جزء من النصر، والآخر يضم سائرون والحكمة ومعهما الجزء الآخر من النصر؛ مابرحا يواجهان طريقاً مغلقاً؛ لاصطدامهما بعقبات أساسية؛ منها ما يرتبط بحجمهما العددي، وقدرتهما على الاستقطاب، ومنها ما يرتبط بطبيعة مواقف المحاور الإقليمية والدولية المعنية. ولذلك اتجه المحوران الى حراك بديل أكثر قرباً من الواقع؛ وإن كانت مفارقاته غير مفهومة لدى بعض الفرقاء السياسيين، أو مفاجئة لبعض بلدان الجوار التي تجهل حقائق الاجتماع الديني والسياسي العراقي؛ كالسعودية. وقد أسفر جزء من هذا الحراك ـ ابتداءً ـ عن ظهور تفاهم بين الفتح وسائرون لتشكيل نواة تحالفٍ لتشكيل الكتلة الأكبر؛ تمهيداً لتوسيع التحالف ليضم الكتل الشيعية الخمسة الكبير. وربما يمثل هذا التحالف الأمر الواقع؛ بالنظر للعلاقات المتشابكة بين الكتل؛ فتحالف الفتح لن يتنازل عن ترابطه الستراتيجي بائتلاف دولة القانون، كما ظل الطرفان في حالة تنسيق متقاربة مع ائتلاف النصر. بينما يجد “سائرون” نفسه ملزماً بتحالفه مع “الحكمة” وتفاهماته مع جزء من ائتلاف الوطنية. ويسبق كل ذلك العامل الرئيس المتمثل بالوساطات الإيرانية لاحتواء خلافات الفرقاء الشيعة وتجسير العلاقات بين كتلهم، والتي ظل الجنرال سليماني يقودها بعيداً عن الأضواء، وبصبر ودأب، وهي جهود تلتقي بموقف النجف.
وعليه كانت السيناريوهات المحتملة البديلة لتحالف تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر؛ وصولاً الى تحالفات تشكيل الحكومة؛ تنحصر في أربعة سيناريوهات:
1- التحالف بين ائتلافي حزب الدعوة الإسلامية؛ أي دولة القانون والنصر، وسينتج عنه تشكيل كتلة قوامها (67) نائباً، وهو مايجعل الوضع التفاوضي للحلف الجديد مع الكتل الأخرى مريحاً. ولن يتعارض تحالف الائتلافين مع الالتزام بين دولة القانون والفتح من جهة؛ بل سيعزز توحيدهما من قوة حزب الدعوة التفاوضية، و ربما يضمن بقاء رئاسة الوزراء في حوزته، ويمنع انشقاق الحزب رسمياً.
2- التحالف بين الفتح و دولة القانون والجزء الأكبر من النصر. ويلتحق بهم تلقائياً ائتلافا إرادة وكفاءات؛ ليصل عدد أعضاء هذا التحالف الى (100) نائب تقريباً، ويمكنه أن يكون الكتلة الأكبر التي ستدخل البرلمان في جلسته الأولى. و تحول هذا السيناريو الى واقع على الأرض مرهون بالتحاق بعض كتل ائتلاف النصر به. وهذا التحالف يحظى بدعم المحور الإيراني.
3- التحالف بين سائرون والحكمة وجزء من النصر (كتلة العبادي) و جزء من الوطنية (كتلة علاوي)؛ ليشكلوا (90) مقعداً تقريباً.
4- دخول جميع الائتلافات الشيعية الخمسة الكبيرة: سائرون، الفتح، النصر، دولة القانون والحكمة في تحالف واحد، وتضاف اليه كتل صغيرة؛ لتشكيل كتلة قوامها (195) نائباً؛ تكون الكتلة الأكبر التي تشكل الحكومة بشكل مريح. ومن خلال محاولات التفاهم بين الفتح وسائرون وجزء من النصر من جهة، والتحالف بين سائرون والحكمة من جهة اخرى، وتجميد الخلاف بين سائرون ودولة القانون من جهة ثالثة؛ ستجد الكتل الشيعية نفسها في تحالف واحد.
ولكن؛ لن يمثل هذا التحالف عودةً الى التحالف الوطني (الشيعي)؛ لأن كتل سائرون والفتح والنصر تضم أعضاء سنّة. كما أن دخول ائتلاف الوطنية وبعض الفصائل السنية والفصيلين الكرديين الرئيسين في التحالف سيكون من قبيل الأمر الواقع؛ الأمر الذي يرفع الحرج عن الأعضاء السنة والعلمانيين والشيوعيين في سائرون والنصر أمام جمهورهم للبقاء في ائتلافيهما؛ على اعتبار أن التحالف الجديد عابر للطوائف والايديولوجيات، كما يرفع الحرج عن قيادتي النصر وسائرون للسبب نفسه. فضلاً عن أن وجود مايقرب من (30) عضواً سنياً في هذا التحالف؛ يعني أن اختيار رئيس الوزراء الشيعي الجديد لن يكون حكراً على النواب الشيعة أو النواب الإسلاميين الشيعة فقط. وهو عنوان وطني مهم؛ بالرغم من أنه شكلي في حقيقته. وبالتالي سيعلن عن تشكيل الكتلة الأكبر من (216) نائباً، وهي الكتلة الأكبر الأكثر عدداً في تاريخ البرلمان.
ونعود الى ماقلناه سابقا؛ بأن تحول أحد المحورين الشيعيين الأساسيين (محور الفتح ـ دولة القانون، ومحور سائرون ـ الحكمة) الى المعارضة؛ يعني تشكيل كتلة معارضة معطلة؛ تعيق عمل الحكومة، و تسخط جمهور المحور الذي سيتجه نحو المعارضة وتحركه بقوة باتجاه ردود فعل غاضبة؛ الأمر الذي يؤدي الى مزيد من التأزم في الشارع العراقي؛ وصولاً الى سقوط الحكومة، وربما انهيار العملية السياسية برمتها. وهنا يكمن رفض مرجعيتي النجف وطهران لعزل أي كتلة شيعية عن المشاركة في الحكومة.
مرشح رئاسة الحكومة الجديدة
بشأن المواقف من احتمالات تشكيل تحالف الكتلة الأكبر؛ فإن السيناريو الذي ينسجم مع منهج تفكير مرجعيتي طهران والنجف؛ والأكثر تمثيلاً لعقليهما العمليين؛ هو سيناريو جمع كل الأطراف الشيعية في تحالف واحد قدر الإمكان، وعدم عزل أي طرف شيعي؛ لئلا يتحول الى معارض للحكومة ومعوق لحركتها، أو ينحرف عن التوجه الشيعي العام. وهذه هي شيفرة التوافق العملي المستدام بين مرجعيتي النجف وطهران. أما الأمريكان والسعوديون؛ فإنهم يشجعون أي سيناريو يعزل نوري المالكي وبعض فصائل كتلة الفتح؛ وإن كان هذا العزل مرفوض طهرانياً ونجفياً؛ فضلاً عن اصطدامه بحقائق الميدان.
وبما أن الخلاف على اسم رئيس الحكومة القادمة هو الأهم إطلاقاً بين الكتل الشيعية؛ فإن ذلك سيضطرها جميعاً الى اختيار مرشح تسوية تتوافق عليه الكتل الخمس الكبيرة، وحصول كل ائتلاف على استحقاقاته من المواقع الحكومية.
و ينطوي تشكيل تحالف الكتلة الأكبر المفترض بين ائتلافات الفتح وسائرون والحكمة ودولة القانون والنصر والوطنية على خمسة سيناريوهات لمرشح رئاسة الوزراء:
بقاء حيدر العبادي في المنصب لولاية ثانية. ويواجَه هذا الاحتمال بفيتو إبراني، وممانعة الفتح ودولة القانون؛ فضلاً عن اشتراطات سائرون والحكمة وبعض كتل ائتلاف النصر.
طرح مرشح تسوية من حزب الدعوة الإسلامية؛ كالقيادي في الحزب طارق نجم أو غيره. ويواجَه هذا الاحتمال بترحيب إيراني ونجفي، و دعم دولة القانون، واشتراطات مركبة من سائرون والفتح وبعض كتل النصر.
طرح اسم فالح الفياض بوصفه مرشح تسوية من تحالف النصر؛ بديلاً عن العبادي. ويدعم الوسيط الإيراني هذا الخيار؛ فضلاً عن عدم ممانعة دولة القانون والفتح، وموافقة أمريكية ونجفية.
ترشيح هادي العامري عن تحالف الفتح. وهذا الإحتمال تواجهه عقبات كثيرة؛ أولها: الموقف الإيراني غير المتحمس لأن يكون رئيس الوزراء الجديد من فصائل الحشد المدعوم منه. وثانيها ممانعة ائتلاف النصر والحكمة، واشتراطات سائرون.
توافق الكتل الشيعية الخمس على مرشح مستقل. وهو خيار يتبناه تحالف سائرون وتيار الحكمة. وقد لا تكون هذه الصيغة مرضية لحزب الدعوة بائتلافيه؛ لكنها ستحل عقدة الكتل الأخرى من استمرار حزب الدعوة في المنصب.
و ربما من الواقعية استبعاد السيناريوهين الأول والرابع؛ لاصطدامهما بعقبات أساسية، بينما يعد السيناريوهين الثاني والرابع هما الأقرب الى الواقع. أما السيناريو الخامس فهو ضعيف رغم امكانية تحققه.
وبرغم واقعية السيناريوهين الثاني والثالث؛ إلّا أن كل منهما يواجه بعض العقبات أيضاً، ولكنها عقبات يمكن تذليلها. فأهم عقبة أمام بقاء منصب رئاسة الوزراء بحوزة الدعاة؛ سعي الفتح ممثلاً بهادي العامري للمنصب، أو مرشح بديل، واصرار الحكمة على إبعاد المنصب من حزب الدعوة، وعدم رغبة “سائرون” والوطنية ببقاء المنصب في حوزة حزب الدعوة. مع الإشارة الى أن “سائرون” لا يعنيهم المرشح؛ بقدر موافقته على شروطهم وضمان مصالحهم من خلاله؛ سواء كان العبادي أو العامري أو الفياض أو طارق نجم أو أي مرشح آخر. في حين يناور الحكمة والوطنية على التناقضات بين الكتل الأربع الأكبر لتحقيق أقصى طموحاتهما من الاستحقاقات.
وما يرفع الجزء الأكبر من العقبات أمام بقاء منصب رئاسة الوزراء في حوزة حزب الدعوة؛ هو خطوة طرح مرشح تسوية يمثل دولة القانون والنصر معاً. في حين لن تصمد مناورة ائتلاف النصر بمفرده أمام كتلتين تتفوقان عليه عدداً؛ أي الفتح وسائرون، ومن حقهما أن يكون لديهما طموح في رئاسة الوزراء. ولذلك ليس أمام حزب الدعوة أية فرصة للاحتفاظ برئاسة الوزراء إلّا إذا توحّد ائتلافاه؛ لأنه الصيغة الوحيدة القادرة على رفع حظوظه.
أما سيناريو ترشيح رئيس وزراء مستقل فهو سيناريو ممكن كما ذكرنا؛ لكنه سينتج حكومةً مشلولة وفاشلة، ورئيس وزراء ضعيفاً في أدائه وحركته وقراراته؛ وإن كان عميقاً في أفكاره وخطابه، وقوياً في شخصيته، وكفوءاً في مهنيته؛ لأن وجود رئيس وزراء مستقل يتعارض مع فلسفة التنافس بين الأحزاب عبر الإنتخابات، ويصطدم بمطالبات هذه الأحزاب باستحقاقاتها، وهو أمر بديهي، كما أنه يتناقض مع أساس النظام البرلماني الحزبي. بل سيتحول رئيس الحكومة هذا من شخصية مستقلة الى حزب جديد بمرور الأيام؛ اضطراراً أو بداهة، وستسقط عنه صفة الاستقلالية تلقائياً؛ وإن أصرّ على إضفائها على نفسه؛ لأن طبيعة السلطة الأولى تفرض على رئيسها التحزب والتكتل وتجميع المخلصين والأنصار بأسلوب ممنهج ومنظم؛ وإلّا سينهار حكمه. وسيتبلور الحزب الجديد لرئيس الحكومة المستقل بعد أربع سنوات؛ أي مع اقتراب الانتخابات اللاحقة، وسيكون زعيم الحزب هو الرئيس المستقل سابقاً، والذي سيرشح في الانتخابات على رأس ائتلاف جديد، وسيجذب له وهج السلطة عشرات المقاعد. أما إذا عزف عن الترشح فستسقطه نتائج الانتخابات قطعاً.
والنتيجة ستكون خسارة العراق أربع سنوات أخرى خاضها في تجربة عبثية فاشلة. وإذا كان هناك من يتصور بأن فرض شروط على رئيس الحكومة المستقل وأخذ تعهدات منه؛ كفيلان بديمومة استقلاليته وخلق مناعة لديه ضد التكتل، وبدعمه في الحركة والأداء؛ فهو واهم جداً، ويتعامل بردود الأفعال. ولذلك؛ من الطبيعي؛ بل الضروري؛ أن يكون رئيس وزراء العراق شخصية حزبية؛ رضينا بذلك أو لم نرض؛ لأنه ينسجم مع النظام البرلماني الحزبي المطبّق في العراق.
وبالتالي فإن رئيس الوزراء القادم أما يكون مرشح تسوية من حزب الدعوة، ويمثل كلا ائتلافي النصر ودولة القانون، ويأخذ من نقاطهما معاً، وهو ماينطبق على طارق نجم، أو أن يكون مرشحاً توافقياً بين الكتل الشيعية الخمس، من أحد ائتلافي النصر أو الفتح، مع محافظة كل كتلة على نقاطها، وهو ماينطبق على فالح الفياض، وهو أيضاً كادر سابق في حزب الدعوة. ولكن؛ من هي الكتل التي ستضحي بنقاطها لمصلحة مرشح لا يمتلك أي مقعد أو لديه مقاعد معدودات؟!. يعتقد بعض الفرقاء أن حل هذه المعضلة يكمن في عدم إخضاع منصب رئاسة الوزراء لضوابط احتساب النقاط. وربما ينجح هذا الحل حيال مرشح مستقل غير محسوب على أي حزب. أما إذا كان المرشح حزبياً أو مصنفاً على كتلة ما؛ فإن هذا الحل سترفضه الأحزاب الأخرى قطعاً.