23 ديسمبر، 2024 3:07 ص

دراسة في موازنة العراق للسنة المالية 2018 / الجزء الاول

دراسة في موازنة العراق للسنة المالية 2018 / الجزء الاول

دراسة في موازنة العراق للسنة المالية 2018 / الجزء الاول – اعتراض فؤاد معصوم على الموازنة بين المشروعية وضعف الرد – ركاكة العقل السياسي العراقي
بعد صراعات عميقة بين اطراف العملية السياسية ومؤسساتها في العراق ، بين حكومة المركز وحكومة اقليم كردستان التي تريد تثبيت حصة الاقليم بنسبة ( 17% ) وعدم انقاصها كما تريد حكومة المركز وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية وبين حكومة المركز ونواب المحافظات المحررة والاخرى المنتجة للنفط الذين يطالبون بزيادة حصص محافظاتهم ، صوت مجلس النواب في 3 / آذار / 2018 على مشروع قانون الموازنة وسط مقاطعة النواب الكرد. ثم أرسلها الى رئاسة الجمهورية بكتابه بالعدد (1/9/2822) في (6/آذار) لغرض المصادقة عليها استنادا الى المادة (73 / ثالثا) من الدستور العراقي النافذ، الخاصة بمهام رئيس الجمهورية ، التي نصت في البند ثالثا على (ثالثاً ـ يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها. ).
وأعاد مكتب رئيس الجمهورية ، حسب توجيه رئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم ، الموازنة الى مجلس النواب بكتابه بالعدد (م.ر.ج/1/5/650) بتاريخ (13) من نفس الشهر وذلك (لوجود عدة مخالفات دستورية وقانونية ومالية وشكلية، راجين معالجتها ليتم المصادقة عليها) كما ورد فيه. واشار بيان لرئاسة الجمهورية الى هذه المخالفات بالقول “وجود نحو (31) نقطة تتقاطع مع التشريعات النافذة” وان اعادتها الى مجلس النواب هو ” لإعادة تدقيقها شكلاً ومضموناً من الناحية الدستورية والقانونية والمالية” كما ورد في نفس البيان. وأضافت الرئاسة في بيانها ان “اعادة الموازنة جاء اثر قيام خبراء ومستشارين قانونيين وماليين بدراستها وتدقيقها تفصيلا لتشخيص أهم المخالفات الدستورية والقانونية والمالية لبعض المواد او البنود او الفقرات المقتضى معالجتها قبل التصديق وكذلك معالجة اي خلل في صياغتها الشكلية”.
وقد صرح رئيس مجلس النواب وعدد من النواب بان اعتراض رئيس الجمهورية لايؤثر على الموازنة لان مصادقته شكلية وهي حاصلة دستوريا بمجرد مضي (15) يوما من تاريخ تسلمها كما ورد في المادة (73 / ثالثا) ، اضافة الى وجود قرار سابق صادر عن المحكمة الاتحادية العليا برقم ( 18 / اتحادية / 2009) بين عدم وجود صلاحية دستورية لرئيس الجمهورية للاعتراض على اي قانون يصدر عن مجلس النواب ولا اعادته الى المجلس لغرض اعادة تدقيقها ومعالجتها على وفق ملاحظات رئاسة الجمهورية.
وبذلك دخل رئيس الجمهورية على خط الصراع القائم وكبرت مساحة الخلافات وكثر أبطالها مما زاد الامر تعقيدا وارتفعت حدة المناكفات السياسية بين الاطراف المشار اليها.
ولابد من العرض ان اعداد الموازنة هو من واجبات السلطة التنفيذية الواردة في المادة (80) من الدستور العراقي النافذ حيث نصت على :
( يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية:
رابعا: اعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية.)
وحددت المادة (62) من الدستور مسؤولية كل من مجلس الوزراء ومجلس النواب في موضوع الموازنة حيث نصت على :
(اولاً ـ يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس
النواب لاقراره.
ثانياً ـ لمجلس النواب اجراء المناقلة بين ابواب وفصول الموازنة العامة، وتخفيض مجمل مبالغها، وله عند الضرورة ان يقترح على مجلس الوزراء زيادة اجمالي مبالغ النفقات.)
ومن المعلوم ان مجلس الوزراء يضم عددا من المستشارين والموظفين القانونيين واللغويين والاقتصاديين وكذلك دائرة قانونية بمستوى مديرية عامة اضافة الى ان ارسال القوانين الى مجلس النواب يسبقه عرضها من قبل مجلس الوزراء على (مجلس الدولة)، الذي يضم كبار المستشارين القانونيين في البلد، لغرض مراجعتها وتصحيحها واعداد صيغتها النهائية من النواحي القانونية واللغوية.
وان مجلس النواب كذلك يضم عددا من النواب حملة شهادات الاختصاص في الامور المالية والقانونية واللغوية موزعين على لجانه المختصة بهذه الجوانب والتي تضم مستشارين ذوي خبرة في مجال عمل تلك اللجان اضافة الى دوائره ذات العلاقة التي تضم العديد من الموظفين ذوي الخبرة القانونية والادارية.
ومثل ذلك رئاسة الجمهورية التي تضم مستشارين وموظفين ودوائر ولجان بالاختصاصات القانونية والمالية واللغوية.
فاذا علمنا ذلك هل يمكن ان نقبل وجود اخطاء ومخالفات لغوية وقانونية ومالية في نص مشروع قانون الموازنة بعد ان يمر عبر كل هذه الاسماء المعروفة والمناصب الكبيرة والشهادات العليا والدوائر ذات الاختصاص والتي يفترض بها جميعا ان تكون على اعلى مستوى من التخصص والخبرة والكفاءة في اعداد واقرار الموازنة وتصديقها ؟!
ان ما حصل في موضوع الموازنة، من مقدمات ودراسات واعدادها من قبل مجلس الوزراء وما صاحبه من خلافات وصراعات واقرارها من قبل مجلس النواب ثم الاعتراض عليها من قبل رئاسة الجمهورية ثم الاعتراض على اعتراض الرئاسة من قبل رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء والتصريحات الحكومية والبرلمانية، يبين الركاكة الواضحة في العقل السياسي العراقي على اعلى المستويات وفي السلطات المختلفة وسنبين هذا الامر بشكل موثق وبالادلة من خلال بيان الاخطاء والمخالفات القانونية التي تضمنها قانون الموازنة واعتراض رئاسة الجمهورية عليه.
ان اعتراض رئاسة الجمهورية على مشروع قانون الموازنة تضمن اشارات ومعالجات لبعض الاخطاء والنواقص والمخالفات التي وردت في نص الموازنة. وقد تضمن الرد الرئاسي اعتراضات صحيحة واخرى غير صحيحة لكونها إما ناقصة أو مخالفة للقانون أو ناتجة عن عدم فهم نص معين في الموازنة من قبل المستشار القانوني لرئيس الجمهورية ومن شارك معه باعداد الاعتراض من مستشارين وقانونيين ودوائر مختصة. علما ان السمة العامة للاعتراض الرئاسي هي ضعف الصياغة من الناحية اللغوية.
وحيث ان الجوانب الصحيحة في اعتراض الرئاسة لاتستوجب الرد فاني سأتطرق الى بعض ماورد في الاعتراض من اخطاء بعد ذكر نصها بين قوسين وأرد عليها وكما يلي :
1- }1- ضرورة توحيد الشكلية الواردة في قانون الموازنة ذكرت البنود (أولا وثانيا وثالثا …الخ) في حين بعض المواد الواردة في الموازنة كالمادة (13) وردت فيها البنود مختلفة (ا و ب و ج. الخ{ .
والاعتراض صحيح لان وحدة الشكل في النص القانوني تمده برصانة وقوة تنطبعان في الذهن ويكون ذلك قرينة على كفاءة الاطراف التي اعدته او التي صوتت عليه. ولكن هذه الفقرة ركيكة بصياغتها اللغوية وناقصة بمتنها اذ كان من اللازم ذكر رقم المادة التي }ذكرت البنود (أولا وثانيا وثالثا …الخ){ ليتسنى للقارئ الرجوع اليها والمقارنة بين الاصل والاعتراض. وعليه تكون الصياغة الصحيحة للنص المذكور : }ضرورة توحيد الشكلية الواردة في قانون الموازنة حيث ذكرت البنود (أولا وثانيا وثالثا …الخ) في بعض المواد ومنها المادة (1) في حين بعض المواد … { علما ان النص بعد التصحيح هو ايضا بحاجة الى اعادة صياغة ليكون اكثر تماسكا وقوة، ولكن نكتفي به لانه بين المطلوب وهو تشخيص خطأ الاعتراض والرد عليه.
2- } 5 – ورد في المادة (9/أولا /ثانيا) تحديد حصة اقليم كردستان حسب نفوس كل محافظة، فهذه مخالفة لنص المادة (121/ثالثا) من الدستور والتي نصت على (ثالثاً: تخصص للاقاليم والمحافظات حصة عادلة من الايرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام باعبائها ومسؤولياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها. ) عليه يجب ان يتم تخصيص حصة الاقليم من الموازنة حسب تعداد نفوس الاقليم .{.
ان هذا الاعتراض غير مجدٍ وليس له اساس متين ولا داعي له فرئاسة الجمهورية تعترض على ذكر كلمة (محافظة) وتريد بدلها كلمة (اقليم كردستان) ومعلوم ان التقسيم الاداري للعراق الفدرالي يتضمن (أقاليم ومحافظات) حسبما ورد في عدة مواد من الدستور وان الاقليم يتشكل من عدد من المحافظات وعليه فان نفوس الاقليم هو مجموع نفوس المحافظات المتشكل منها وان طريقة احتساب نفوس الاقليم حسب نفوس كل محافظة كما وردت في الموازنة ليست مخالفة للدستور ، فيكون اعتراض الرئاسة على طريقة احتساب حصة اقليم كردستان الواردة في الموازنة غير صحيح وليس في محله.
3- }9- ورد في المادة (17) المخالفات وكما ياتي:
أ‌- ورد في البند (خامسا) من المادة (17) الغرامة وان هذه المفردة غير صحيحة كون الغرامة عقوبة ولذا ضرورة استبدالها بكلمة رسم كونها نسبة مقطوعة.{ .
ان هذا البند في الموازنة يتطلب الاعتراض ولكن اعتراض رئاسة الجمهورية عليه غير صحيح ! حيث ان الرئاسة اعترضت على الجنبة التي لاتتطلب الانتقاد فيه وغفلت عن ما يستحق الاعتراض !. لقد نصت الموازنة في البند (خامسا) من المادة (17) على }فرض عقوبة غرامة على المشروبات الكحولية المستوردة بنسبة (200%) (مائتان بالمائة){ وليس فيه اي اشارة الى سبب فرض عقوبة الغرامة ولا الى السند القانوني لفرضها وبذلك فقدَ هذا البند شرعيته (علما اني اتبنى فكرة منع استيرادها ) بمخالفته للقاعدة القانونية (لاعقوبة الا بنص). واذا كانت الغاية من هذا البند هو تاسيس عقوبة على استيراد الخمور فان الصحيح ان ينص قانون الموازنة على منع استيرادها وليس فرض الغرامة لان اعتبار ذلك عقوبة من جهة والسماح بادخالها من جهة اخرى هو عبث وتناقض بين الغاية والاجراءات مما يعني الضعف القانوني في هذه الحالة.
وفي كل الاحوال فان فرض الغرامة فقط في مثل هذا المورد هو عمل غير صحيح لانه
يسمح بادخال ما يعد وجوده مخالفة قانونية والصحيح هو اتلافها بعد فرض عقوبة الغرامة.
وكل ماذكرته غفل عنه اعتراض رئاسة الجمهورية وتطرق فقط الى }ان هذه المفردة غير صحيحة كون الغرامة عقوبة{ بمعنى ان استخدام مفردة الغرامة في هذا البند غير صحيح لان الغرامة تتطلب وجود عقوبة، في حين ان نص الموازنة بين ان هذا البند هو عقوبة غرامة وبالتالي فان اعتراض الرئاسة ليس في محله والصحيح هو الاعتراض على اصل فرض عقوبة الغرامة وبالتفصيل الذي بيناه .
4- تضمنت الفقرة (13) من اعتراض الرئاسة ردا على المادة (36) في الموازنة وببندين هما (أ و ب ) سارد على كل منهما بشكل منفصل عن الاخر وكما يلي :
}13 – ورد في المادة 36) عدة مخالفات وكما يلي:
أ‌- ورد في المادة (36) منح العلاوات والترفيع ، ان هذه الفقرة معالجة بموجب احكام قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 ، فلا يوجد اي مبرر لذكرها في قانون الموازنة..{
ان العلاوات والترفيع معالجة بقانون رقم (22) لسنة 2008 المعدل النافاذ اضافة الى قانون رقم (24) لسنة 1960 وكان الاولى ان يرتكز الاعتراض على قانون (22) المعمول به حاليا وليس (24) ، ومع ذلك فان اعتراض الرئاسة غير صحيح وهو دليل على انقطاعهم عن الاجراءات الادارية التي تنفذها الحكومة في هذا المجال من خلال التعليمات التي تصدرها وزارة المالية . فقد اصدرت وزارة المالية تعليمات متعددة اغلبها مخالف للقانونين المذكورين (22 و 24) ومن ذلك منح العلاوة والترفيع اعتبارا من تاريخ صدور الامر الوزاري بهما حتى وان تاخر اصدار هذا الامر عدة اشهر عن تاريخ استحقاق الموظف للعلاوة او الترفيع مما يعني مخالفة تعليمات الحكومة للمادتين ( 5 و 6 ) من قانون رواتب الموظفين رقم (22). وحيث ان الحكومة لم تلتزم بالقانونين المذكورين فكان لابد من اضافة هذا البند في الموازنة من اجل ضمان حقوق الموظفين. وعليه يكون اعتراض الرئاسة غير صحيح وليس في محله ومخالف لتوجه مجلس النواب بالدفاع عن حقوق الموظفين.
ومثل هذا الخطأ في الاعتراض ورد في الفقرة (ب) التالية.
} ب – ورد في (ب) من المادة (36) مخالفة لاحكام المادة (62) من الدستور التي حددت صلاحية مجلس النواب عند اقرار الموازنة بالمناقلة او التخفيض اما في حالة زيادة اجمالي النفقات فعلى المجلس اقتراح ذلك على مجلس الوزراء في حين ان الفقرة المذكورة تشكل عبئا ماليا وترهق الموازنة نظرا لتغير درجات الموظفين مما يستدعي تعديل رواتبهم وفقا لتلك الدرجات والعناوني الوظيفية..{
ان اساس اعتراض الرئاسة على هذا البند هو اعتبار ما ورد فيه زيادة في اجمالي النفقات ما يشكل عبئا ماليا يرهق الموازنة حيث ان (تغير درجات الموظفين ) يستدعي تعديل رواتبهم ! وهذا الكلام كله غير صحيح بل هو عجيب لانه يعني ان القائمين على اعداد اعتراض الرئاسة ، من مستشارين وقانونيين ودوائر معنية، لم يفهموا هذا البند في الموازنة الذي نص على ” ب- يسرع العنوان الوظيفي للموظف الحاصل على شهادة اعلى او مماثلة اثناء الخدمة والتي تتلائم مع طبيعة عمله وبموافقة دائرته على اكمال الدراسة كل سنتين اعتبارا من تاريخ حصوله على الشهادة مع احتفاظه بدرجته الوظيفية ومرحلته التي هو عليها بتاريخ تقديمه الطلب لتغيير عنوانه الوظيفي استثناءا من قانون (103) لسنة 2012 على ان لايترتب عليه اي تبعات مالية بأثر رجعي او خلال عام 2018 على ان يدقق ذلك من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي.” ونلاحظ ان هذا النص خالٍ تمام من اي ذكر لتغيير درجات الموظفين بل على العكس تماما انه أكد على احتفاظ الموظفين بدرجاتهم وان الذي يتغير باحتساب شهاداتهم هو العنوان الوظيفي فقط وذلك بان يتم تنزيل الموظف الى عنوان الدرجة السابعة / المرحلة الاولى وحسب استحقاق الشهادة الجديدة له . اي ان التغيير الذي يحصل باحتساب الشهادة هو تنزيل العنوان فقط ولايحصل الموظف من احتساب شهادته الجديدة على علاوة ولاترفيع ولازيادة راتب . اضافة الى ذلك فان نص الموازنة أكد على (عدم وجود تبعات مالية ….) …
فهل ان (احتفاظ الموظف بدرجته …) كما ورد في نص الموازنة يعني في نظر رئاسة الجمهورية (تغيير درجات الموظفين) ؟!
وهل ان (عدم وجود تبعات مالية …) كما ورد في نص الموازنة يعني في نظر رئاسة الجمهورية (تشكل عبئا ماليا وترهق الموازنة) ؟!
فمن اين جاء اعتراض الرئاسة بما ذكر فيه ؟ّ
وفي الختام اقول نكتفي بهذا القدر من ردنا على اعتراض الرئاسة لان فيه البيان الكافي لما ادعيناه من الركاكة الواضحة في العقل السياسي العراقي على اعلى المستويات وفي السلطات المختلفة.
ان الموازنة فيها الكثير مما يتطلب التوقف عنده غير ما ورد في اعتراض الرئاسة وسنمر على بعضه بعد نشرها في الجريدة الرسمية.