22 ديسمبر، 2024 8:56 م

دراسة في عوالم قصورات الشاعر علي الأمارة خصوصية العلاقة بين أنا الشاعر وحسية المرجع الميثولوجي

دراسة في عوالم قصورات الشاعر علي الأمارة خصوصية العلاقة بين أنا الشاعر وحسية المرجع الميثولوجي

المبـــــــــحث(4)
توطئة:
أن الواقع في تنصيصات مفردات وتشكيلات الإمكانية الأدائية في أسلوب قصورات(علي الأمارة)لم يكن في حقيقته الميثولوجية،إلا ذلك المحدد المرجعي والمعرفي المكرس في إشتغالية وحدات ومعطيات المقولة الحفرية المتحولة عبر أعماق محمولات الواقعة المنتقاة من ذهنية التشخيص والمخيلة وتراكيب الجهة المثلى من معاينة الشاعر الجمالية من لدن تفاصيل مرجعية المعنى ورمزية الحاصل المترشح من كينونة جسد المدينة ذاتها،حيث بدت مقصوديات التمثل الشعري في رسم تلك المفاهيم المكانية والزمانية والميثولوجية،كمتفاعلات داخلية غاية في الأهمية الخارجية المكرسة في تأهيل صنيع قصورة مرجعية أيقونة المدينة الذاتية في كامل علامات مواقع أسطورتها التنويعية الاخآذة.
ـ الخلفية التواصلية في مرشح الآخر من ميثولوجية المدينة.
يبدو أن متابعة عوالم قصورات المبدع القدير علي الأمارة،لم تكن لدينا الغاية الجمالية حصرا دون الاهتمام في جوانب معرفية والبحث في هويات الشكل والمتن النواتي في وظيفة صناعة القصورة،فعندما نقلب صفحات معرض(قصورة البصرة)تطالعنا الحدود المهيمنة في علاقة وموضوعة وذات الشاعر إزاء تقابلات دقائق مركبات مدينته الميثولوجية في حفرياتها،ما يسمح له في الآن نفسه تدوين ثريا الأمكنة والشواهد الميثولوجية المرجعية بإمكانية السيكولوجي الذي راح يتعامل مع قطع الأحجار ومرجع أيقونة الأشجار والجسور والمعابر المدخلية المؤدية دخولا إلى عوالم مدينته كوحدة نفسانية خاصة في تحفيز التعامل المنظور من قبل الآخر مع ذات المكان وحصيلة دلالته في موقعية تلك الأمكنة من واقع حال بوابة الإيحاء والتحول وحركية الرؤية في تصوير محمول وهوية عمق تفاصيل المدينة،نقرأ في هذا الصدد ما جاءت به قصورة(بوابة البصرة):
ادخلوها آمنين
هذه بصرتكم أن كنتم
للنهى والشعر والفن
وآفاق المعالي
عاشقين ./ص6 قصورة:بوابة البصرة
يطرح حضور التناص المرجعي في مستهل قصورة الأمارة وساطة أخرى كأداة في التسجيل الأحوالي ضمن صوت ونواة علامة القول المرسل،فجملة(أدخلوها آمنين)مناصة مرجعية في استخلاص الصورة المثلى في مرحلة حضورية المماثلة والتماثل في أقصى شروعية ناصية الأمن والأمان والسكنية،لذا تلاحقها علاقة المشار إليه في معنى وظيفة سياق وحادثة شعورية المتعلق فيه ومن خلاله من تمايزية المباشر في وظيفة وإشارة الأستدلال(هذه بصرتكم)كما وتبقى مؤشرات التدليل جارية بالكشف نحو مواقف و أواصر جذور المدينة الميثولوجية،وما تمتاز به من ذيوع أسمى نماذج المعارف وإضاءة مرايا الابداع الشعري وفنون الطرب والأهازيج البحرانية)إن كنتم للنهى والشعر والفن ..وآفاق المعالي ..عاشقين)في الحقيقة أن الشاعر الأمارة،كان يسعى إلى تجميع خصائص ومزايا أسطورة مدينته،بدءا من ركيزة بوابة المرور إلى حاضنة وجداول ومعمار ونخيل مدينته ذاتها.ولكن تبقى الثيمة الأكثر كمالا في جوهر علاقة الوافدين إلى المدينة،تتركز في علاقة المرور أولا إلى المدينة،وليس إلى المدينة ذاتها.فالشاعر راح يوجز تداخلا متصاعدا إلى صورة المدينة،دون أن يتنبه في ملفوظه إلى أن ثيمة القصورة كانت تتطلب وصفا كاف لضم علاماتها كمحوية خاصة في وسيلة المضي نحو المدينة،وبعد ما أوحى الشاعر إلى صورة المدينة،بما أخذ يشبع سياق القصورة،جاءتنا جملة الجزء الآخر من خطاب نصية القصورة بالقول:
ادخلوها مثلما يدخلها الحلم
وطوفوا في معانيها
سيسمو بكم
سحر السنين./ص6 قصورة :بوابة البصرة
انبثاقا حلميا سرمديا،تتخلق لنا المدينة في أحلامها منذ وجودها كقبلة مقدسة في لغة الشاعر والأشياء،إذ أخذ تبدو وكأنها مراد أحلام ورؤيا ورؤى العلاقة الحلمية الطرفية المتصلة بهواجس حساسية القادمون إليها طلبا،للجمال ولغة العارف وشحنات التعايش والتكيف مع حلمها المحفوف بدلالات حكمة الأشياء.فالشاعر أراد من وراء جملة(سيسمو بكم ..سحر السنين) الإقامة في علائق محورية مع ميثولوجيا المدينة والأشباع من لغتها السامية بفنونها وتراثها وحاضرها المتمثل بأسمى علامات اللغة الساحرة.وعندما نقوم بقراءة قصورة(شجرة آدم) تساورنا ذات العلاقة الميثولوجية/التكوينية والجدلية في أزل خلق الأشياء ـ ارتباطا وتلميحا ـ إلى مرجعية واقعة(شجرة آدم)وكيفية تتم الأشباعات الخلقية المتكاثرة منها على مراحل سفر الخلق والأنبياء:
يبدأ الخلق من شجرةِ
تستظلْ بضوءٍ
وماء
شجرة أورقتْ مدناً
واستفاقت بلاد بأغصانها./ص8 قصورة:شجرة آدم
تلتهب لغة الشاعر الدوالية،في مجال تضاعف وعي علاقة الكينونة وطموحها في التكاثر والخصب والعناية المتشكلة في صيرورة المنظومة النواتية الأولى،وعلى النحو الذي أخذ من خلاله الشاعر،صورة وصياغة الأرحام الزمنية،كي تتسع في ولادة كيانات دوال شبكة(شجرة=ضوء=ماء=جدل الخلق)وبهذا النمو بحساسية التدرج الخلقي،بدت مشهدية الجغرافيا المدائنية(شجرة أروقت مدنا)صعودا إلى محددات وبؤرة التشخيص في قصة مدينة الشاعر(أستفاقت بلاد بأغصانها).
1ـ تأرخة الأشياء وإشكالية محنة المدينة الميثولوجية:
قد يكون واقع تأرخة حقيقة المدينة،معادلة كبيرة في سياق واقع القصيدة،غير أن الشاعر بث فيها مخيلة الاختزال والتوصيف الممعن،لذا بدت واقعة المدينة كضخامة واقع الخلق في آزال الأزل،مما يدعو الشاعر نفسه إلى وصف وتوثيق فرضية مراحل خيبات وانكسارات مفاصل المدينة وصورها من قبل قوى الظلام العاتية،ورغم ذلك تبقى(تأرخة الأشياء)ارتباطا وثيقا بدليل شواخص وأليات فايروسات تآكل تواريخ حاضر المدينة أيضا:
ثم اوغل تاريخها في الخفاء
يبتْ كل اغصانها
محنة
ومازال يجري بها
وهج الأنبياء./ص8 قصورة:شجرة آدم
الإجابة الشعرية تعكس لنا ،صورة الحقيقة الميثولوجية عبر غنوصية واقع المدينة (يبست أغصانها..محنة)وهذا ما راح بدوره يدين عاملية ديمومة المدينة نحو إشراقة إلتحامها بجذورها الدالة على سمو منازل الصبغة وحسن النسب والأنساب،فما لها إلا في مجالات الدينامية الزمانية والمكانية،منطلقا ناشطا في سماء المتأثر بمرجعيته الميثولوجية الدينية الكبيرة: (يجري بها وهج الأنبياء).بذات المقام تواجهنا قصورة (ملتقى النهرين)أي بذات الحفريات التكوينية،التي من خلالها نستشف موقعية مدينة الشاعر الاسطورية في أوسع دلالاتها الخلقية المشرقة،وأهم ما فيها جغرافيا هو ملتقى نهرا دجلة والفرات في قرية القرنة،وتجمعا يكونان(نهر العرب):
هنا يتلقى الرافدان
هنا تعلنُ الأرض
هذا القران
هنا يكتب الماءُ
تاريخ هذي البلاد
ويرقى بها للجنان
فراديسُ مفقودة
وحكايا معلقة ./ص10 قصورة :ملتقى النهرين
2ـ الحسية المتفاعلة بين مجاز الصورة وإحيائية التعيين:
يتضح من وراء دلالة قصورة (ملتقى النهرين)ذلك الشكل من الإنعاش المحسوس في مركب (مجاز الصورة الفوتوغرافية)وحدود ذلك التأشير على صفحة أنطباعها اللوني والخطوطي،حيث رقعات التأشير حول نقطة ملتقى النهرين،وكذلك الأمر ينسحب على صورة (شجرة آدم)حيث يتمسك الشاعر باسطا ذراعيه في سمك تفرعات جذع الشجرة،وما يلفت إنتباهنا في قصورة (بوابة البصرة)أيضا تواجد الشاعر الأمارة على بعد مسافة مع ثلاث من شرطة البوابة يحمل على كتفه ذلك القلم الرمزي الذي يشير مجازا إلى تدوين ميثولوجيا معمارية مدن قصوراته الكبيرة.أعود لأقول أن مساحة القابلية المجازية في وظيفة القصورة،تديم من مؤشرات شعرية إحياء المواطن الأثيرة من المدينة،مما يشكل تلك الصحوة الحوارية الموزعة بين(المحسوس المكاني ـ صحوة الإحياء ـ الأداء التواصلي ـ علاقة تفاعل =أنا الشاعر=مقصديةخطاب تأرخة الأشياء الاندماجي)أن كلا من الوظيفتين(قصيدة + صورة) تعنيان شيئا متوحدا،وهو الانسجام مع مؤشرات الرؤية وقراءة حالات الأشياء والكائنات الزماكنية والميثولوجية،لذا فإن جملة المستهل(هنا يلتقي الرافدان)بمثابة تسليط الضوء نحو رقعة الصورة أسفل مقولات القصيدة،حيث من خلال هذا المستهل،نتنبه إلى حجم مساحة نقطة وتفاعل مبعث الرافدان مكونان القيمة الأحتوائية من حاصل امتدادية(شط العرب .. نهر العرب) وبهذا الكامل التكويني تقدم لنا جملتان(هنا تعلن الأرض .. هذا القران)ولعل هذا الانصهار في بيئة المجرى المائي،هو بمثابة الأستعارة والمجاز نحو محمول الخصب والتلاقح والتركيب،أي أنها فواعل التمكين في حميمية الإقتران ما بين النهرين(هنا يكتب الماء..تأريخ البلاد..ويرقى بها للجنان..فراديس مفقودة..وحكايا معلقة)الدوال المتفاعلة،تتوزع أدوارها كمحاور رمزية في النموذج الشعري،حتى تكاد تعلو بها أحقابا مديدة من غيب المشار إليه والمرسل إليه،وعلى هذا المستوى من أغوار المؤول،تتكشف تداولية منظومة سياقية القول ترددا إلى أصداء ملحمة المدينة المكتظة بحساسية الحلم الشعرية:
في سقوف الزمان
أي سرٍّ تبوح الضفافُ به
حين تغمرهُ الذكريات
وفوق مرايا النخل
تتجلى العصور
عناقيد رؤيا
على جنبات المكان…. /ص10 قصورة:ملتقى النهرين
تطول أنشودة(ملحمة النهرين)في محفوظات الشعر والعقل والتأريخ،وقصيدة النهرين راحت تحتمل بلاغة الأسطرة وتوقيع الأسطورة ـ إيذانا مرجعيا ـ في مكملات خلق معنوية الأمرين في محاكاة الصورة الفوتوغرافية،الداعمة إلى حلم وحالات رؤيا الأكتناء ويمكن أن يستوعب حال ملتقى النهرين،ذلك الإستقدام الرمزي في طقوس ملاحم الخصم والنماء،وبالصورة تحيل اللقطات الشعرية إلى مخاطبات تشكيلية من شأنها إستجابة المحتوى والذات والموضوع.
ـ تعليق القراءة:
يمكننا القول بعد قراءتنا لقصورة(بوابة البصرة)وقصورة(شجرة آدم)وقصورة(ملتقى النهرين) أن عملية التآلف و الأستعداد أمرنا لهما ذات الأهمية في التذوق الفني والجمالي،ولإيجاد هذا التآلف فلابد من معايشة وتدبر علاقة القصيدة إلى جانب لغة الصورة.فالمسافة الذهنية بين قراءة قطبي(القصيدة= الصورة)يكونان بذاتهما تجربة جمالية خاصة،بعيدا عن جمالية قراءة كل منهما على حدا،كما يمكننا القول أيضا،أن بناء بنية القصورة،يمنحنا جملة اضافات فردية ونسقية وأدبية وتشكيلية،تضيفان إلى ممارسة القراءة والتلقي ووظيفة الأداة الحسية الإدراكية البصرية بعدا دلاليا مؤثرا.وما نعنيه هنا هو العلاقة ما بين الذائقة الشعرية والذائقة الفنية وحدود جدوى تلك الذائقة الجامعة إلى كل من الخصائص الشعرية والفنية معا،فيكون شاعرها في النتيجة ذات الملكات القادرة على ممارسة جدية الأبداع وتجديد محورية خصوصية الرؤية المكينة في صناعة خطاب القصورة المكين .