18 ديسمبر، 2024 8:08 م

دراسة في رواية ( سيدات زحل ) للكاتبة لطفية الدليمي

دراسة في رواية ( سيدات زحل ) للكاتبة لطفية الدليمي

حياة ريشة الطاووس في كراسة تواريخ مقتل الطاووس
الفصل الثاني ـ المبحث (2)
توطئة :
لعل مبدأ المضاعفة الدلالية في منظومة المحفز الذاكراتي الموظف في حلقات و فصول وظائف بناء أحداث و شخوص الرواية ، راح يجسد أثرا خاصا من جملة ارتدادات الأمكنة و الأزمنة الاستعادية في مرويات الشخصية المشاركة سردا ـ حياة البابلي ـ تأطيرا مضاعفا في مبلغ مروى حكايا المدونة الذاكراتية ، التي تتحكم بعلامات أزمنتها و أمكنتها مؤشرات بؤروية ذروية من مؤشرات وقائع شخوص التخييل و المخيلة من قبل الراوي المشارك في منجز الرواية .

ـ الراوي بين جوهر الحكي و إستعادة أزمنة النص .
لعل من أهم خصائص الحكي المسرود في مجرى الرواية ، يبدأ من فلك ذلك التقليب أو التغليب في إعادة تداول و استرجاع الأحداث الشخوصية في مسار السرد من قبل مرآة الراوي المشارك فالسرد في وقاع حاضر الرواية ، يبدو لنا كحالة من حالات جملة استدعاء الأحداث الماقبلية في النص الحاضر من السرد ثم بالتالي تدوينها داخل محكيات خاصة من تقانة ( تداخل الزمن / استعادة الزمن / مراوحة الزمن ) حيث يشعر القارىء لأحداث فصول الرواية ، وكأنها العلامات الميتاسردية من تمفصلات واقع حقائق مدونة في كراسة متخيل المذكرات ، رغم أن صياغة الأحداث تبقى جارية ، وهي تترجم هواجسها ورؤاها في مبنى الخطاب من السرد ، فيما تبقى معادلات قيم صياغاتها أي المذكرات منقولة و مدونة في مقاربات من المكتوب النصي المدون في كراسات الرواية .

1 ـ البنية السردية و وقائع تشكلات المسرود بالسرد :
النظام السردي في فصول الرواية ما هو إلا تجربة متخيلة حياتية ذات أبعاد تشكيلية خاصة بالمرموز و الإيحاء القصدي ، مما جعل مكونات النص ، عبارة عن ملازمات تكوينية مضمرة لمحاور السارد المشارك في النص ، و من ثم فإن عملية انتساب الأحداث إلى متن النص ، أخذت تواكب و تزامن قصديات مغايرة غالبا للأحداث المتقادمة من جهات ذاكراتية مخفية و واضحة بطرائق ملفتة من أداة المدون و يقين التدوين . نعاين من جهة ما فقرات هذه التفاصيل الوحداتية ، ما يجعلنا نشعر إزاءها باسترجاع الزمن الماقبلي في أبعاد مدونة بدلالة علاقة المسرود الحاضر بالمروى عبر لسان السارد المشارك : ( تفاصيل ـ بيت البابلي في شارع 14 حي الداوودي ناحية المنصور ، شارعنا يمتد بين سكة حديد قطار البصرة التي تفصله عن حي الجامعة و بين شارع السفارات و خزان الماء ، القطار كان غواية للسفر و الترحال و إقتفاء أثر الحلم في طفولتي ، صوت القطار كان يحملني بعيدا إلى بلدان و فراديس و بحيرات ، صوته تحول في شبابي إلى نذير عندما كان يمر محملا بالدبابات و المدافع و مئات الوجوه لجنود يافعين تطل من النوافذ و عليها أمائر هلع و شارات رماد وهم يساقون للموت. / ص61 الكراسة 3 ـ الرواية ) فالإطار الاسترجاعي للزمن في محددات النسق المسرود ، ينفتح نحو تتابعية زمنية و مكانية متعالقة و حدود مرحلة الطفولة و أحلامها ( القطار = مؤشر الزمن = كفاءة الأداء = فاعل الحالة = تحول ) بيد أن تحولات خاصية صوت القطار مع مرور الزمن صار يشكل لدى حاضر الظرف الزمني لدى الشخصية الساردة إلى (محكي حاضر ـــــــ صوته تحول في شبابي = علاقة بموضوع = نذير شؤم = محمل بالدبابات = موت الحاضر ) و على هذا النحو تبقى هواجس الشخصية الساردة ، محاطة بملامح الحرب و الدمار ، و شيئا فشيئا تتحول مشاهد الزمن الحاضرة ككوابيس من كهوف الواقع الذاتي للساردة .

2ـ الشخصية حامد أبو الطيور و لوحة رسم الطاووس :
و تحيلنا مرويات الساردة المشاركة إلى مقصدية محققة من واقع سفر الحرب و القتل بالمدينة ، و هذا الأمر ما راح يكشف لنا عن حكاية شارع الطاووس الأزرق ، الذي قام فيه ثلة من الأولاد في تثبيت لافتة فوق أحدى أعمدة الكهرباء ، على حد ما تخبرنا به الرواية عن ذلك الطاووس الجميل الذي كان يترنح في حديقة الأخرس حامد أبو الطيور ، كان الطاووس يستعرض ريشات ذيله المتوجة ، ماشيا مشية الملوك من أمام مشهد الطيور الأخرى : ( تفاصيل ـ ظهر طاووس حامد في حي الداوودي و صار يرى في الشارع متبخترا و عشرات العيون المرسومة على ريش ذيله الحرير تنظر إلينا / ضحك الأولاد و أغلقوا كتب العلوم حين همس واحد منهم : ريشة الطاووس تنمو و تطول لو وضعناها في المصحف ، في تلك الظهيرة سرق الأولاد عشرات الريشات من ذيول طواويس حامد و خبأوها في المصاحف لينتظروا عاما فيعثروا على المعجزة . / ص62 الرواية ) و إذا ما تفحصنا قيمة توالدية حكاية الطاووس ، لوجدناها تنبعث من رحم تصورات شعبية ذاكراتية موغلة في متون خيال الساردة المشاركة لتقدم لنا بالتالي تلك الترسيمة النذيرة و المحكومة بهواجس هالات و أفعال الحرب و ويلاتها فالرواية إذن بهذا المعنى كشكل منفتح ، أخذت تولد فينا محفزات سببية من رؤية تشظيات دال الحرب و الدمار ، لتقودنا نحو تفاصيل جديدة من ( الرؤية من خلف ) و ما تحتفظ به كراسات ضمير التدوين من مضمرات مرجعية مشدودة بخيوط الماضي ، و بالشكل الذي راح يبئر حكاية الرواية على النحو المناسب من الحكي داخل المحكي : ( فتح الصغار المصاحف ، فما وجدوا الريش الذي خبأوه ، قالت لهم الأمهات هذا نذير لنا و طالع شؤم / أينما ولينا وجهنا فثمة موت متاح يهبه لنا المحتلون و المسلحون الغرباء الذين أجتاحوا أحياءنا ،الموت كان هبة الجميع لنا فلماذا تعجلت لمى الذهاب إلى حتفها ؟؟ . / ص62 ) .

3ـ زوال الريشة من المصحف و مشاهد مقتل الطاووس :
يتمظهر عنف الحرب في شوارع المدينة ، مخلفا وظيفة قتل الجمال و إنتزاع الحياة من أفواه الأطفال و الأمهات ،وحتى ذلك الطائر الطاووس لم يكن بمنجى من نيران عصابات التطرف الديني العابث . تكشف لنا الرواية عن مقتل الطاووس الذي يعود بملكيته إلى شخصية حامد الأخرس ، بإحدى رصاصات بندقية أحد المتشددين متصورا هذا الأمر من الحكاية المغلوطة : ( قال أحد الصبيان : واحد من المسلحين أخبره أن اليزيديين ـ يقدسون طاووس ملك ـ رئيس الملائكة فقرر قتل الطاووس ، الحمد لله لم يقتلوا صاحب البيت حامد . / ص63 ) و تتوالى أحداث غريبة و موحشة في مسار دلالات الرواية و أحداثها ، منها إصابة حياة البابلي رصاصة في ذراعها عن طريق إطلاق الرصاص العشوائي من جهة مجهولة ، و قد يرجح احتمالا بأن من أطلق النار على حياة البابلي ذلك الحارس العجوز الذي يقوم بحراسة المكتبة : ( أم تراه من تلك الجماعة التي أرسلت لي خطاب التهديد بعد اختطاف صديقتنا الفرنسية بريسكا ؟؟ لم نعرف ، لا أحد يعرف شيئا في بغداد ، لكن حامد بأرتيابه الدائم خمن أن من أطلق النار هو الحارس الكهل نفسه الذي كنت أقدم له الطعام كل يوم ثم اكتشفنا أنه أختفى بعد الحريق و لم نعثر له على أثر ./ص65) .

4ـ حياة البابلي بين غيبوبة الموت و دوامة الأيروتيكية :
و هكذا يصبح الموت فعلا أيروتيكيا مخالفا لوظيفة العلاقة الوجدانية السليمة فحياة البابلي الملقاة على أرضية حادث الانفجار و الرعب ، تخبرنا عن حادثة وقوعها في غيبوبة مؤقتة أثر أصابتها برصاصة في ذراعها ، فكان حامد الأخرس بدوره عندما لا يجد حياة البابلي في بيتها ، يخرج مصروعا إلى موقع الحادث : ( أشتهى مضاجعة جثة ملقاة في العتمة تحت أشجار التوت المتفحمة ، متعة تكفيه مشقة البحث عن جثة جديدة في أماكن القصف الأخرى ، كنت في غيبوبة متقطعة و قد وهن جسمي ، تعذر علي الصراخ ، بدأ يتحسس جسدي و يقلبه ، رفع طرف قميصي المدمى و كشف عن بطني و صدري . / ص65 ) و في سياق آخر من تصعيد حمم الموت ، تطلعنا الساردة على وقائع إيهامية و هي داخل خزانة الموت ، إذ تعاودها ظهورات أرواح أهلها عبر رفات بقايا حياتها بعد أن كانت مندرجة في عداد الموتى وسط النيران : ( كان الموتى من أهلي أبي و أمي و أخوتي يسحبونني إلى ممر مغبر يتوهج فيه ضوء برتقالي و أنا أصرخ و هم يتصايحون بأصوات مشتبكة ضارعة : ـ تعالي ، تعالي ، هيا غادري أرض الجنون ، أبقي و قاومي موتك . / ص66 ) و تبعا لهذا الأحتدام مع كائنات الموت و الحريق ، تكشف لنا الفقرات السردية عن ظهور حامد الأخرس بعد أن رأى جثة حياة البابلي ما بين الجثث العديدة : ( سحبني برفق ، أفقت لدى هبوب الصوت الأبكم وهو يصرخ ، لمحت ما تبقى من لسانه المبتور ، قطعة لحم وردية مشوهة بندوب على حوافها ثم عدت إلى الغياب . / ص66 ) من هنا لعلنا نلاحظ بأن الكاتبة الدليمي قد منحت بطلتها المشاركة حياة البابلي أكثر مما ينبغي عليه حال عنصر الصوت الواحد في الرواية ، بل أنها جعلت منها فكرة تعويضية عن ذات المؤلف نفسه ، وصولا منها إلى صورة البطل الروائي ، الذي غدا يحمل و ينيب عن موقف المؤلف التكويني بذاته ، فيما يبقى الوعي الذاتي و الموضوعي و الانبعاثي لدى الشخصية البابلي بمثابة المعادل المباشر عن دخولات وتوقفات صوت المؤلف في مجسدات متخيل الأحداث و السرد في النص و في إطار صيغة و رؤية هذا المبحث الفرعي من دراسة كتابنا حاولنا الكشف عن الزمن المترامي ما بين جملة الأبعاد الاسترجاعية و إطار المستلهم الزمني من أحداث و عادات السرد المبئر في موضوعة تفاصيل رؤية السارد إلى المدينة و إلى ذلك المجال من زاوية دلالة حياة ريشة الطاووس و حادثة مقتل طاووس في الآن نفسه ، اقترانا عضويا بموقع حادثة حريق المكتبة و غيبوبة الشخصية وسط ألسنة النار الملتهبة من حول جسدها ، ما جعلنا نتفاعل وحدود موضعية التبئير للسارد ، على أنها ذلك المكون المرشح في القيمة الزمنية المتداخلة في مشاهد التركيز على وحدات مسرحة الشخوص و حكايتهم في أحداث المروى عبر حال من فضاءات السردي الواحد .

ـ منزل النساء و أحلام الحظوظ المفقودة .
تدور أحداث الفصل الفرعي من الرواية ( بيت النساء ) في جملة خاصة من التشكلات التنويعية الدالة من حضور النساء في ميزان ( زحل / ذاكرة ـ الحضور ـ الغياب ) و من جملة خاصة من مسارية الفجوات الحظوظية الواهنة من مقدرات مصائر قدرية النساء في هذا الحيز من دلالة الرواية ، فهن دائما بانتظار ذلك الحبيب أو ذكراه أو الطلاق و الانفصال عن المؤسسة الزوجية بهوية النقصان أو مشيئة مقولة النصيب العاثر مع ذلك الزوج المخصي . فلذا ليس غريبا أن يمثل الحاجب الارتباطي نوعا ما من تناقضية الوضع الاجتماعي للذات النسوية في الرواية ، ما يجعلها حالة من حالات الشذوذ و الانحراف في منظر ما يحيطها من النظرة المجتمعية و الحلم وراء درامية مواقف العيش في حلقات توازنية خاصة من آمال العاطفة الواهنة في محطات من الانتظارات الشاحبة : ( من أبعد الديات أرى عيني ناجي تذرفان عشقا و ابتسامة شغف تترنح على فمه ، أسمع نبرته في همهمة الريح و أشم رائحته في طلع النخيل : صوته كامن في الهواء ، سحابة نجوم تمطر من نظرته وهو يناديني : حياة حياة ؟ أتنبه لتكرار الصوت ، يالجنوني إنه ببغائي ـ حسوني ـ يناديني : حياة حياة .. يدي تنبض بألم الحرق وجسدي يرتعش في وجع الجلد . / ص69 : الكراسة 4 بيت النساء ـ الرواية ) اللحظات المتخيلة لدى ـ بيت النساء ـ تأخذ مداها الأقصى وعيشها المفقود بطعم ملامسة الحقيقة و واقع التصديق ، ولن ينطوي صوت أنا السارد إلا ليحصي مهددات تصاعد جملة تشابهات الأيام و اختلاطها مع بعضها البعض ، وكأنها الأمس أو الآن أو في الغد من اللاجديد أو من القادم الذي هو حكاية من حكايا بنية الموت وحصاد الضياع في مدينة النار و الدخان . المحيط النسوي في منزل النساء ، كان يشكل بمثابة الطاقة الجماعية الصوتية و الذاتية المستوعبة بذاتها لكل علامات الزمن الماقبلي و الزمن العابر أو الاضافي المعلق في غيب الانتظار ، فيما يبقى الخوف الداخلي يتفاقم متصلا بمدار الذاكرة للشخصية حياة البابلي ، وهي تستعيد بقايا من شريط الاستعادة الذاتية المتبقية من زمن الخراب و الضياع في مدينتها : ( أسمع انفجارا ، ربما هو يوم آخر بعد عام أو أثنين أو ثلاثة من يدري ؟؟ . / ص70 الرواية ) .

1ـ مؤثثات كوابيس الموت بين حلم النساء و دخان الجثث :
كما رأينا في محاور الأقطاب السابقة من دراسة فروع مبحثنا المركزي ، كيفية الأحداث الجارية في مواطن و أشكال و أسباب حرائق المدن في بغداد ، علاوة على ما أصاب الشخصية الساردة حياة البابلي من طلق ناري أستقر في موضع من ذراعها ، وقد تفصح لنا مؤثثات كوابيس الموت في مكونات هذه الأحياز الزمنية في الرواية ، عن حدوث ذلك الانفجار المهيب في تفاصيل حادثة المكان : ( يدي اليسرى ينز منها مرهم الحروق الأصفر ، من الذي قام بمداواتها ؟؟ راوية أم حامد أبو الطيور ؟؟ أم منار ؟؟ لا أذكر ذلك ، انفجرت العبوة الناسفة قرب البيت ، احترقت سيارة الشرطة .. اللهب تعالق بزخارف الباب الحديدي ، وطال شجرة النارنج ، شممت رائحة شواء لحم في الدخان . / ص70 ص71 الرواية ) .

2ـ أيروسية أمثولة النساء تلعق جراح الرجال :
تقدم لنا مقتطفات الوحدات السردية في الرواية ، تلك الهواجس الغرائبية إزاء حادثة إصابة حياة البابلي بعيار ناري . فهي تحمل ذاتها المستلهمة إلى استرجاع ذلك السقف الحكواتي من حكايا جدتها ، التي تخبرها عن حادثة غريبة من أحوال جدها ، تمسكا بأمثولة النساء المعتقات النساء وهن يلعقن جراح الرجال : ( ـ الرجال أطفال ماكرون ، تقول جدتي : كان يجرح يده دونما حياء و يناديني لألعق الجرح فتسيل شهوته من عينيه و يسحبني إلى السرير ، الرجال أطفال جشعون / تعلمت أمي درسها و نساء أخريات ، ياللرجال من محظوظين حين تحبهم النساء و تلعق جراحهم / تقول هذا وهي نتظر إلى صورة جدي الذي كان ضابطا ممتطيا فرسه الشهباء . / ص70 ) اقترانا بحكاية جدة الساردة المشاركة ، حول شهوات الرجال و سيل دماء أيديهم طمعا بلعقة ايروسية من قبل النساء ، ذلك من القول المقبول لو كان الاثنان معا من يشتعل في شهوة موحدة ، على اية حال تقابل هذه الوحدات من مشهد شهوات جدة و جد الساردة ، صورة احتراق العريس الشرطي عبد الأمير الذي كان مقدرا له الزواج ( ليلة الجمعة . / المصدر ـ الرواية ) ولكنه بعد أن صار عريسا من رماد تلاشى حلم زوجته المنتظرة حتى ولو إلى لعق رماد جثمانه . يطلعنا خبر الرواية حول دلالات عناصر منزل النساء : ( حياة .. راوية .. هالة .. منار .. هيلين ) كل هذه العصبة من النساء يحيين على أمل من السواد و الأمنيات القاحلة ، بدءا بالشخصية راوية ، التي تحيا على أمل من الوهم من عودة نديم ذلك الشاب الذي فر من بطش سلطات البلاد إلى لندن ، و قد شغلت راوية كل آمالها لمجيء نديم للزواج منها ، ثم سفرهم إلى خارج البلاد معا . في ظل تتفاقم أزمة الحرب في شوارع المدينة لتطارد و تغتصب حريات الناس و خصوصياتهم المهدورة من قبل تلك العصابات المتشددة ، وصولا إلى أحكامهم الباطلة في القتل و التفسيق لحرمة الأعراض من النساء : ( تقول راوية : طاردني رجال ميليشيا ملتحون ورشوا على رأسي و ثيابي طلاء أسود لأنني لم أكن أرتدي جوارب سميكة و جلبابا و غطاء رأس / وفي الحي لاحقها شبان ملثمون وضعوا علامة على باب بيتها وكتبوا : ـ بيت عاهرات . ص75 الرواية ) و بعد مرور فترة من الزمن عثرت الشخصية راوية على رسالة إبتزاز تهديدا بالقتل و إخلاء بيتهم ، ما جعل والدتها تلوذ بالفرار إلى بيت قريبتها ، فيما لجأت راوية إلى الإقامة مع الشخصية حياة البابلي في منزلها . تخبرنا الساردة المشاركة ، بأن الشخصية راوية كانت تتجنب النزول بصحبتها إلى عوالم قاع السرداب : ( في السرداب ينقبض قلبي و أفكر بأمور مروعة ، أريد أن تتفرغ حواسي و عقلي لأنظاره فحسب . / ص76 الرواية ) كما و تخبرنا الساردة المشاركة أيضا عن الفتاة مصففة الشعر هيلين و كيفية حكاية عشق محمود شقيق الشخصية راوية إلى هذه الفتاة ،ولكن ما هو أصعب في أمر حكاية هذا العشق ، أن أهل هيلين هم من الرافضين إلى فكرة زواج محمود بفتاتهم ، و يتبين في الأخير أن سبب رفض والد الفتاة إلى هذا الزواج ، يعود إلى واقعة ( مجزرة قرية صوريا الشمالية ـ المصدر : الرواية ) أي أن هذه الفتاة سوف تبقى رهينة أحقاد والدها و ذكرياته الدامية في الرواية .

ـ تعليق القراءة :
إلى هنا نقول : حاولنا قدر الإمكان توضيح مدى تضاعيف العلاقات البؤروية و الدلالية المتشابكة عبر عشرات من التفاصيل و الأحداث و الوقائع في رواية لطفية الدليمي ، حتى لنتمكن من إيصالها إلى ذهن القارىء كحالات انطباعية من التحليل و الممارسة المقاربة إلى مجال أحداث الرواية الدالة لدى مخيلة الكاتبة الكبيرة لطفية الدليمي . أقول مجددا لاشك من أن مسار السرد في رواية ( سيدات زحل ) ما هي إلا جملة مركبة من العلاقات القصدية و الإيحائية و الدلالية و التوثيقية ، ما جعلها في الآن نفسه ، تتكفل بمصاحبات العوالم الداخلية و الخارجية من موقع المادة التأريخية و المرجعية الذاكراتية الخاصة بموقع رؤية الشخصية الساردة . و تبعا لهذا تبقى ساردية مشاهد الحلقات السردية من الرواية في مواضع و مواقف متقدمة و متراجعة من تصوير أفعال الماضي و الحاضر في واقع النص الروائي ، لتتحول وظائف النص إلى نقطة محورية من رؤية الساردة ـ حياة البابلي ـ و ليبقى صوتها في النص ذلك الصوت السارد و المسرود ضمن العلامة المتحكمة و المقترنة في دلالات أحوال التمثيل للصورة و الفكرة من نصية ( الميتارواية ) وتماثلاتها المتخيلة و المتنامية في مدارات مواقع الشاهد و المراقب و الروائي و الحكواتي المتكفل إلى ضم جميع أصوات الرواية في موجهات بلاغة صوته السردي الواحد .