23 ديسمبر، 2024 2:06 ص

دراسة ذرائعية لقصيدة ( القمر الأحمر) للشاعر المغربي عبد الرفيع الجواهري

دراسة ذرائعية لقصيدة ( القمر الأحمر) للشاعر المغربي عبد الرفيع الجواهري

دراسة ذرائعية لقصيدة ( القمر الأحمر) للشاعر المغربي عبد الرفيع الجواهري تقدمها الناقدة الذرائعية التونسية ابتسام عبد الرحمان الخميري
حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي

لجنة الذرائعية للنشر

تجليّات الوطن بعزف منفرد في شعر الجواهريّ

دراسة تحليليّة ذرائعيّة لقصيدة: “القمر الأحمر” للشّاعر المغربيّ عبد الرّفيع الجواهري

إعداد: إبتسام عبد الرّحمان الخميري من تونس

أولًا-المقدّمة:

رغم تقدّم العصور و تطوّرها بقيت شهرة العرب مرتبطة بالشّعر باعتباره وصفا و نقلا و ترجمة لواقع اجتماعيّ

و اقتصاديّ و سياسيّ… بما هو جملة الألفاظ المرتّبة، هو من الفنون الّتي برع فيها العرب من خلال التّاريخ الأدبيّ ككلام موزون و مقفّى…

و رغم ضجيج الحياة اليوميّة و صخبها تتوق الأنفس السّكينةَ و الهدوء و السّفر عبر مفردات جميلة و صورا أجملَ.. خاصّة إذا رسمت الطّبيعة و على الأخصّ إذا رسمت أرض الوطن… على غرار شاعرنا الفذّ عبد الرّفيع الجواهريّ.

حيث تسلّل إلينا عشقه اللاّمتناهي للوطن، من خلال قراءة قصيدة ” القمر الأحمر” التقى جمال الكلمات رغم بساطتها بأناقة المعنى و خفّة الإيقاع.. فجاءت محمّلة صورا جدّ رائعة تكنزُ في طيّاتها استعارات و انزياحات مميّزة.. ترجمت لنا العشق الصّادح للوطن و التّعلّق الشديد به.

فبدا القصيد رصينا محمّلا صدقا، وفاء، مشاعر جيّاشة لتراب البلاد و كلّ رقعة فيه.

ولعلّي ارتأيت في محكّ النّقد الذّرائعي منهجا علميّا يسمو على بقيّة النّظريّات الأخرى لارتكازه على مداخل علميّة للرؤية البراغماتيكيّة، لقد حمل النّقد من الفلسفة إلى العلم فلم نعد نحتاج للنقد الإنشائي… لقد أصبحنا نرتكز على مداخل علميّة سنتناولها معكم بإذن اللّه في قصيد “القمر الأحمر” للشاعر عبد الرّفيع الجواهريّ، فمن يكون صانع هذه الأحرف؟

التّعريف بالشّاعر:

عبد الرّفيع الجواهريّ شاعر مغربي ولد بمدينة فاس سنة 1944 تابع تعليمه بالمدارس الحرّة الّتي أنشأها رجالات الحركة الوطنيّة المغربية.

-التحق بالإذاعة الوطنية سنة 1960

-حصل على الإجازة في القانون 1967

-أحرز على شهادة الدّروس المعمّقة من كليّة العلوم القانونيّة و الاقتصاديّة بمراكش ليخوّل له العمل كمحام.

-انتخب رئيسا لاتحاد كتّاب المغرب 1996

مسيرته السّياسيّة:

-ناضل في حزب الاتّحاد الاشتراكي للقوات الشّعبيّة، أصبح عضوا بالمكتب السّياسي ثمّ نائبا بالبرلمان.

-أشهر قصائده: “راحلة” أدّاها الرّاحل محمّد الحيّاني.

-“القمر الأحمر” أدّاها عبد الهادي بلخيّاط.

-حصل على ” جائزة الحريّات” من الاتّحاد العام للأدباء و الكتّاب العرب لدفاعه المتواصل في أشعاره و مقالاته و مواقفه عن الحريّات في الوطن العربي( سبتمبر 2017)

من أعماله:

-” وشم الكفّ” عن دار بيروت 1981

-” شيء كالظلّ” مرّاكش 1994

-” كأنّي أفيق” الرّباط 2010

-” الرابسوديا الزّرقاء” الرّباط 2010

لقد اعتمدت النّظريّة البراغماتيّة في تحليل هذا القصيد و اخترت ولوجها من خلال إبراز:

ثالثًا-البؤرة الثابتة للنصّ:

إنّ الثّابت للعيان أنّ القصيدة: “القمر الأحمر” تجعل القارئ و المستمع يشنّف آذانه و ينجذب إلى سماعها و قراءتها عدّة مرّات.. لأنّه عزف على إيقاع الحبّ اللّامتناهي للوطن، للمكان، لجباله و رقراقه.. فيفيض العشق و يرغّب القارئ في زيارة المكان. المغرب. الرّباط. بل و يسافر معه عبر أجنحة كلماته السّلسة النّابعة صدقا.. واصفا جمال الوطن و بهائه في أحلك الظّروف محتفيا به.. باستعمال انزياحات و مجازات و استعارات غاية في التّفرّد.. فيعلو صوته و يصدح كاشفا عن تجذّره و أصالته و ارتباطه الوثيق بتفاصيله: جباله و رقراقه العظيم و سفحه و ليله…

عناصر تشعّ جمالا و فرحا، عظمة، شموخا و أنفة. غارقة في ذات الشّاعر تسري فيه مسرى الدّم في العروق.. هي قيم تنبع من خلجات صدره ممّا يجعلنا نحلّق معه في سماء المغرب، و نشتهي أن نقاسمه اللّيل المختلف و حمرة القمر و وهج حبّه من خلال رسمه بعبارات منتقاة بذهول و صور شعريّة جميلة للطّبيعة الأمر الّذي يكسبها قوّة و عظمة على عظمتها و شموخا جميلا مبهرا.

قمّة الحبّ للوطن تكشف قوّة الإيمان: أ ليس حبّ الوطن من الإيمان؟؟

رابعأ-الاحتمالات المتحرّكة في النّصّ شكلا و مضمونا:

إنّ الملفت حقّا هو أن يختار الشّاعر القمر ليتغنّى به معتمدا الشّعر الغنائي لأنّه نابع من الوجدان و يصبغه باللّون الأحمر، فما عاد القمر ملهم الشّعراء و أنيس المحبّين كما هو متعارف عليه. كجرم سماويّ غير مضيء من تلقاء نفسه باعتباره جسما معتما يعكس ضوء الشّمس السّاقط عليه، حيث أنّ ظاهرة القمر الأحمر تبرز أثناء الخسوف الدّامي على الأرض.. ها هو يكتسب حمرة دالة على الحياة البهيجة و الحيويّة حينا.. و الخجل و الخشوع حينا أخرى..

هي لوحة طبيعيّة مميّزة جدّا رسمها الشّاعر بكلماته المنتقاة بحرفيّة عجيبة بوّأتها مكانة مرموقة… بدت في شكل عموديّ محكم من الأعلى إلى الأسفل.. كأنّه خطّ عموديّ مستقيم مغاير للمألوف. فهو ما عاد بين الشّمس و القمر. بل لقد زحزحها الجبل رغم مدى توهّجها و أشعّتها السّاطعة ليأخذ مكانتها في علاقتها بالقمر.

إنّ الجبل بما هو ارتفاع طبيعيّ عن سطح الأرض، يرتفع أكثر أو أقلّ من سطح البحر ليحقّق ارتفاعا نسبيّا عن الارتفاعات المجاورة له. يرتقي لمستوى الشّمس و يُكسب القمر اللّون الأحمر. و هو بذلك يكسبه شموخا و صلابة. حياة. ثورة. تجدّدا متواصلا.. كأنّه عاشق يخجل ملاقاة حبيبة: أو تراه الأمل يقف وراء الصّمود و الأنفة و الكبرياء..

إنّه الاعتزاز بالأصالة المغربيّة و العراقة خاصّة و أنّ هناك رمز أكبر و أعظم:

-” و رقراق ذاك العظيم”: هو العظيم أبو الرّقراق الّذي يتصدّر قائمة الأنهر بالمغرب. يصبح الشّاعر عبد الرّفيع مؤرّخا يخبرنا عن أهمّ ما يوجد من معالم ببلاده. هذا النّهر الّذي يبلغ طوله 240 كلم ينبع من الأطلس المتوسّط على مستوى مدينتي الرّباط و سلا. يتجاوز الحدود الجغرافيّة فيصبح حضنا للفرح و الأمل حيث قال: ” ارتمى اللّحن و المزهر”

-في موجه يستحمّ الخلود: يتحوّل النّهر الرّقراق إلى بحر و ما يوحي به من رحابة و اتّساع و انفتاح لا متناهي و عطاء لا ينضب.. هكذا هو الرّقراق حضارة عريقة للبلاد و تاريخ محفور في الذّاكرة أكسبه شاعرنا أكثر خلودا و بقاء. بل و أكّد أنّ النّهر الخالد، إن جاز القول ذلك، موجه في انصهار و تأقلم مع الخلود.. الخلود كمصطلح يدلّ على الحياة في الشّكل الرّوحانيّ أو الفيزيائيّ لمدّة زمنيّة غير محدّدة. هو شكل من أشكال الحياة دون نهاية أو موت. فالنّهر ينصهر في الخلود

و يخلّد .. ذلك الخلود الأبديّ الّذي أراده الجواهريّ لهذا المكان الحاضر في وجدانه و كيف لا؟؟ و هو قيمة ثابتة تاريخيّا و اقتصاديّا بما هو مورد رزق و ثروة للمحيطين به من المدينتين (الرّباط و سلا)

نلاحظ أنّ الشّاعر استعمل عبارة “خلود” كمصطلح مستمدّ من القرآن الكريم حيث أكّد كتابنا أنّ الجنّة و النّار خالدتان لا فناء لهما و عبد الرّفيع يجعل الرّقراق خالدا تنحني له الأزمان و العصور حين أعلن لنا: ” و في غوره ترسب الأعصر”.

-يواصل الاعتزاز بهذه القيمة الثّابتة بأسلوب تأكيديّ حتميّ في الزّمن الآن( المضارع) و أنّ الرّقراق احتضان العصور

و الأزمنة فكأنّه يوقف الزّمن هذا الرّقراق ليعلن أنّه زمنه هو.

تتحوّل وظيفته من مورد رزق و استقطاب للسيّاح و اختزانه لثروة سمكيّة و بحريّة هامّة إلى خزّان للزّمن للتّاريخ لفترة زمنيّة .. فيا له من سحر يصنع الزّمن و العصر.

بإيباء يفتخر شاعرنا برقراقه و يكنز فينا حبّا و رغبة لرؤيته و الانبهار به. إنّه بوصلة ترشدنا للوطن الّذي يعشقه حدّ الهوس فنعشقه بدورنا حين نسافر مع كلماته.

مع الإبحار مع كلماته الرّصينة دلالة و رمزيّة نلحظ أنّ الشّاعر قد انتقى مفرداته من قاموس عقائديّ يوضّح لنا إيديولوجيّته و فكره الماسك بهرمين عظيمين لا ينزاح عنهما: أوّلا الدّين، حيث المفردات القريبة من كتابنا الحنيف عندما نراه استعمل المفردات التّالية: خشوعا=صلاة، خجولا = لا تمشي في الأرض مرحا، يصلّي= صلاة، معبد= مكان للعبادة، في ليلنا أنجم تمطر= و النّجم إذا هوى.

ثانيا: الوطنيّة، هذه الأصالة و التّديّن يمتدّان للوطن حيث نجده يأتي مرتبطا شديد الارتباط بذات الشّاعر فالوطنيّة تسري في شرايينه، هذا هو الّذي عُرف بأسلوبه السّياسيّ السّاخر فترة الثّمانينات ها هو يرغب كعادته في الارتقاء ببلده عمّا هو سائد آنذاك في تلك الحقبة من الزّمن.

إنّه اختار التّفرّد و التّميّز فكان له ذلك عن جدارة. إنّه يرفض الدّونيّة بل و يطوّع القدر لألاّ يتقدّم أي يبطئ في حلقته الاستمراريّة و يقسم بشموخ و أصالة بني وطنه. هي الطّبيعة بصلابتها (الجبال) تنمّ عن عراقة و تجذّر ” و عزّة هامات هذي الجبال” يؤكّد على الجمال و الاخضرار. إنّه العطاء الّذي يريد شاعرنا و علوّ شأن المغرب.. يصبح مكانا رحبا مميّزا يسهر فيه القمر، إذن هو المكان المميّز المحتفى به فنعود للصّورة الأولى: الأفق/ السّماء كما انطلق منها.

عود على بدء لرونق المكان و بهائه ممّا يتيح له الاستهزاء بطرح أسئلته الاستنكاريّة الموجّهة للمرأة الأجنبيّة ” شقراء” و من وراءها يخاطب البلدان الغربيّة عامّة ( مدن الضّباب) فهذه الشّقراء تراها تظمأ للضّياء؟؟ بلى إنّ الرّوح تظمأ فعلا إذا احتاجت الأمان و السّكينة و الهدوء و هذا التّعطّش يوضّحه لنا الشّاعر عندما يقول: ” قلبها ملّ ليالي الضّباب”. أليس ضياع الإيمان، الإيمان بالوطن هو الّذي يروي الرّوح التّائهة؟ و يصبح ضياع الغرب يقابله علوّ شأن الوطن الغالي: المغرب المعطاء: أنجمه تمطر خيرا سكينة. كرما جودا. قيما نبيلة.. فأنّى للشّقراء (الغرب) أن تسعد بجمال بلدها الّذي ما عاد يضاهي جمال هذا المكان و سحره؟ و يتوه سؤال ” حلوة الوجنتين” بين المكان و الزّمان و البهاء اللاّ متناهي بمفردات جدّ رائعة مميّزة.

نأتي على تفصيل كل هذه المعاني عبر المداخل التالية :

1)المدخل البصريّ:

” القمر الأحمر” ورد العنوان مركّبا نعتيّا حيث تصف العبارة الثّانية (الأحمر) العبارة الأولى (القمر) و من البداية يجعلنا عبد الرّفيع الجواهريّ نتوقّف عند هذا اللّون غير المتعارف عليه.. فالقمر ملهم الشعراء و جامع العشّاق أحمر، القمر في ليلة اكتماله يصبح أحمر. هذا اللّون بما هو مبعث للحيويّة و النّشاط و الحياة المتدفّقة يصبغ القمر فتولد عند المستمع و القارئ في آن تساؤلات و اندهاش من نوع خاصّ، يشدّنا للقصيد فنردّده في أعماقنا في حيرة جميلة… بديعة..

إذن، ورد القصيد شعرا حرّا موزونا. موزّع على خمس مقاطع متناغمة متماسكة في تسلسل ترابطيّ بينها. تلتقي جميعها في تمرير حبّ الشّاعر اللاّ متناهي للمكان، للبلاد، لترابه.. و كأنّ المقاطع الخمس هي القواعد الخمس للإسلام بل هي القواعد الخمس للحبّ الدّفين للمغرب.. بالرّغم من تعدّد القوافي نجد حرف الرّاء يسيطر على أغلب مقاطع القصيد ( يسهر، تزهر) (المزهر، الأعصر) ( الأحور، أحمر، يقطر) بينما بقيّة الحروف تتكرّر مرّتين في معادلة جميلة في التّوزيع بينها و هي: الباء، النون، التّاء، الياء، الدّال، اللاّم.

بيد أنّ المقطع الرّابع أورده الشّاعر في شكل جملة من الأسئلة الاستنكاريّة كنوع من الاستهزاء لا يروم من وراءها إجابة: ( أ في..؟ أ من…؟ أ في..؟) ليكون المقطع الأخير إجابة تؤكّد هذه العلاقة الّتي ارتقت لغرام و وله الشّاعر ببلده..

من الوهلة الأولى نلامس جمال هذه الصّور الشّعريّة و الانزياحات المدهشة فنغوص أكثر بين أسطرها عسانا نحظى بهذا الحبّ العظيم و التّعلّق الشّديد.

2) البيئة الشّعريّة:

لا شكّ أنّ للبيئة الدّور المهمّ في بلورة شخصيّة الشّاعر كإنسان و كذلك في سلوكه و تعاملاته… و لعلّنا نلمس جليّا تأثّر شاعرنا بالبيئة الطّبيعيّة: الأرض، الجبال، الأنهر.. ثمّ تأثّره بالبيئة الاجتماعيّة العائليّة ( كفاح والده ضدّ المستعمر) و هي جملة القوانين و الأنظمة الّتي حكمت علاقاته مع الأفراد و المؤسّسات و الهيئات السّياسيّة حيث كان مناضلا في حزب الاتّحاد الاشتراكي للقوّات الشّعبيّة. كما كان للظّروف السّياسيّة الّتي عاشتها بلاده الأثر البليغ الّذي صبغ شخصيّته بالرّفض و الإصرار على المواجهة نتيجة للوضع المتأزّم آنذاك. لقد كان الصّوت الرّافض للاستعمار و للمهانة بأسلوبه السّاخر الّذي ميّزه.. فبرز محاكيا بأبياته الطّبيعة و متفاعلا مع الوضع و راسما تفاصيل مدينته بصدق و عشق عميقين.

3) التّيمة و مقياس الدّقة في الإبداع الشّعريّ:

علاقة الشّاعر الوطيدة بوطنه و حبّه اللاّ متناهي له حدّ الدّوبان و الانصهار في كلّ شبر فيه هو ما نستشفّه من المفردات الّتي قدّمها إلينا بحرفيّة رغم بساطتها و سلاستها هي قمّة في الجمال و الرّونق، اعتزاز و افتخار بالوطن، أصالة و تجذّر، شموخ و عراقة تكتنفه فنشتهي التّجوال بين ربوعه و التّمتّع بتلألىء مياه رقراقه و حمرة قمره بهاء و خجلا..

إنّه مكان للعطاء ليس مكانا للضعفاء و لا للقانطين… هو بلد الصّمود و الجلَد، بلد العطاء و الخير العميم و البِشْر.. إبداع شعريّ بحرفيّة متقنة ممزوجة بالعاطفة الصّادقة. الجيّاشة تفيض وطنيّة و تأصّلا..

أ-مقياس نقد المعنى:

إذا وضعنا القصيد تحت مقياس نقد المعنى يتوجّب علينا العبور عبر ثلاث مقاييس هامّة، متّصلة بعضها بعضا و هي:

°مقياس الصّحة و الخطأ:

لا شكّ بأنّ عبد الرّفيع قد رسم لنا أرض بلده دون زيف أو خطأ. بل هو رسمُ فنّان تشكيليّ بأنامل مبدع لطبيعة موجودة حتما تنبض حياة و عطاء بالمغرب، إذن نلمس بلورة لصدق الشّاعر و صحّة المشاعر و نبلها دون خطأ. فقد كشف عن واقع حقيقيّ في تلك الحقبة من الزّمن في المجتمع المغربيّ خصوصا و العربيّ عموما.. فترة الاستعمار و ما عانى منه العالم العربي آنذاك. مقابل رسم جمال المكان/ الطّبيعة: الجبال/ المرج/ الرّبوات/ اللّيل.. ثمّ الرّقراق كقيمة ثابتة اقتصاديّا و تاريخيّا و هي عناصر انتقاها شاعرنا تدلّ على العظمة و البقاء و الرّغبة المفرطة في الاستمراريّة.. كأنّه يقول: “سنبقى و ننتصر محمّلين بعشق تراب الوطن يشدّ من عزيمتنا..”.

°مقياس الجدّ و الابتكار:

يتّضح الابتكار من العنوان حيث جاء ” القمر الأحمر” مختلفا فتحتدم الأسئلة في الأذهان: لمَ اختار هذا اللّون تحديدا؟؟

تُراه انبهر بدلالته كما نجدها عند الشّعب الإسرائيلي الّذين يعتقدون أنّ لونه الأحمر ينبئ بحدوث شيء خطير كأن تحدث حروب أو كوارث طبيعيّة… ثمّ نهرع للتّساؤل من جديد عساه اختار الدّلالة المتواجدة عند الشّعب المسيحي حيث قال القسّيس ” جون هاغي” أنّه يمكن أن يتغيّر العالم من خلال هذه الظّاهرة الغريبة و أنّ اللّه يتواصل مع البشريّة بطريقة خارقة للطّبيعة… إنّه ابتكار من نوع خاصّ حيث يعيدنا لإيمانه الحقيقي مستعملا مفردات دينيّة (خشوعا/ خجولا)

بجديّته فاز بهذا اللّون الشّعريّ و لعمري من خلال جمال المقاطع الخمس المسترسلة و العاكسة لقوّة الإيمان و صدق المشاعر و التّميّز و الاختلاف.. فنجده مبتكرا من الدّرجة الأولى لصور شعريّة رائعة جديدة مكتنزةً بهاء.

°مقياس العمق و السّطحيّة:

إنّه قصيد بسيط في مفرداته عميق في معناه و دلالته، يكشف عن إيديولوجية الشّاعر و انتماءاته السّياسيّة متخفيّة وراء سلاسة المعنى و عمقها. كما يكشف عن تجذّره و ارتباطه الوثيق بوطنه متبنّيا همومه و مشاغله داعيا للرّفض و الانتصار للحقّ و الحياة من خلال روعة المكان و جماله.

ب-مقياس نقد العاطفة:

لا ريب أنّ ” القمر الأحمر” قصيد يعبّر عن المشاعر الجيّاشة و الفيّاضة الّتي يكنّها شاعرنا لوطنه مؤكّدا ” في بلدتي أكوس تسكر” فالبلاد له وحده لا يشاركه أحد هذا الحبّ و العشق الثّنائي و على محك:

°مقياس الصّدق و الكذب:

قطعا هو صادق لا محالة إذ مرّر لنا صدق مكنوناته بكلماته المختارة الرّافلة بين البساطة و العمق. و كيف له أن يكون غير ذلك و هو المناضل على الدّوام لأجل الحريّات الإنسانية؟؟ وهو الّذي تربّى في عائلة تصدق وطنها و تجاهد لأجله؟؟

°مقياس الضّعف و القوّة:

إنّ صدق المشاعر يُكسب القصيد قوّة، حيث نستشفّ قوّة المشاعر و تدفّقها بهذا الرّسم الجميل البديع لتراب وطنه و يستمدّ قوّته أيضا من الطّبيعة الّتي يتغنّى بها ( الجبال- الأرض- المراعي..) و هي قطعا عناصر طبيعيّة إيجابيّة تمدّ بطاقة إيجابيّة تعطي قوّة لا محدودة و من ذلك رفض الشّاعر للضّعف فيتجاوز الوصف المعتاد و يسمو بالقصيد عن غيره ممّا أكسبه خلودا و تميّزا يستحقّهما حتما.

4)المدخل الجمالي:

عندما نضع القصيد “القمر الأحمر” على محكّ النّظريّة الذّرائعيّة للنقد كنظريّة حديثة علميّة لصاحبها عبد الرزّاق عودة الأغلبي، يتحتّم علينا ولوج المدخل الجمالي حيث الموسيقى و الصّور الشّعريّة متلازمين لا يختلفان بل نجدهما ها هنا وجهان لعملة واحدة: قصيد إيقاعه عذب و صوره جميلة.

أ-الموسيقى الشّعريّة:

بعزف منفرد غاية في البهاء و الرّونق كان القصيد ” القمر الأحمر” مولودا متلألئا في عالم الخلود و الإبداع الأخّاذ باعتبار عازفه الفذّ قد قدّمه لنا على بجر يُستساغ سماعه لخفّته و كثرة النّوتات و الإيقاع السّلس في طيّاته،

إنّه بحر المتقارب: فعولن/ فعولن/ فعولن/ فعولن، الجدير بالذّكر أنّ أغلب الشّعراء قد أبحروا على أمواجه بيد أنّ عبد الرّفيع كان الأبرع و الأكفأ معتمدا ألفاظا غاية في البساطة تحمل معاني عميقة و انزياحات جميلة و استعارات مدهشة و ذلك لأنّه:

-استعمل معجما خاصّا به من خلال كلمات بسيطة ذات سياقات مكثّفة حمّلها إيقاعا خارجيّا مبهرا.

-استعمل التّكرار حيث جاء حرف الرّاء في الرّويّ و هو حرف لثويّ( المُزهر/ الأعصرُ/ الأسمرُ/ الأحور) أيضا القافية: يسهرُ/ مزهرُ

-استعمل السّجع: و هو إيقاع موسيقيّ مستساغ يحلو سماعه: اللّفتات/ البسمات/ الأسمر/ الأحور..

-الزّمن المضارع: استعمل الأفعال في زمن المضارع للدّلالة على تواصل الحركة و الاستمراريّة و الجياة. فهي عنده لن تتوقّف هو الأمل المتجدّد: تُمطر/ يقطرُ/ يسهرُ.

-استعمل التّشبيه: اعتمد شاعرنا التّشبيه ( كطيف ندٍّ) حيث كان القمر شبيها بالطّيف.

-استعمل الاستعارات: نجد القصيد مشبعا استعارات مكنيّة فالقمر أصبح كالإنسان و إن لم يذكره صراحة: ( خشوعا/ خجولا/ أطلّ…)

-استعمل أسئلة استنكاريّة: نلحظ في المقطع الرّابع للقصيد جملة من الأسئلة الاستنكاريّة قد طرحها الشّاعر دون أن يروم إجابة عنها فهي استهزائيّة بدرجة أولى لها وقع موسيقيّ أضاف جمالا للعزف الّذي طرحه لنا حيث قال:

أ في مرجكم تولد البسماتُ؟

أَ في ليلكم قمرٌ أحمرُ؟

-استعمل الاشتقاقات: ليكتمل جمال الموسيقى استأنس الشّاعر بالاشتقاقات و ذلك يبرز على مستوى الصّوت ليحافظ على إيقاع موسيقيّ جميل مثل: مرجكم/ ليلكم- الأسمرُ/ الأحورُ- أحمرُ/ أخضر…

أخيرا أضاف لمسة سحريّة حين انتقى مفردات من الطّبيعة هي مفردات تبعث القوّة و الصّلابة في الذّات الإنسانيّة كما أشار لذلك علماء التّنمية البشريّة حديثا.. هي مفردات تبعث روح العطاء و البقاء و الاستمراريّة في الحياة و مجابهة المصير مهما كان.. إنّها رمز جمال المكان و عظمته: الجبال، السّفح، الرّبوات، الأنجم، المراعي..

ب-الصّورة الشّعريّة:

لا يختلف اثنان أنّ الموسيقى الشّعريّة المكتنزة بين طيّات كلمات هذا القصيد المنفرد تحمل صورا شعريّة رائعة حدّ الانبهار. تجعلنا ننبهر بالمكان و نرتحل مع سحر الصّور الّتي تأخذنا كلّ مأخذ فنتوق للمغرب و نشتاق التّجوال فيه و لعمري نهره البهيّ الرّقراق تحت أنجمه و حمرة قمره المميّز، حيث لا وجود لقمر أحمر سوى ذلك المنتصب بشموخ فوق جبال مدينتي الرّباط و سلا معانقا العطاء و الحياة الخالدة الّتي ينحني الزّمن إجلالا و احتراما و تقديرا له ( النّهر: الرّقراق) و لئن ضمّن الشّاعر بذكاء فريد من نوعه و خاصّ، ضمّن صورة المرأة (الشّقراء) في المقطع الثّالث صراحة يبدو حضورا يتيح له المجال لمزيد وصف جمال موطنه الّذي يتفوّق على جمال المرأة الحسناء، الشّقراء و ما عاد لطرفها الأحور بقاء و صمودا أمام سكرات بلدته و ليلها المضيء و مراعيها الخصبة و العبير اللاّ متناهي.

ج:درجة الانزياح نحو العاطفة:

ليكتمل الجمال بالقصيد ” القمر الأحمر” انتقى الشّاعر المبدع موسيقى شعريّة و صورا غاية في الرّوعة على رُغم بساطتها تشدّ القارئ إليها، فهفا الفؤاد مع هذا الوقع البديع للمفردات و شارك صاحبها هذا الشّعور الرّاقي: إنّه قمّة في حبّ الوطن بل و عشقه المتسربل مع روح و مكنونات عبد الرّفيع ألجواهري. فكانت العاطفة في أعلى درجاتها النّقيّة الطّاهرة بصدق و إخلاص كبيرين حيث ناضل الشّاعر لأجل هذا الحبّ، و كانت عناصر الطّبيعة قوام امرأة يتغزّل بها على كامل مقاطع القصيد الخمس. ثمّ يعظم هذا الارتباط الدّمويّ العنيف بينه و بين وطنه فيقرّ ذلك و يكشف عنه صراحة لا تلميحا: هي بلدته هو: ” و في بلدتي أكْوُس تسكر” لقد تعرّت هذه العاطفة و ازدادت وضوحا من خلال الاستهزاء و السّخريّة من بلد الحسناء الشّقراء بل بلدها صار ضبابا و ظمأ و مللا مقابل الضّياء و البسمات و الأغنيات في بلد شاعرنا.

د: التّجربة الإبداعية في القصيد:

تكشف دراسة المدخل الجمالي على محكّ النّظريّة الذّرائعيّة عن تجربة إبداعيّة خلاّقة تجلّت في القصيد بوضوح أنارت السّبيل لاكتشاف جمال المغرب و مدى عراقته و تجذّره في الأصالة و حضارته حينما أبحر بنا عبد الرّفيع في أعماق وجدانه الصّادق مجدافه لغة صنعها بأنامله فميّزته.. استعارات و تشبيه و رمزيّة.. فركبنا معه مركبًا قُدَّ من بساطة المعنى و جمال الصّور و خفّة الإيقاع، لذلك حملنا بكلّ سهولة لمرافئ المغرب نرسو عندها لحظة حمرة القمر لأنّه المتمرّس في اللّغة الماسك بقوامها.. جاز له تشكيل قصيد كلوحة فنيّة طبيعيّة مميّزة بثّها أنفاس وَلَهِهِ و تعلّقه بكلّ رقعة فيه.

5)المدخل اللّساني:

لقد جاء القصيد عزفا على إيقاع العشق الدّفين للوطن، بتناغم مبهر، به إيقاع داخليّ و خارجيّ لطيف سلس جاذب للقارئ بكلمات بسيطة و معان عميقة و سياقات مكثّفة إذ ركن الشّاعر إلى استعمال الاستعارات المكنيّة فبدا القمر كائنا بشريّا يخجل و يخشع و يسهر.. إضافة للتّشبيه كما اختار الزّمن المضارع لأفعاله ليكرّس الحركيّة الدّائمة و الاستمراريّة و التّسلسل المنطقيّ: يستحمّ/ ترسبُ/ تزهرُ/ توقّعها/ يصلّي/ يَعبُّ.. و ختمها: تُسائلني..

إنّه قصيد من السّهل الممتنع لغزارة المعاني و الدّلالات شكّلت إضافة نوعيّة و بصمة حيكت من لدن فنّان عاشق للوطن.. حالم بالارتقاء للجمال و البهاء و الرّقيّ فكان له ذلك عن جدارة لا ينازعه فيه منازع.

6)المدخل السّلوكي:

بدء من العنوان ” القمر الأحمر” يبعث فينا الشّاعر مجموعة من الاستفسارات المستفزّة على مستوى السّلوك النّفسي فنحاول البحث و التّنقيب ليهدأ بالنا، أم تراه قد نجح في تمرير نفسيّته المستفزّة إلينا نجاحا مبهرا لا مثيل له دون نقاش.

إنّه لا محالة ردّ فعل لوضع عاشه في تلك الفترة الزّمنيّة بالمغرب و شارك مجتمعه المعاناة و قسوة الاستعمار.. لكنّه عن وعي تامّ بالعالم الّذي يحيطه أعلن عدم خضوعه للحالة الدّونيّة و طفق يعالج الوضع بغذاء الرّوح ( الشّعر) كاشفا عن جمال الوطن مستعملا كلمات طبيعيّة دالّة على القوّة و التّغيير.. إنّه من داخله مقتنعا بقوّة المكان و عظمته فحاول تمرير ما يكتنزه بأغواره.. لعلّه السّلوك الإجرائي الّذي حدّثنا عنه ” سكينر” و هو السّلوك الإجرائي الّذي يعمد على مثير معيّن في البيئة الخارجيّة… عن قصد و تدبير جُبِل عليه منذ نعومة أظفاره حين كان والده رافضا للاستعمار.. فكيف له ألاّ يكون محبّا لبلده مدافعا عنه و عن الحريّات و قد امتلك قاموسا لغويّا يسهّل عليه حمل رسالة للمجتمع بل و التّميّز و الابتكار فيها.

7)المدخل العقلاني:

“أحبّ البلاد كما لا يحبّ البلاد أحد” هكذا تغنّى الصّغيّر أولاد أحمد بحبّه لوطنه تونس. و ها هو عبد الرّفيع الجواهري يصدح ب “القمر الأحمر” معبّرا عن حبّه للمغرب فكان القصيد رصينا غاية في الإبداع. دعوة ملحّة إلى الإخلاص لأرض الوطن.. للوطنيّة الرّابضة فينا، إنّه يدغدغ فينا الإيمان الصّادق و الشّعور النّبيل نحو موطننا، بل و يزرع فينا العلاقة المبنيّة على العشق: للمغرب.. إذ يرسم لنا جباله و نهره و رباه و ليله المضيء صراحة و بوضوح تامّ.. فما سخريته من الشّقراء ذات الطّرف الأحور سوى دعوة بني وطنه للسّخريّة و الاستهزاء و بالتّالي اللاّ مبالاة بجمال الغرب مهما كان لأنّه لا يعدو أن يكون تعطّشا للضّياء أي محمّلا بضياع الوازع الدّيني و افتقارا صادحا للسّكينة و الهدوء..

” أيّها الشّباب لا يغرّنّكم جمال بلاد الغرب إنّه ضباب و ملل و قنوط، لا تتركوا دفء المغرب و الحياة المعطاء”

هكذا أراد الشّاعر أن يعلو صوته دون أن يتخلّى عن ايديولوجيّته و وازعه الدّيني حين تسرّبت بعض المفردات الموضّحة ذلك: ( خشوعا- يصلّي- معبد- قدر..) و عموما يحمل لنا رسالة حوت دعوة لحبّ الوطن و التّجذّر و التّأصّل قصد الارتقاء.

8)المدخل الاستنباطي:

” القمر الأحمر” ليس مجرّد قصيد يتغنّى بالوطن، بل هو دعوة صارخة من صوت شاعرنا لعشق الوطن و أن ننهل من مدى أصالته.. لوحة فنيّة شعريّة قُدّت بمفردات سلسة عميقة تعكس معاناة و هموم شعب في حقبة تاريخيّة صعبة.. لكنّه رفض ذلك الوضع السّياسي الوهن، رفض الجهل و الظّلم، رفض الدّونيّة و الاستسلام و دعا إلى المواجهة و المقاومة، دعا إلى التّعليم و نبذ الظّلم و الاحتقار و التّردّد و الخجل و الخنوع… هذه دعوة للارتقاء بالمجتمع تنبع من قوّة دفينة كامنة في الذّات: إنّها العراقة ( عراقة الشعب المغربي) و أنفة الطّبيعة الصّارخة.. فكلّ شبر من المغرب عظيم شامخ: ” و في أفقنا يسهر القمر”.

خامسًا – الاسناد الرقمي:

لقد أصبح الأمر ظروريّا و نحن نطبّق النّظريّة الذّرائعيّة في دراستنا هذه. أن نلج المدخل الرّقمي بما هو تحليل رقمي يؤكّد مدى رصانة النّص، و من خلاله نلج حقولا دلاليّة استعملها الشّاعر مرتّبة، مصفّفة بشكل غاية في الرّوعة:

-الحقل الدّال على الطّبيعة: الجبال2-الدّجى- رقراق2- شاطئيه- موجه- السّفح2- الغصون- الرّبوات- أنجم- مرجكم- قمر2- موجاته- الأنهر- ضباب- صخرها- عرصات- المراعي- أرضكم.

-الحقل الدّال على الجمال: المزهر- طيف- العبير- الجمال- حلوة2- الشّذى- البسمات- سحره- الخصاب- عبير- رونق- شقراء- الأحور.

-الحقل الدّال على الموسيقى: اللّحن- أغنية- الوتر- أغنيات- شدا.

-الحقل الدّال على الضّياء: أفقنا- الضياء- الضّباب.

-الحقل الدّال على اللّون: أحمر2- الأسمر- أخضر- شقراء- الضّياء.

-الحقل الدّال على التّديّن: معبد- خشوعا- يصلّي- تسكر.

-الحقل الدّال على الظّلمة( العتمة): غوره- ليال3- ضباب2

-الحقل الدّال على الزّمن: الخلود- الأعصر- ليلنا- ليالي- ليلكم- الأماسي- الدّجى.

-اعتماد تشبيهين (2) نضيف الاستعارات( 20)

هكذا يكون المجموع 90 يقسم على 10 معدّل 9/10 فالنّصّ غاية في الرّصانة صاحبه مبدع محبّا لوطنه عاشقا للحياة و الجمال.

سادسًا- الخاتمة:

إبحار شيّق في قصيد رصين مكنوز عشقا لا متناهي للوطن و الحياة.. نقش بديع لرسم مميّز خاطه لنا عبد الرّفيع الجواهري كرّس فيه أسلوبه السّهل الممتنع فكان إضافة راقية تخدم المشهد الشّعريّ العربي.. يفتخر بها كلّ مغربي لا بل كلّ عربي لأنّه يجد في طيّاتها دعوة للحياة و حبّ الوطن و الذّود عنه… حنين و شوق عظيم لعلوّ شأن المغرب الجميل. هنيئا لنا جميعا بهذا المبدع الفذّ و هذا النّصّ الخالد.

قصيد “القمر الأحمر” للشّاعر المغربي عبد الرّفيع الجواهري

خجولا أطلّ وراء الجبال

و جفنُ الدّجى حوله يسهرُ

و رقراق ذاك العظيم على

شاطئيه ارتمى اللّحنُ و المزهرُ

و في موجه يستحمّ الخلودُ

و في غوره ترسبُ الأعصرُ

0 0 0

خشوعا أطلّ كطيفِ ندٍ

و في السّفح أغنية تزهرُ

توقّعها رعشات الغصون

يصلّي لها ليلنا الأسمرُ

على الرّبوات استهام العبيرُ

تعرّى الجمال شدا الوترُ

0 0 0

و شقراء من عرصات الضّباب

يعبُّ السّنا طرفها الأحورُ

لقد ظمئت روحها للضّياءِ

و في بلدتي أكوسٌ تُسكرُ

و قلبها ملّ ليالي الضّباب

و في ليلنا أنجم تمطرُ

تُسائلني حلوة اللّفتاتِ

و من شفتيْها الشّذى يقطرُ

0 0 0

أ في مرجكم تولد البسماتُ؟

أ في ليلكم قمرٌ أحمرُ؟

و رقراق موجاته أغنياتٌ

أ من سحره تنبع الأنهرُ؟

و عزّة هامات هذي الجبال

أ في صخرها يرقد القدرُ؟

و هذي المراعي الخصاب اللّوحي

في أرضكم معبد أخضرُ؟

0 0 0

تُسائلني حلوة الوجنتين

يُسائلني طرفها الأحورُ

و في السّفح تاه عبير الأماسي

و في أفقنا يسهرُ القمرُ.