23 ديسمبر، 2024 4:38 ص

دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج4

دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج4

القومية الفارسية من دارا الأخميني الى الشاه رضا بهلوي
إن التاريخ المسّجل للقومية الإيرانية، وبالاحرى الفارسية، يعود الى حكم الملك الأخميني – الهخامنشي: داريوس الكبير(حكم من 29 سبتمبر 522 إلى أكتوبر 486 ق.م)، حيث ذكر في النقش المنسوب إليه (نقش رستم)، شدد درايوس على العصبية الفارسية وأعلن أن الخط الآري للإيرانيين مرتبط بالعالم القديم. جاء في النقوش: “أنا درايوس، الملك العظيم، ملك الملوك، ملك البلدان التي تتضمن كل أنواع البشر، ملك هذه الأرض الكبيرة والواسعة، إبن هيستاسبيس، الفارسي، إبن الفارسي، الآري، الذي يتحدر من جذور آرية”.
التاريخ المسّجل الثاني، هو لأعظم شاعر ملحمي إيراني الفردوسي، الذي كرَس حياته للحفاظ على الهوية القومية الإيرانية، عبر كتابة (شاهنامه)، الذي الفه عام 1010م في (60) الف بيت، وهي ملحمة فنية رائعة، وقد ورد في شاهنامة العديد من الأبطال القوميين الفرس، الذين قاتلوا لإبقاء بلادهم منتصبة على قدميها.
ويرجح البروفيسور تشارلزميلفيل (= استاذ التاريخ الفارسي في جامعة كمبريدج) العثور على الجزء الأكبر من الكتاب في الهند في القرن التاسع عشر ونقله لإيران. ويضيف قائلا إن قارئ الكتاب يشعر وكأن الفردوسي كان يرثي الإمبراطورية الفارسية الساسانية، ومضى يقول:” لم يكن الفردوسي من شعراء البلاط، ومن المحتمل أنه كان متعاطفا مع الزرادشتيين، أتباع الدين الذي سبق الإسلام في فارس(= إيران)، لذلك لم يكن مقبولا من السلطات الدينية أيضا.” ومن جانب آخريعتبر الكثيرون أن مكانة الفردوسي في الثقافة الإيرانية تماثل مكانة شكسبير في الأدب الإنجليزي، وهوميروس في الأدب الإغريقي القديم.
والفردوسي هو أول من شتم العرب بشرب بول البعير في كتابه (شاهنامه)، وهو من أعظم كتب الفرس ويعتبر قرآن القومية الفارسية. والشاهنامة تعني لغوياً (كتاب الملوك)، أو (كتاب التيجان).
والحكيم أبو القاسم الفردوسي، اكبر شاعر ملحمي فارسي، وأحد المع وجوه الادب في العالم. ولد بطوس الايرانية في أسرة اقطاعية ذات املاك و ضياع، اسمه المنصور بن الحسن، اختلف المؤرخون في عام ولادته ووفاته ايضاً، ويستشف من القرائن التي وردت في شعره انه ولد بين 324 ـ 329هـ ، و توفي في 411 و 416ه،. ومن تلك الشواهد نجد ان كتاب (الشاهنامة) الذي هو احد أهم أدبيات ايران كيف يمتدح فيه الفردوسي قتل الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي سفير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خسرو أبرويز(= كسرى الثاني) ملك الدولة الساسانية، حيث يقول :كه آمد فرستاده يي پیرو سست، نه اسب و سليح ونه چشمي درست، يكي تيغ باريك برگردنش، پديد آمده چاك پیراهنش.
وترجمتها بما معناه: لما جاء ذلك المرسال(= رسول) الخوار الذي كان أعور العين ولم يكن يمتلك فرسا أصيلة، بانت شفرة السيف الحادة بين رقبته وقميصه.
وهذين البيتين هما من ضمن قصيدة طويلة تضمنها ديوان الفردوسي في سب العرب المسلمين، هذا الديوان الذي قدمه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي هدية إلى البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الفاتيكان في مايو/ أيارعام 1999م، وذلك تعبيراً عن حسن نواياه و ترويجا ً لمشروعه حوار الحضارات!.
وهناك نماذج أخرى من الانتقاص والتحقير للعرب المسلمين الذي كتبها الفردوسي في الشاهنامة، ومنها تلك الأبيات التي يقول: زشير شتر خور دن وسو سمار، عرب را بجايي ر سيد أست كار، كه تاج كيانرا كند آرزو، تفو باد برچرخ كردون تفو.
وقد ترجمها الدكتور)محمد علي آذرشب( الملحق الثقافي الإيراني السابق في دمشق، وأستاذ الأدب العربي بجامعة طهران هكذا:
من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغاً
أن يطمحوا في تاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقاً
وهناك أبيات أخرى مماثلة للفردوسي في الشاهنامة ومنها قوله:
سك در أصفهان آب يخ مي خورد عرب در بيابان ملخ مي خورد
وترجمتها: الكلب في أصفهان يشرب ماء الثلج، والعربي يأكل الجراد في الصحراء.
وفي السياق نفسه ذكرت وكالة مهر الايرانية للأنباء في ابريل عام 2005م أن وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي (محمد حسين صفارهرندي) قال في احتفال أقيم لدراسة أعمال الفردوسي: إن الإساءة للفردوسي هي مقدمة للإساءة والعدوان على إيران، وقال الوزير: إن على الشعب الإيراني التزود بحماسة الفردوسي لمواجهة الأعداء.
دراسة المستشرقين والباحثين الأوربيين للعقائد الزرادشتية وإحيائها من جديد
لعبت البحوث الاوربية حول العقائد الزرادشتية دوراً خارجياً في تعميق الخلافات البارسية. فقد أثارت معلومات الرحالة حفيظة العلماء في أوروبا ودفعتهم نحو دراسة الديانة الزرادشتية، فظهر أول بحث في سنة1700م باللغة اللاتينية (تأريخ أديان الفرس والبارثيين والميديين القدماء) للمستشرق ( توماس هايد) من جامعة أكسفورد الذي لم يدرس فقط كتابات الاغريق في بحثه عن شواهد الديانة الإيرانية، بل استخدم المؤلفات العربية وتلك النصوص الفارسية الزرادشتية المتوفرة لديه في تلك الفترة.
ومن جانب آخر فقد بدأ المستشرقون في دراسة اللغة البهلوية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي وكانت أول محاولة ، بل وأساس تلك الدراسات هي ما بدأها المستشرق الفرنسي “أنكيتا دي بيرون ” Anquuetil Du Perron ( (1731 – 1805 خلال إقامته في الهند فيما بين السنوات 1755- 1726م. وقد ذكر ملخصاً لرحلته وما صاحبها من مصاعب جمة ملخصها أنه استقل المركب في 7 فبراير 1755م، ووصل ميناء بوندشيرى بالهند في 10أغسطس من نفس العام، وانه لاقى مصاعب أثناء إقامته إلى أن وصل إلى مدينة سورات في سنة 1758م، وأقام فيها حتى سنة 1761م. حيث قام بمصاحبة عالم الدين الزرادشتي الهندي (الدَستورالزردشتي داراب) الذي درس على يديه اللغة الأفستائية والكتاب المقدس الزردشتي واللغة البهلوية. ووفّق دي بيرون في النهاية إلى ترجمة الأفستا إلى اللغة الفرنسية سنة1771م، ولكن هذه النسخة الفريدة كانت محل انتقاد وشكوك لدى العلماء الإنكليز وخاصةً من ناحية العمر الاصلي للمخطوطة وصحتها، ينظر: محمد محمد، نظرة عامة على مخطوطة أفستا: Avesta/1، الحوار المتمدن، 5/9/2013م.
كما ترجم كتباً أخرى نذكر منها ( بَندَهًشن – وهي مجمل تعليقات وشروح وتاريخ لتطور الزرادشتية كتب في القرن التاسع الميلادي كجزء مكمل للآفستا)، وعندما عاد دي بيرون إلى باريس اصطحب معه مجموعة من النسخ المخطوطة مدوّنة بمختلف اللغات الشرقية، ومنها الآفستا باللغة البهلوية، وكان من بينها أيضاً: كتاب ( فرهنكَ أو بيم ) وأخرى (فرهنَك بهلويك – معجم البهلوية) مكّنتاه من دراسة النصوص البهلوية، بل ودراستها بطريقة سليمة. غير أن العالم اللغوي الدانمركي راسموس كريستيان راسك Rasmus Christian Rask ( (1787- 1832م ، أكد عمر وأصالة مخطوطة دي بيرون الفرنسي عام 1826م، وتمت إزالة هذه الشكوك التي انتابت بعض العلماء، وذلك عن طريق الفحص الدقيق للغة النسخة الأصلية نفسها.
كان (راسموس راسك) باحثًا دنماركيًا، بعد أن كرس الجزء الأول من حياته المهنية للأدب واللغات الإسكندنافية والأنجلو ساكسونية القديمة، وفي عام 1818م شرع في رحلته العظيمة الى الهند بحثًا عن مهد الهند – اللغات الأوروبية، حيث زار في طريقه روسيا ( سانت بطرسبرغ وموسكو وأستراخان وتبليسي)، كما زار إيران ( تبريز )، والهند وسريلانكا عام1821م، وفي عام 1823م أحضر مجموعة من مخطوطات البارسيين الزرادشت من مدينة بومباي ومن سريلانكا، كان سعيدًا بإعادة اكتشاف نصوص Avesta الزرادشتية المحفوظة من قبل البارسيينParsis والتي أبلغ عنها المستشرق الفرنسي أنكيتل دي ديبرون Anquetil du Perron لأول مرة قبل ستين عامًا تقريباً( = عام1771م)، ومواد أخرى من Avesta، بالإضافة إلى مجتمع الزرادشتية النابض بالحياة في مدينة بومباي. عند عودته نشر، أولاً باللغة الدنماركية كتاب: لغة أڤستا، “عصر ومصداقية لغة “زند” و”زند – أڤستا”، وصناعة أبجدية الزند: بالاضافة إلى استعراض للعائلة اللغوية عام1821م، ثم تمت ترجمتها الى الالمانيةعام 1826م، وفيه أظهر تحليلًا صوتيًا وصرفياً شاملاً، أظهر أنه على عكس رأي معارضي العالم الفرنسي أنكيتيل ديبرون، لم تكن لغة أفستا ونصوصها الدينية لغةً قاتمةً. ذكرى أو عملة متعمدة تستند إلى اللغة السنسكريتية؛ لكنها لغة قديمة جدًا، نشأت في بلاد فارس، وعضو مهم في عائلة اللغات الهندية الأوروبية. وقبل وفاته بفترة وجيزة في عام 1831م تم منحه كرسي اللغات الشرقية في جامعة كوبنهاكن.
ومنذ ذلك الحين، تقدمت دراسات وبحوث الأفستا بخصوص اللغة والمضمون سريعا، وقام العديد من العلماء المختصين الأوروبيين بنشر نصوص وأبحاث مهمة حول زراداشت والزرادشتية، مثل: هكذا تكلم زرادشت للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه(1844- 1900م) في الربع الأخير من القرن التاسع عشر; بل ونتيجة تلك الأبحاث ودراسات الآفستا، قد إستفاد العديد من الباحثين الأوروبيين من بعض الأفكار المادية والمثالية الإجتماعية، الدياليكتيك وبعض أمور حركة الكون الواردة عبر نصوص هذه المخطوطة المهمة أيضا.