وفي السياق نفسه فقد تم في العاشر من سبتمبر/ ايلول عام2016م عرض فلم “زرادشت: النجمة الصفراء” للمخرج الكردي العراقي مازن شيرابياني في مهرجان بورتبيللو السينمائي الذي يخصص ثلاثة أيام للاحتفاء بالأفلام الوثائقية. وتمّ عرض 16 فيلمًا وثائقيًا من بينها “بوذا الغاضب” لستيفان لودفِك، و “أوغادين: عار إثيوبيا المخبأ” لغراهام بيبلز، وقد فاز الفلم الكردي بجائزة الـ Golden Trellick.
لابد من الإشارة أولاً إلى أن فيلم “زرادشت” ينطوي على مغامرة كبيرة تحتاج إلى أدلّة وبراهين لتُثبت صحّة ما تذهب إليه الشخصيات السبع التي حاورها المخرج أو أتاح لها حرية الكلام لتعزيز الثيمة التي يطرحها الفيلم ومفادها “أنّ الزرادشتية هي ديانة كردية، وليست فارسية، وأنها مكتوبة باللهجة الهورامانية الكردية قبل وقت طويل”.
اختار المخرج شيرابياني شخصياته السبع التي تجمع بين الباحث والمؤرخ والمسرحي والناشط في ميدان الزرادشتية. وعلى الرغم من أهمية هذه الشخصيات الثقافية المتنوِّرة إلاّ أنها تمثل طيفًا واحدًا بينما غابت الأطراف الأخرى التي تمثل الجانب الفارسي أو الأذربيجاني، خصوصًا وأنّ زرادشت قد عاش في أذربيجان وإيران وأفغانستان بالمفهوم المعاصر، لكن موطنه الأصلي باتفاق المؤرخين والمستشرقين والباحثين هو إيران وأن المدينة التي ولد فيها هي “بلخ” Balkh الأفغانية (= مزار شريف حالياً) المحاذية للحدود الأوزبكستانية وليست قرية “به لخه” الواقعة في منطقة هاورامان في كردستان العراق. كما يصرح بذلك الشاعر جليل عبّاسي، بالقول:” وعندما يتوجه المرء في هاورامان من قرية كامين Kamen باتجاه طويلة Tawela يرى تلك القرية ويمكنه أن يشاهد بقايا معابد على الجبل تحمل اسمه، والأغرب من ذلك أنه لا يثق بآراء مستشرقين روس كبار من طراز فلاديمير مينورسكي، وإيغور دياكانوف، والمؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوس، وقال بأن آراءهم خاطئة في هذا الصدد، وأن زرادشت من قرية “به لخه” في هاورامان وليس من مدينة بلخ الواقعة الآن في أفغانستان”.
يستهل المخرج فيلمه بلقطة لشخصين يثبتان لوحة تحمل اسم “منظمة ياسنا لتطويرالفلسفة الزرادشتية” وتعني كلمة Yasna باللغة الأفستية اسم الفعل الرئيس للعبادة في الديانة الزرادشتية وهي إشارة مُوحية إلى أن هذه الديانة القديمة جدًا ما تزال باقية حتى الآن ولديها أتباع يمارسون طقوسها وشعائرها الدينية.
يطرح الممثل المسرحي ومعلّم الرقص نياز لطيف فكرته الإشكالية التي سيتمحورعليها الفيلم وتصبح ثيمته الرئيسة بلا منازع. ففي إطلالته الأولى تحديدًا يقول: “الزرادشتية هي ديانة كردية، إنها مكتوبة بالكردية الهاورامانية قبل وقت طويل، ولدينا مصادر قديمة متعددة تُؤكد أن أصل “الزرادشتية” واللغة التي كُتبت بها في هاورامان -كردستان”، لكنه، في الحقيقة لم يُقدِّم أي دليل قاطع في إطلالاته الثلاث المتباعدة يُثبت فيها بأن أصل الزرادشتية يعود إلى هاورامان أو أنّ كتابها المقدّس قد دُوِّن بالهاورامانية.
يرسّخ هذا الادعاء المؤرخ والشاعر جليل عبّاسي)= أحد مترجمي الآفستا الى اللغة الكردية) حينما يقول: “انبثقت الزرادشتية في هاورامان، قلب كردستان، وقدّمت للإنسانية طريقة حياة وتفكير جديدتين”. ثم يمضي عبّاسي في إصراره واشتراطاته الحادّة إلى القول: “بأن الإنسان الذي لا يستطيع أن يتحدث بالهاورامية، أو لا يمتلك معرفة جيدة بإقليم هاورامان فإنه لن يستطيع أن يفهم الأفيستا Avesta “كتاب النبي زرادشت”، ويمضي أبعد من ذلك حينما “يتحدى المؤرخين والمستشرقين الأجانب الذين لا يتوفرون على معرفة كافية بهاورامان أن يفهموا الأفيستا بشكل كامل”. وعلى الرغم من أن المؤرخ عبّاسي قد حظي بخمس عشرة إطلالة على مدار الفيلم الذي بلغت مدته 30 دقيقة فيما ظهر الممثل المسرحي نياز لطيف ثلاث مرات لا غير، إلاّ أنه لم يقدم لنا أدلّة دامغة تُثبت صحة ما يذهب إليه.
ومن أبرز الآراء التي طرحها أن زرادشت كان يفكر بطريقة إيجابية مختلفة عن عامة الناس. وأن اسمه مركّب من مقطعَين Zara الذي يعني “أصفر” و Astra التي تعني “نجمة” ليكون المعنى “النجمة الصفراء” أو “النجمة المُشعّة”. أما رَبّهُ فهو Ahura Mazda ويمثل الخير عند الزرادشتيين، ومن خلال الدراسة والصلاة والبحث والمتواصل تبيّن لنا أنه عرفَ الله كما جاء في التراتيل، ولعل فكرة زرادشت الأكثر إشراقًا في هذا الصدد تتمثل في قوله: “حاولتُ معرفتكَ وليس عبادتك”. يصرّ عبّاسي على أن زرادشت قد انحدر من قرية كردية اسمها “به لخه” وعندما يتوجه المرء في هاورامان من قرية كامين Kamen باتجاه طويلة Tawela يرى تلك القرية ويمكنه أن يشاهد بقايا معابد على الجبل تحمل اسمه. والأغرب من ذلك فإن المؤرخ عبّاسي يقول بأن هناك أدلة حقيقية تُثبت انحداره من هذا المكان، ولكننا لم نرَ أي دليل ملموس طوال حديثه. والأغرب من ذلك أنه لا يثق بآراء مستشرقين روس كبار من طراز فلاديمير مينورسكي(1877-1966م)، وإيغور دياكونوف(1915-1999م)، والمؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت، وقال بأن آراءهم خاطئة في هذا الصدد، وأن زرادشت من قرية “به لخه” في هاورامان وليس من مدينة “بلخ”، الواقعة الآن في أفغانستان. ينظر: عدنان حسين أحمد، زرادشت.. النجمة الصفراء، نقد سينمائي، موقع الجزيرة الوثائقية، في 21/9/2016م.
ينوّه عباسي إلى أن بير شاليار كان الذراع اليمنى لزرادشت وكان مسؤولاً عن الإقليم حينما غادر زرادشت من به لخه إلى بلخ. وأن هناك شخصًا واحدًا فقط تحوّل بشكل تطوعي من الزرادشتية إلى الإسلام وهو (غوشاويش الأعمى) أما بقية الناس فقد تحولوا إلى الإسلام بالقوة واستغرق هذا التحوّل وقتًا طويلاً جدا. يعتقد عباسي بأن الناس الذين وفدوا إلى الإقليم وكتبوا تاريخهم يخضعون لسببين لا ثالث لهما: فإما أنهم يمثلون الحكومات التي أرسلتهم لتنفيذ هذا الهدف، أو أنهم يحاولون تشويه التاريخ الكردي بغية تحقيق أهدافهم ومصالحهم السياسية. يختم عبّاسي حديثه بالقول بأن الكرد يجب أن يخططوا سوية وأن يقرروا مصيرهم على وفق مبادئهم. ثمة آراء متفرقة بثها عباسي هنا وهناك تحتاج إلى نوع من التدقيق والمراجعة من بينها إن كان الملك جمشيد كرديًا أم أنه شخصية أسطورية في ثقافة وتقاليد إيران الكبرى؟. عدنان حسين أحمد، زرادشت. النجمة الصفراء، المرجع السايق.
فمن المعروف أن بيرشاليار هو شخصية صوفية ظهر في منطقة هاورامان في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، والفرق الزمني بينه وبين زرادشت يقادر بأكثر من ألفي عام، وان كان البعض يعدونه رجل دين زرادشتي؟.
أما بالنسبة لجمشيد الملك الاسطوري الايراني، فهو شخصية أسطورية في ثقافة وتقاليد إيران الكبرى؟ فهو ابن طهمورث بن سيامك بن كيومرث من أهمّ شخصيات الشاهنامة(= رائعة الفرس الكبرى) إحدى أهم الروايات الفارسية الفانتازية، وقد ذكر اسمه في الأساطيرالآرية الدينية والتاريخية. ويقال إن جمشيد أتم بناء المدائن وسماها طيسفون، وبنى أصبهان ونميسوز في العراق العجمى وشيد قصره بها، واتخذ من باكترا (بلخ ) عاصمة لامبراطوريته. ويقول البلداني القزوينى(ت862هـ) في كتاب “آثار البلاد وأخبار العباد” أو “عجائب البلدان”، أن أطلاله بقيت إلى زمانه.