وبإضفاء الطابع الرومانسي على الحياة الريفية في كردستان، ادعت (آوات حسام الدين) أن الرجال والنساء متساوون نسبيًا في القرى، وأن هذا دليل على الآثار الثقافية الزرادشتية. كما يعكس حنينها الرومانسي، صدى كلمات السيد عبد الله أوجلان الذي يذكر أن المرأة الكردية حافظت على درجة من الاستقلالية من خلال الزراعة. غير أن هذا الكلام لا يعجب الاكاديمية والباحثة الامريكية، فتعلق بقولها:” فإن هذه النظرة المثالية للمزارعين ليست صحيحة، حيث لا تتحكم نساء المزارع في ثمار عملهن ونادراً ما يملكن المزارع التي يعملن فيها.
أما بخصوص هجمات تنظيم داعش وما أثارته من صدمة لا تزال حية في أذهان الناس. ومنذ ذلك الحين، تلاشت الحماسة. تم إغلاق المراكز(= الزرادشتية) في كثير من الأحيان؛ بسبب حدوث فضائح مالية في منظمة بير (لقمان حاجي كريم) في السليمانية، حسب ما ذكرته الاكاديمية الامريكية (إديث سزانتو)في بحثها: كان زرادشت كرديًا! موجة الزرادشتية الجديدة بين الكورد في العراق، المرجع السابق.
بشكل عام، بدا أن سكان السليمانية يعانون من إجهاد التعاطف مع اللاجئين والنازحين داخليًا. اعتبارًا من عام 2017م، لم تعد المطاعم تغلق أبوابها خلال شهر رمضان، على الرغم من أن الملاءات البيضاء ذات الثقوب الكبيرة لا تزال تغطي أبواب المطعم بشكل رمزي أثناء شروق الشمس. ومن الجدير بالذكر أن حتى الكرد العائدين من أوروبا عادوا مرة أخرى إلى مغادرة العراق لأسباب اقتصادية بعد الأزمة التي أعقبت عام 2014م، ولأن حلم الاستقلال الكردي تلقى ضربة كبيرة بعد أن رفضت بغداد الاعتراف بالاستفتاء الكردي على الاستقلال الذي عقد في 25 سبتمبر/ايلول 2017م.
وفي سعيهما للحصول على اعتراف الحكومة وتوسيع دائرة نفوذها، تضيف الباحثة الامريكية (إديث سزانتو) بالقول:” لقيت كل من آوات حسام الدين وبير لقمان معارضة، هذا أمر متوقع بالنظر إلى موقفهم العدائي إلى حد ما تجاه الإسلام (= الدين الرسمي في العراق وفي الاقليم معاً). بينما يقدمون الزرادشتية كمنارة للضوء في وجه الاسلام المظلم في الشرق الأوسط على حد وصفهم؟.
في عام 2016م تمكن كل من آوات حسام الدين وبير لقمان من حشد طاقاتهم وإنتاج وإطلاق نسختين لفيلم وثائقي بعنوان “بعد 1437 سنة” [= أي من زوال الدولة الفارسية الساسانية بمقتل ملكها يزدجرد الثالث حسب تقويمهم، بينما زالت الدولة الفارسية الساسانية عام651م من عالم الوجود، أي أن التوقيت مخالف لما هو معروف]. يركز الفيلم على الأخلاق الجنسية، ومن بين موضوعات أخرى. في مقتطف من كتاب “بعد 1437 سنة” عن “أخلاق الزرادشتيين”، ولذا إتهم الدكتورعبد اللطيف أحمد، الداعية السلفي الشهير في السليمانية، الزرادشتيين بالردة والفجور، الردة لأنهم خرجوا من الاسلام، والفجورلأن الفلم المار الذكر احتوى على مقاطع جنسية لا تتناسب مع قيم الاسلام والمجتمع الكردي، فضلاً عن ذلك فإن بعض ملوك الفرس الزرادشتيون تزوجوا من أخواتهم، ويوضح المرشد الزرادشتي السويدي (بير أنداز حويزي)، أن الزواج بالمحارم حدث في بعض الأحيان بين النخب، على غرار ما كان الفراعنة المصريون يفعلونه، والذين كانوا يرغبون في الحفاظ على نقاوة دم الأسرة. أما بير لقمان فقد بدأ على الفوربالهجوم نافياً ذلك، مدعيًا أن الشعب الكردي لم يفعل ذلك أبدًا لأنهم، مثل الزرادشتيين، كانوا يعرفون بالفعل في ذلك الوقت أنه سيؤدي إلى أطفال مشوهين. ولو كان مطلعاً على تاريخ إيران القديم لكان جوابه مثل جواب سلفه القابع في السويد ( بيرأنداز حويزي). ينظر: إديث سزانتو، كان زرادشت كرديًا! موجة الزرادشتية الجديدة بين الكورد في العراق، المرجع السابق.
وهذا دليل ساطع سطوع الشمس على أن الكرد لم يعتنقوا الزرادشتية، لانهم لم يمارسوا هذا السلوك (الزواج بالمحارم)، بعكس الطبقات العليا في المجتمع الفارسي؛ لأن الزرادشتية كانت طاغية في مجتمعهم، ولأنها كانت الديانة السائدة في الدولتين الفارسيتين: الاخمينية والبارثية، والرسمية في الدولة الساسانية الفارسية.
ومن جانب آخر يقول عضو المجلس الأعلى للزرادشتية في إقليم كردستان العراق، إبراهيم زراري، لـموقع “العالم الجديد”، إن: “من غير الممكن تخمين اي تاريخ زمني او حقبة زمنية بخصوص ولادة زرادشت لكنه مضطر الى ذكر بعض الآراء استنادا الى مصادر متفرقة ومنها نصوص (ياشت) الذي هو جزء من الافستا ونصوص (كاثا) الكتاب الذي كتبه النبي زرادشت بنفسه وارثه الديني، تُبين إن ولادة وظهور النبي زرادشت وبموجب التقويم الزرادشتي الميدي كانَ حوالي سنة 1753 قبل ميلاد السيد المسيح في سهل ورمي، وسميت سابقاً بــ (نهر جي جيست في مدينة شيز التي تقع بين مدينتي مهاباد (ورمي) غرب ايران الحالية والتي هي شرق كردستان القديمة من الموغ – الماكوس) والتي اصبحت المجوس في اللغة العربية، وهم نخبة المجتمع الذين يدرسون الناس علومهم وينتمون للقبائل الميدية الرئيسية في بلاد كردستان انذاك”.
وهذا التاريخ يتعارض كلياً مع ما تم الاتفاق عليه بين المستشرقين والباحثين الايرانيين والبارسيين الهنود، على أن زرادشت عاش في الحقبة ما بين 660 الى 583ق.م، أو قريباً من هذا التاريخ الذي يطابق ظهور الدولة الاخمينية (= الهخامنشية) بقيادة كورش.
ويتابع زراري أن “الزرادشتية اول ديانة توحيدية تعبد الرب الواحد الاحد خالق الارض والسماوات ومسير النجوم ويطلق اسم (اهورا مزدا) على اسم الله باللغة الافيستائية القديمة، القريبة من اللغة الهورامية الكردية الذين يسكنون بيارة وتويله في اقليم كردستان العراق.
ويشير الى ان “الاله (اهورا مزدا) له ثلاث صفات ذكورية وثلاث صفات انثوية كما ورد في الست اميشاسبانتا (الارواح الخالدة)، وهذا عكس من نجده في الديانات الاخرى التي يكون فيها الاله مذكر، وهذا الاختلاف لا يؤثر بشيء ولو اطلعنا على التاريخ القديم لبلاد آريان لوجدنا ان هناك الألهات انثوية على سبيل المثال اناهيتا وإله الجمال فينوس وغيرها”.
الاله الواحد الاحد ليس له صفات ذكورية ولا انثوية، لأنه حسب اعتقاد الاسلام هو الخالق، الحي، القيوم، مالك الملك، أما بشأن أناهيتا فهي إلهة الخصب عند الايرانيين، وتقابلها الالهة عشتار في العراق القديم، وأفروديت عند اليونانيين القدماء، وفينوس عند الرومان. الالهة (أناهيتا ومهرا – ميترا) كانت تعبد في شرق إيران في مقاطعة باكتريا – خوارزم – أفغانستان الحالية، قبل مجىء زرادشت، وفق ما ذكره المستشرق الدانمركي ( آرثر كريستنسن)، وبعدها تم إضافتها الى البانثيون (= مجمع الاديان) الزرادشتي بوظائف جديدة.
ويضيف زراري أن “الكتاب المقدس للزرادشتية هو كتاب (افيستا) الذي يضم العديد من الكتب الاخرى مثل “ياسنا وياشت وافيستا الصغير وفنديداد “، وقد تعرضت هذه الكتب بمرور الوقت الى التحريف، ولهذا لايمكن الاعتماد عليها، لذلك تم اعتماد كتاب (كاثات زرادشت) او ترانيم زرادشت الذي هو عبارة عن ١٧ ترنيمة ومجموع الهاتات فيها ٢٣٨ هات او آية وتعتبر موثوقة اكثر كونها كانت على شكل اناشيد او ترانيم محفوظة بطريقة شفوية والتي لا يمكن تحريفها بسهولة”.