22 نوفمبر، 2024 4:50 م
Search
Close this search box.

دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج25

دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج25

وتنقل الباحثة الامريكية (إديث سزانتو) عن الاكاديمي الاوغندي الهندي المولد ( محمود ممداني) قوله:” بعد 11 سبتمبر انخرط الاعلام الامريكي في “حديث ثقافي” ، مما أدى إلى تسييس الثقافة والتجربة الدينية. على وجه التحديد، صنفت جميع المسلمين الوهابيين المحافظين على أنهم مسلمون سيئون. في حالة الأكراد، أصبحت هذه الحرب بين الأكراد، “المسلمين الطيبين”، وداعش، “المسلمين السيئين”. من خلال إعادة الإعلان عن الإسلام وتبرئة الثقافة الكردية، يسعى الكرد الذين تحولوا إلى الزرادشتية إلى الانحياز إلى الغرب من خلال توضيح أن الزرادشتية والهوية الكردية تتماشى مع القيم الغربية “المستنيرة”، مثل النزعة السلمية والمساواة بين الجنسين والديمقراطية، والعقلانية”. ينظر: المسلم الطيب والمسلم السيئ: أمريكا والحرب الباردة وجذور الإرهاب، نيويورك: بانثيون – راندوم هاوس، 2004م، ص766-775.
ووفقا لدراسة الباحث الامريكي (ماثيو ترافيس باربر) من جامعة شيكاغو والمختص بالاقليات الدينية في العراق: المسيحية، واليزيدية، والزرادشتية، الذي اعلن بأن هناك من يتحول الى العقيدة الزرادشتية، ولكنه لا يكشف عقيدته لعائلته وللمجتمع في محافظة دهوك، ولكن الحال يختلف في السليمانية فهناك مركزان رسميان واصبحا مكان لجمع كل من اعتنق الزرادشتية. تم تاسيس المركزين بشكل رسمي في 2015 في محافظة السليمانية. يقع المركز الزرادشتي الاول بالقرب من المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني والذي تم افتتاحه في 1/8/ 2015 م، بينما الثاني يقع في منطقة سكنية راقية بالقرب من السوق والذي تم افتتاحه بعد المركز الاول ببضعة أشه. وتم افتتاح المركز الثاني بعد الانقسام الذي حصل في صفوف المركز الاول، يقود المركز الاول من قبل (بير شاليار لقمان – فرهاد بهلوان) وهو شاب كردي في منتصف الثلاثينيات وقد عاش في بريطانيا لاكثر من عشرين سنة مضت.
وأضاف بأن هناك حركة ارتداد كبيرة عن الإسلام جارية في الشرق الأوسط، وهي حركة تولد في الوقت نفسه أقلية دينية جديدة. تشهد كردستان إحياءً متزايدًا تدريجيًا للزرادشتية حيث يتزايد عدد الكرد الذين يتحولون إلى التقاليد أو ينتمون إليها على مستويات مختلفة.
يبدو أن الباحثين الغربيين يخرجون عن حيادهم ومنهجيتهم العلمية عندما يتعلق الامر بالاسلام، فغالبية الاستطلاعات الغربية تشير الى أن الاسلام سيكون الدين الاول للبشرية بعد منتصف القرن الجاري، وهذا دليل على حيوية الاسلام وعظمته وجمعه بين الاصالة والمعاصرة، التي تفتقدها بقية أديان المعمورة بين الافراط في جانب والتفريط في جانب آخر، أو الاثنين معاً.
وعلى الرغم من أن بناء الزرادشتية الكردية يركز على استمرارية الطقوس الزرادشتية في الحياة الكردية المؤقتة، ولكن مع ذلك لا يهتم المتحولون الكرد المعاصرون بشكل عام بتعلم النصوص الزرادشتية أو اتباع الطقوس الزرادشتية الموثقة تاريخيًا كما تمارس في إيران والهند اليوم. إنهم يجردون الزرادشتية عمومًا من طقوسها وجوانبها الدينية و القانونية، ويعيدون إخضاعها للواجب الأخلاقي النظري البحت “الأفكار الطيبة ، والكلام الحسن ، والعمل الصالح” البعيد عن الالتزامات والتكاليف المطلوب القيام بها، والتي لا يستسيغها بعض أبناء الجيل الحالي الذين باتوا يتهربون من كل المسؤوليات، كما لاحظ ذلك الاكاديمي الكندي (ريتشارد فولتز) المختص بالدين الزرادشتي، وأضاف قائلاً:” بأن العديد من المدافعين عن (الهوية الزرادشتية) هم في الواقع متشككون(= لا أدريون)، أو حتى يعارضون الدين(= ملحدون)، ويرون أن الأخلاق الزرادشتية المبسطة هي بديل غير ضار”. ينظر: ريتشارد فولتز، الزرادشتيون الكرد – أقلية ناشئة في العراق ما وراء داعش: تاريخ ومستقبل الأقليات في العراق، 2019م.
وعلى أية حال فإن منظمة (يسنا) تدعم على وجه ٍ خاصٍ الفلسفة الزرادشتية وترفض صراحة قوانين النقاء الزرادشتية والطقوس الدينية باعتبارها “خرافات”. أي بعبارة أخرى يرفضون الزرادشتية الارثوذكسية (= الكلاسيكية). أما بالنسبة لمؤسسة منظمة (يسنا) آوات حسام الدين، فأنها تتبنى الزرادشتية الكردية كفكرة فلسفية نظرية بحتة، أما طقوسها وممارساتها القانونية، فهي اختراعات فارسية حسبما تعتقد!، وهي ليست ملزمة لمن يرغب في العودة إلى الزرادشتية الكردية “الأصلية”، أو كما يقول آثراوان قادروك، أعلى شخصية دينية زرادشتية في إقليم كردستان العراق، والذي يردد القول: “إذا وصلت الزرادشتية إلى كل الإنسانية، فزرادشت هو نبي الكرد الذي سرقه الفرس”.
وتسعى كل من: آوات حسام الدين، وبير لقمان إلى تأسيس زرادشتية كردية، والتي وفقًا لكل منهما، هي الشكل الأصلي للزرادشتية الفلكية. في حالة آوات، كونها مفهومًا فلسفيًا، فإنها تقدر العلم والحكمة وتعارض الإسلام الذي يوصف بالدين المتخلف وغير المنطقي!. تؤكد آوات على “الركائز الثلاث للزرادشتية”، “الأفكار الطيبة، والكلام الطيب، والعمل الصالح”، والتي تم تعريفها على نطاق واسع وبالتالي فهي لا تسمح فحسب، بل تتطلب القدرة على إصدار أحكام أخلاقية نظرية تعتمد على الذات فقط.
ونظراً لتشبث ( بيرلقمان حاجي كريم) بالزرادشتية الكلاسيكية ذات الطقوس والممارسات القانونية وفق الافستا، وأن الزرادشتية الكردية ليست تقليدًا مبتكرًا، على عكس (آوات حسام الدين طيب) التي تبنت الزرادشتية الفلسفية الخالية من الطقوس والممارسات القانونية (= الزرادشتية الكردية )؛ لذلك دب الخلاف بين أصحاب الاتجاهين، وسرعان ما أسفر هذا الخلاف عن تأسيس منظمة جديدة باسم (يسنا) لتنمية وتطوير الفلسفة الزرادشتية من قبل ( آوات حسام الدين طيب). لكن ما يجمعهما فقط اعتناق الديانة الزردشتية. علما انهما يتعاونا من اجل اصدار قانون لحمايتهم من الاتهامات التي توجه إليهم من المسلمين عامةً وتحديداً السلفيين منهم.
ويظهر أن هذا الخلاف يعيد الى الاذهان الخلاف الذي نشب بين الزرادشتيين البارسيين الهنود في مطلع القرن العشرين، بين الزرادشتيين الارثوذكس(الكلاسيكيين) وبين الزرادشتيين الاصلاحيين الذي انبهروا بالحركة الانجيلية البروتستانتية.
ومن جانب آخر تنقل المحاضرة الامريكية إديث سزانتو، عن (رسم شاد)، وهو كردي مهاجر عائد (= من أوروبا) يبلغ من العمر 60 عامًا تقريبًا وهو جزء من حاشية بير لقمان، مشهد قرية خيالي يحن إلى الماضي، مناشدًا العواطف وعلم الجمال، قدم ثلاثة اختبارات تالية كحالات تكشف فيها ممارسات أجداده عن أصولهم الزرادشتية. الأولى: أن الكرد يستخدمون حامل ثلاثي القوائم معدني لوضع غلاياتهم عند الطهي على نار مفتوحة. ومع ذلك فإن العديد من الشعوب الأخرى، باستثناء الثقافات الزرادشتية، تفعل الشيء نفسه. الثانية: أن جدته لن تتخلص من شعرها بعد أن تقصه، لقد دفنته في الحائط، لقد فسر ذلك على أنه يتماشى مع الاعتقاد الزرادشتي بأن البشرلا ينبغي أن يدفنوا الجثث في الأرض لأنها تلوث الأرض. ومع ذلك ، هناك الكثير من المسلمين والمسيحيين الذين لا يتخلصون من الشعر فحسب، بل يدفنونه خوفًا من استخدامه في السحر الضار لهم، والحقيقة أن عادة تقليم الاظافر وقص الشعر وإخفائها في شقوق الجدران أو بين الصخور والاحجار هي من ممارسات واعتقادات الديانة الميثرائية التي ظهرت قبل الزرادشتية. والثالثة: أن والده الذي أقسم بالنور والنار على الرغم من كونه مسلمًا، وهي عناصر زرادشتية مقدسة.
وعندما تتطرق الباحثة الى المركز الزرادشتي الخاص ب ( بير لقمان)، تقول ما نصه:”يضم مركز بير لقمان غرفة مخصصة للطقوس الزرادشتية. إنه لا يحتوي على شعلة أبدية، ولكنه مجهز ببضع شموع وأيونات ووسائد وأعلام كردية. في هذه الغرفة، يجتمع أتباع بير لقمان من حين لآخر لغناء ترانيم زرادشت، التي ترجمها بير لقمان إلى اللغة الكردية – اللهجة السورانية. تركز منظمة بير لقمان أيضًا على الرموز الزرادشتية بشكل أكبر من “يسنا”. يرتدي جميع أتباعه دبابيس أو قلادات تظهر الفارفاهر Farvahar ، الحاكم المجنح المكون من ثلاث طبقات والذي يمثل الحكمة في شكل كاهن، كما يعرض بير لقمان وأتباعه الفرفاهار في منازلهم وعلى الحائط وعلى المجوهرات والملابس وعلى التماثيل الصغيرة المزخرفة. يتم استيراد معظمها من جمخهورية إيران الإسلامية؟.
وتشير الباحثة في العديد من المواضع الى حزب العمال ودعمه للزرادشتية: من خلال مؤلفات عبدالله أوجلان وتحليلها” بالنسبة لحزب العمال الكردستاني، تعني الزرادشتية الكردية احترام الأرض، والطبيعة، والحيوانات، والمساواة بين الجنسين. هذه الأفكار تم تبنيها من قبل الكرد في السليمانية. على سبيل المثال، تبنت آوات حسام الدين كلبًا يتم تربيته في ساحة منظمتها، من خلال مداعبة الكلب لفترة وجيزة أمام الزوار، لتثبت أنها لا تتبع حظر الاسلام للكلاب، وتؤيد حب زرادشت للكلاب. من جانب أخر تشير الى تقديم كل من آوات وبير لقمان كلامًا قصيرًا عن الحب الكردي الزرادشتي للحيوانات، لكنهم لم يتبنوا أيديولوجية حزب العمال الكردستاني الماركسية. وبدلاً من ذلك، فإنهم يدعمون الديمقراطية وحرية التعبير، وضمنيًا نظام رأس المال، ويزعمون أن الزرادشتية دافعت دائمًا عن هذه الأفكار. بغض النظر عن الصلاحية التاريخية لادعاءاتهم، فإن حجة آوات وبير لقمان تعبر عن الرغبة في إضفاء الطابع المحلي على القيم الأوروبية، ورفع الكرد إلى المسرح العالمي. هذا واضح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بموضوع المرأة. ووفقا لأوات، كانت المرأة الكردية “حرة ” قبل الإسلام. يدعي أتباعها أن النساء الزرادشتية يمكنهن إرضاع أطفالهن أمام رجال غرباء دون الشعور بالخجل. وأوضحت آوات أنه خلال حياة زرادشت، كان يحق للمرأة اختيار زوجها، ويمكنها الشروع في الطلاق. كما سمح زرادشت نفسه لابنته بالعلاقة مع رجل لمدة تصل إلى عامين قبل الزواج منه. من خلال هذا البيان كانت تنوي إثبات أن الزرادشتيين، وبالتالي الكرد، قد مارسوا المساواة بين الجنسين، والتي تخلوا عنها بمجرد دخولهم في الاسلام!.

أحدث المقالات