23 ديسمبر، 2024 6:10 ص

دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج10

دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج10

ويذكر المستشرق الالماني فريدريك كارل أندرياس Friedrich Carl Andreas (1846-1930م): ” أن كلمة ( أوستا ) فارسية ونطقها بالعربية الأفستا، وكلمة (أوبستاك) البهلوية مشتقتان من كلمة (اوبستا ) بمعنى الأساس والمصدر والبنيان المحكم، وأنها وردت في اللغة الأرمنية على شكل (آبستن) بمعنى الاعتماد، أما العالم الهندي الزرادشتي “دالا ” Dhalla فيرى أن أصل كلمة (اوستا ) مشتق من المصدر (ويد ) بمعنى المعرفة .
وتعتبر اللغة الافستائية إحدى اللغتين الباقيتين من اللغات الإيرانية القديمة، ولها خط خاص بها يسمى الخط الأفستائي، يكتب من اليمين إلى اليسار، ومن ناحية قواعد اللغة فإنها تنقسم إلى لهجتين، اللهجة التي كتب بها زرادشت الجاثات، واللهجة الأخرى كتب بها بقية أقسام الأفستا ،ويسمون اللهجة الأولى ” بلهجة الجاثات ” أو اللهجة القديمة، واللهجة الثانية يسمونها “اللهجة الجديدة”، ولم تصل اللغة الأفستائية بشكليها السابق ذكرهما، بل كانت محفوظة في صدور رجال الدين، أو مدونة على الورق والجلد، وأن الذي وصل منهما قليل جداً، حتى لم يبق منها سوى 83.000 كلمة أفستائية خالصة في كتاب الأفستا المشتمل على 345700 كلمة، وقد وصلت إلينا بخطها الأصلي القديم وبنفس الترتيب والتراكيب القديمة في الكتاب الديني الإيراني .
والكاثات – الكاتات من كلام زرادشت نفسه، نظمها في حدود أوائل الألف الأول قبل الميلاد، أما الأقسام الأخرى للأفستا فهي أُلفت من قبل اتباع زرادشت، ألفّت في الفترة مابين القرن السادس قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي ، على غرار ما دون العهد القديم من قبل الأحبار اليهود خلال أكثر من الف عام.
والأفستا الحالية تشكل حوالي ثلث أفستا العصر الساساني، وكما ورد في كتاب ( دين كرد) في الفصلين الثامن والتاسع، كانت آفستا العصر الساساني تحتوي على واحد وعشريين نسكاً، أي جزءاً، وتنقسم إلى الأقسام الثلاثة التالية :
أولاً- كَاسانيك: يعني قسم الكاثات، وهي أغاني دينية منسوبة إلى زرادشت نفسه، تشمل على مدح الإله آهورمزدا ومراتب الأدعية والمناجاة .
ثانياً- هاتك مانسريك: وهذا القسم مزيج من الموضوعات الأخلاقية والقوانين والأحكام الدينية.
ثالثاً- داتيك: وهذا القسم عبارة عن الفقه والأحكام والمعاملات، أما الأفستا الحالية فتنقسم إلى خمسة أقسام على النحو التالي :
يسنا: ومعناه المدح، وهي أدعية وأوراد، ويتكون من اثنين وسبعين ( هائيتي (HAIITI أي فصل، والكاتات جزء منها وتشكل سبعة عشر هائيتي من الاثنين والسبعين هائيتي التي تشكل إليسنا. ويقسم البارسيون، وهم الزرادشتيون المقيمون في الهند: إليسنا إلى جزئين كبيرين، الأول من الرقم الأول حتى الرقم السابع والعشرين، والجزء الثاني يتكوّن من الهائيتين(= الفصلين) الثامن والعشرين حتى الهائيتي(= الفصل) الأخير، أما الفصلان رقماً 28 و 72 منهما فيتعلقان بالكاثات، وهي أقدم جزء في الأفستا .
فيسبرد: لا يعتبرالفيسبرد كتاباً مستقلاً، بل هو من ملحقات إليسنا وتعني (العبادات لكافة المؤمنين)، لاشتماله على مجموعة من الطقوس الدينية، خاصة ما يتعلق منها بالأعياد الدينية الستة القديمة، وكل فصل منه يسمى (كرده)، وتعني هذه الكلمة في اللغة الأفستائية الباب أو الفصل، ويقسّم المستشرق الالماني اشبيجل Spiegel الفيسبرد إلى 27 كرده (= فصل)، أما المستشرق وسترجاد فيقسمه إلى 23 كرده (= فصل)، وإن كان الفيسبرد المطبوع في بومباي قد جاء في 25 كرده (= فصل) .
ونديداد : وهذه الكلمة تعني الأدعية والأوراد ضد الشياطين، وهي كلمة أفستائية مركبة من ثلاث كلمات : (وي) بمعنى ضد، و (دئوه ) بمعنى الشيطان، ووردت في الفارسية الحديثة على شكل (ديو) و (داته) بمعنى ( القانون ضد الشيطان)، والونداديد لا تشتمل على مراسم أو طقوس دينية، بل فصول مختلفة تحتوي على معلومات وموضوعات متعددة غير متشابهة ،كل فصل منها يسمى ( فرجرد- فركَرد)، ومجموع الونديداد اثنان وعشرون فرجردا، يشمل الفرجرد الأول على خلق العالم ،وهو شبيه بسفر التكوين في التوراة، والثاني قصة جم ( جمشيد)، والثالث الأشياء الطيبة والأشياء غير الطيبة في الدنيا، ومن القسم الرابع حتى الحادي والعشرين فتشمل القوانين المذهبية والأحكام الدينية الزردشتية، مثل: القَسَم والعهد والنظافة والاغتسال واجتذاب الزلل والخسّة والتوبة والتفكير وعلم الطب، كما يشمل على شرح واف عن الديك الذي يؤذن كل فجر ليوقظ الناس لعبادة الخالق وتسبيحه، وأيضاً حديث عن خصائص الكلاب ومعزّتها. أما الفركرد الثاني والعشرين فيتعلق بالأشياء السيئة التي جلبها أهريمن ( الشيطان). وعددها 99999 سيئة، والأشياء الطيبة التي أمر بها الخالق وعددها 99999 .
يشتات: جمع يشت، وهي كلمة أفستائية تعني الفدية وشكر الخالق واحترام الملائكة ، أي ( العبادة والتمجيد)، واليشتات الحالية هي كلام موزون وإن لم ترد شعراً، بل وردت بأسلوب شاعري في عبارات رقيقة وخيالات سامية، وتشمل على واحد وعشرين يشتاً (فصلاً )، بعضها قصير لا يتجاوز سطراً واحداً، والآخر طويل يشتمل على عدة صفحات، وذكر أبو ريحان البيروني في كتابه ( الجماهر إلى معرفة الجواهر ) مايلي : ” كان للأكاسرة (= الملوك الساسانيون) سبحة عدد حباتها واحد وعشرين حبة مثبتة في خيط، وطبقاً لما ذكره حمزة الأصفهاني أن الزمزمة على السبحة تسمى ( نسك شمارى) لأنها بعدد نسك كتابهم المعروف باسم ( أبستا ) ويذكر ابراهيم بورداود أن من بين اليشتات أرقام 19.17.14.13.10.8.5. قديمة جداً، وطبقاً لما ورد في كتاب( دينكرد)، كان (هادخت) اسم النسك العشرين من الأفستا في العصر الساساني، وهو غير موجود حالياً، اللهم بضع قطع منه لا تزال باقية يطلق عليها (سروش يشت هادخت). ينظر: تاريخ سني ملوك الارض.
خرده أفستا: وترد في اللغة البهلوية الساسانية ” خرتك أبستاك ” Xurtak Apistak وفي اللغة الفارسية الدرية ( خرده أوستا) ، أي الأفستا الصغيرة أو المختصرة، ودوّن هذا الكتاب الموبدان موبد (آذربد مهر اسبند) في عهد الملك الساساني شابور الثاني (310- 379م)، وموضوعاته تشمل على الصلاة والأدعية والأوقات المباركة في اليوم ،والأيام المباركة في الشهر، والأعياد الدينية السنوية، وأوقات السعادة والكدورة التي تواجه الإنسان في حياته اليومة، مثل لبس الصديري للزرادشتيين وارتداء الزنار للصغار، وطهارة الأطفال ومراسم الزواج والمأتم، وأمثال هذه الموضوعات الاجتماعية التي يتعرض لها الزرادشتي في حياته اليومية العادية .
هذا وموضوعات خرده أفستا وأدعيتها مستخرجة من الأفستا الكبيرة، وإن كان قد تصّرف فيها بإضافته أشياء كبيرة منه بلغة (بازند) أي البهلوية الساسانية ومتعلقة بأزمنة متأخرة، ويطلق على قسم واحد من دعاء وصلوات خرده أفستا اسم ( نيايش) وعددها خمسة :
(1) خورشيد نيايش
(2) مهر نيايش
(3) ماه نيايش
(4) ارد ويسور نيايش
(5) آتشي بهرام نيايش
وبعض هذه الأدعية مندرجة في أقسام خورشيد يشت، ومهر يشت، وماه يشت، وآبان يشت ، وبهرام يشت .ويسمى قسم آخر من هذا الكتاب (سيروزه) وهو قسمان: كبير وصغير، وكل قطعة من السيروزة تخص أحد الملائكة للثلاثين يوماً في الشهر، وتتلى في مناسبة نفس اليوم.
أما بخصوص اللغة الأفستائية فقد دونّت بالخط الأفستائي، أطلق عليها المؤرخ المسعودي (ت346هـ ): “دين دبيره، أي كتابة الدين وكتب في اثني عشر الف جلد ثور بقضبان الذهب حفراً بالفارسية الاولى ولا يعلم أحد اليوم يعرف معنى تلك اللغة، وإنما نقل لهم الى هذه الفارسية شىء من السور فهي في أيديهم يقرءونها في صلواتهم ( كأشتاذ، وجترَشت وبانسيست وهادوخت) وغيرها من السور. في جترشت الخير عن مبدأ العالم ومنتهاه، وفي هادوخت مواعظ. التنبيه والأشراف، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1981م، ص96.
واستطرد المسعودي بالقول أن زرادشت أحدث لهم خطاً آخر (= أبجدية جديدة – حروف الأبجدية الأفستائية)،”كشن دبيره، تفسيره كتابة الكل يكتب به سائر لغات الامم، وصياح البهائم والطير وغير ذلك، عدد حروفه وأصواته مائة وستون، لكل حرف وصوت صورة مفردة. وليس في سائر خطوط الامم أكثر حروفاً من هذين الخطين” . وتجدر الاشارة إليه أن الابجدية الآفستائية تشمل على ستين حرفاً، وأنها أهملت وتركت منذ العصر الساساني عندما دوّن الكتاب المقدس الزردشتي بالخط البهلوي مما أدى إلى تركه الخط واللغة الأفستائية وإهمالها “. ينظر: التنبيه والاشراف، 96 – 97؛ مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت، دارالكتب العلمية، 1406هـ – 1986م، ج1، ص236.
وتوجد في الأبجدية الأفستائية علامة خاصة لكل صوت من أصوات اللغة الأفستائية وتكتب من اليمين إلى اليسار، أما الأبجدية الأفستائية الحالية فهي تشمل على أربعة وأربعين حرفاً، وهي بسيطة وسهلة، ويمكن استيعابها بعد بضع ساعات من دراستها .