23 ديسمبر، 2024 8:22 ص

دراجة رئيس الوزراء

دراجة رئيس الوزراء

وصلتني رسالة عبر بريدي الالكتروني، وعادة ما تصلني عشرات الرسائل من مواقع دعائية او اخبارية او منوعة، وهذا شأن جميع المشتركين على (شبكة ياهو) بوجه خاص. عادة أحذف هذه الرسائل دون قراءتها، الا في بعض الاحيان عندما يثير فضولي عنوان ما، وهذا ما حصل مع رسالة تحدثت عن دراجة رئيس وزراء هولندا. قبل أن أفتح الرسالة أوحى لي العنوان (وحسب طريقة التفكير العراقية) أن دراجة رئيس الوزراء تباع في المزاد ، وقد وصل سعرها الى كذا ألف دولار بعد أن أصبح رئيساً للوزراء، أو أن الخبر يتحدث عن هذا الرجل الذي كان فقيرا يركب دراجة واصبح رئيسا للوزارء يركب (همر)، برغم اني لا اعلم إن كان سياسيو هولندا يمتلكون همرات أم لا . والفكرة الاكثر شرقية (نسبة الى حكامنا الشرقيين او قادة دول العالم الثالث) هي ان رئيس حكومة هولندا قد أقتنى دراجة مقابضها من الذهب، او طعمت سلاسلها بالماس، وربما غلفت اطاراتها بواقي الرصاص كي لا يعمد الارهابيون الى تفخيخها. وحمدت الله ان الرسالة فتحت بسرعة قبل ان يجنح خيالي بعيدا فيُّصور لي دراجة الرئيس وقد ركّبت لها اجنحة مركبة فضائية على طريقة (كريندايزر) في محاولة منه لمنافسة فيليكس على اختراق حاجز الصوت او زيارة الفضاء بلمح البصر.

وفور مشاهدتي الصور، شعرت بالخجل من خيالي الذي ولد وشب وكبر على صورة الحاكم (الشرقي) بكل (فخفخته). لقد أظهرت الصور (مارك روتا) رئيس وزراء هولندا وهو  يركب دراجته ويتجول وحيدا في شوارع هولندا في طريقه لحضور الاجتماع الاسبوعي في بناية مجلس الوزراء. عادت ذاكرتي الى الوراء قليلا، الى العام 2003، عندما توافد رجالات مجلس الحكم وكل من له علاقة بالحكم الى البلد، وزار بعضهم محافظته، حيث حدثني أخي عن فرحته وهو يشاهد الوزير فلان والوزير علان ومن لف لفهم يسيرون في شوارع المحافظة دون حمايات ويشاركون في صلاة الجمعة ويتحدثون الى الناس ويطرقون ابواب الجيران في محلاتهم. وبسذاجة من يحلم بالديمقراطية ولم يشهدها من قبل، تصورنا ان القائد سيتحول من (رمز وضرورة) الى انسان عادي يشاركنا تفاصيل الحياة. لم نكن نعلم ان اسوار المنطقة الخضراء اعلى من سياج الاحلام، وان السنوات ستمضي لتصبح مقابلة مدير مدير مدير مكتب الوزير او ما يدعى بـ(الخط الثالث)، أشبه بأمنية مقابلة نانسي عجرم او هيفا وهبي .

وانا اتطلع الى بدلة (مارك روتا) وربطة عنقه وأناقته التي لم يشوهها ركوبه للدراجة، لم امنع نفسي من مقارنته مع أي من ساستنا برغم علمي ان كروش بعضهم قد تزهق روح أي دراجة. أما اجمل ما في الصور فكانت لحظة دخوله مقر مجلس الوزراء على دراجته، حيث أدى له التحية حارسي البوابة دون ان يتزحزحا عن مكانهما. ذكرني المشهد بما حدث قبل اسبوع معي في الساحة التي تقع امام المسرح الوطني، فقد ابتليت المسكينة بزيارة احد المسؤولين ليحضر نشاط ثقافي في المسرح، فلم يكتفي جهابذة الخطط الامنية بقطع الطريق المؤدي الى كرادة داخل وخارج والسعدون وكل ما أحاط بالمسرح الوطني، بل انهم وفي ابداع مروري وامني نادر قسموا الساحة الى نصفين فمنعوا المرور في نصفها القريب من واجهة المسرح وحولوا القسم الاخر الى طريق مرور ذهاب واياب. ولاول مرة اشاهد في حياتي ساحة بـ(سايدين)، حتى بلغت معاناة المواطنين حد العراك والصراخ والتصادم والغضب والدعوة بكل انواع (الخير) على المسؤول الذي فكر بالمشاركة او تثقيف نفسه، ولسان حالهم يقول (منو داز عليه؟). وليس هذا المشهد فقط، بل ذكرني ايضا بتعليق احدى الصديقات المصريات على الفيس بوك حول اداء الرئيس المصري لصلاة الجمعة برفقة مئة حارس في جامع السيدة زينب والذي يقول (ميروح يصلي في بيتهم أحسن بدل ميحول صلاة الجمعة لساحة حرب !)

ورغم محاولة تأديب خيالي لئلا يجنح، الا انه رسم مشهدا لاحد المسؤولين وهو يدخل المنطقة الخضراء على دراجة هوائية، وبعيدا عن خطر المفخخات والقاعدة وكل من قد يترصد ثرواتنا الوطنية من (المسؤولين)، فإن قيام أي مسؤول بهكذا فعل يستدعي اعلان منع تجول في بغداد ، فلا يسمح بمرور حتى نملة في شوارع بغداد. وكما التقط المصورون صورا سهلة لـ(مارك روتا)، فسيبذل مصورونا جهدا خارقا للوصول الى المسؤول ودراجته التي من المؤكد ستكون محاطة بكل الوان وانواع الشباب بأزيائهم اللماعة والمرقطة والسوداء والخاكية مع ما يتدلى منها من اجهزة واسلحة وسلكيات ولاسلكيات تتسبب في (التشويش) وعطل أي جهاز خلوي على مسافة (100) كم.

ودعوت الله ان لا يفكر احد من المسؤولين بتقليد (مارك روتا)، فقد يصاب بعض الرابضين خلف النوافذ من المواطنين بصدمة فرح، فيشهق استغرابا وفرحا كما حدث في فلم الرسالة –و(بلا تشابيه) كما يقولون- :ماهذا رسول يتجول في الاسواق؟

[email protected]