لم يكن يتوقع يوما بعد ان انهى دراسته في معهد المعلمين ان تأخذه رياح التعيين الى اقاصي الهور وهو الفتى البغدادي الذي لم يغادرها ابدا عاش اجواء المدينة الصاخبة المفعمة بالادب والثقافة والسياسة كان يحلم ان يكون موظفا رفيع المستوى يتمتع بالجاه والثروة.
بدأت الافكار تتزاحم في رأسه كيف سيخوض هذه التجربة في مجتمع غريب في كل شيء الاهوار والاقطاع ومعاناة الفلاحين، تفشي الامراض والعادات والتقاليد.
حبه للمغامرة دفعه ان يخوض التجربة ويتعايش عن كثب مع الطبقة الكادحة حزم امره ولملم ماتبقى لديه وكل مايمت بصلة لحضارة المدينة حمل حقيبته الممتلئة وودع والدته ودموعها المنهمرة خوفا على مصير ولدها ولكن في قلبها امنية عسى ان تكون هذه الوظيفة جسرا للعبور لحال افضل غادر وترك مصيره للقدر.
وصل مركز المدينة وراح يسأل عن مكان عمله لم يجد غير (المشحوف) وسيلة للنقل وسط ضحكات من يشاهدوه وهو يصعد المشحوف استسلم للامر الواقع وهو يتأرجح يمينا وشمالا شق المشحوف طريقه وسط القصب والبردي كم ابهره هذا المنظر الخرافي صادفته زفة عرس على طريقة اهل الهور كم بسطاء هؤلاء الناس قالها في نفسه وراودته افكار شيطانية انا انسان متعلم وممكن ان احصل على الكثير من هذا المكان ذكائي وبساطتهم ممكن ان اخرج بحصيلة جيدة…
وصل (الاستاد) نادى احد الصبية المتجمهرين لاستقبال المعلم الجديد استقبله اهالي القرية يتقدمهم الشيخ.ليلته الاولى كانت صعبة جدا تزاحمت الافكار في رأسه وهو يخطط لتنفيذ مشروعه توجه صباحا الى المدرسة وكم راعه ذلك المنظر مدرسة في الهواء الطلق تلاميذها يجلسون على الارض حفاة عراة راح يشتم ويسب هذا كله بسب الاقطاع والشيوخ.. سمعه احد المارة (استاد على كيفك لحد يسمعك) قالها وهو يلتفت خشية وجود احد اتباع شيخ القرية قرر ان يطلق مشروعه وينفذ مخططه للاستيلاء على عقول الفلاحين راح يحدثهم عن الوعي الاجتماعي والديموقراطية وحرية الرأي والتعبير.
وصل الكلام الى الشيخ الذي لم يرق له ذلك وجه له الدعوة للحضور الى المضيف حيث يجتمع اهل القرية يتسامرون ويناقشون احوالهم ويستمعون الى قصص اغرب من الخيال.ياهلا بالاستاد استقبله الشيخ ورحب به ودعاه الى مائدته التي ضمت مالذ وطاب.انبهر صاحبنا لهذا البذخ واخذ يستمع لقصص اهل الهور (حفيظ) تل وسط الهور بقعة من الجنة يمر به كل ليلية مشحوف من ذهب ويحتوي كنوزا لاحد لها. وذهب المعلم بفكره بعيدا انا رجل متعلم واستطيع ان اقنع اهل القرية ان ينصبوني رئيسا عليهم واتمتع بكل هذه الاموال والكنوز.
(محفوظ من نصبك رئيسا على اهل القرية) بادر المعلم بالسؤال ورد الشيخ (استاد الشيخة ماخذينهه ابا عن جد) واردفه المعلم هذا لايجوز يجب ان يكون هناك مجلس للقرية يعمل على مصلحة الاهالي.
وبفراسة الشيخ عرف مرام صاحبنا… بكيفك استاد تريد تسوي مجلس اختار الي تريده وشكل المجلس.وتم تشكيل المجلس وماهي الا ايام حتى بدأ اعضاء المجلس بالمطالبة بامتيازات كثيرة وعجيبة تناسوا هموم الاهالي ومشاكلهم وراحوا يتسابقون في الحصول على المزيد من الامتيازات.. يجب ان يكون لكل عضو مشحوف من الدرجة الاولى ويا حبذا ان يكون مصفحا وضد الرصاص. الحصول على نسبة من المحاصيل الزراعية حتى بعد خروج العضو من المجلس. اصدار جوازات مرور الى مركز المدينة والدخول (للسينمة) مدى الحياة لاعضاء المجلس وعوائلهم… ضاق صاحبنا ذرعا وقرر ان يأخذ الجمل بما حمل طلب من الشيخ ان تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة لاختيار رئيس للقرية ويجب ان يكون الانتخاب علنيا ومرة اخرى استطاع الشيخ بذكائه ان يلبي طلب المعلم..تجمع اهالي القرية ووقف الشيخ والمعلم لاختيار احدهما رئيسا التفت الشيخ لصاحبنا المعلم (استاد قبل ماننتخب أريد أسال اهل القرية سؤال) يا اهل القرية من منكم يريد ان يكون رئيسا رفع جميع اهالي القرية ايديهم.التفت الشيخ مرة اخرى الى المعلم وتعلو وجهه ابتسامة صفراء(استاد دخيل بختك اذا القرية كلها تريد تصير ريس… جا انا وياك نحكمن)؟!..
[email protected]