أم القرى ، أو بَكَّة بالتعبير القرآني أي مكة المكرمة هي البلد الأمين ، حيث فيها بيت الله الحرام ، هي أقدس بقاع الأرض وأطهرها وأشرفها وأعظمها وأجلِّها قاطبة بنصوص كثيرة للآيات المحكمات القرآنية . مكة المكرمة لأجل حرمتها الفائقة وقداستها البالغة ومكانتها المباركة بالعمق والصميم حرَّم الله عزوجل الصيد فيها ، وهكذا قطع الأشجار ، أو أيَّ إيذاء لأيِّ شيء فيها . حتى لا يجوز حمل السلاح في مناطقها وأرجائها ، هذا ناهيك عن سفك الدم الحرام في أرجاء البيت الحرام ومحيطه ، لا بل إن المقارنة بينهما لا تجوز أصلاً من ناحية ، ثم من ناحية ثانية هي ضلالٌ وزَيْغٌ وصَدٌّ عن سبيل الله والبيت الحرام الذي جعله سبحانه مصدراً ومرجعاً ومناراً ومثابة للمسلمين في الحج اليه والتوجه نحوه في دعواتهم وصلواتهم الواجبة والنافلة منها ، كيف لا والكعبة المشرَّفة هي قبلتهم المباركة المعظمة ، هذا ناهيك من هذيان القول بأفضلية الأولى على الثانية ، فتعالى الله عما يقولون من غلوِّ الأقوال ، وعما يفعلون من غلوِّ الأفعال .
عليه حقاً يندهش المرء ويُحار الى أبعد المديات ، بل الى حد الصدمة المفجعة ما يقرأ وما يسمع من المراجع الشيعة ، ومن رجال مذهبهم وفقهائهم كل ألوان التطرف والمغالات في أهل بيت رسول الله محمد ( ص ) . لهذا ربما يقول قائل أو ربما ليس بعجب ولا مستغرب أن يتسائل ؛ هل ما يقوله هؤلاء هو دين جديد أم ماذا ..؟ لأن الذي هو موجود في كتب المصادر الشيعية ، وما يزعمه مراجعهم وفقهاؤهم لا يتناقض وحسب مع أصول الإسلام والإيمان للإسلام ، بل يتصادم معها ، كل التصادم مباشرة وعلى طول الخط ، منها الزعم الفاسد والإدعاء الباطل إن كربلاء ، هي أفضل وأعلى شأناً ومقاماً ودرجة من الكعبة المشرفة ، حيث بيت الله الحرام الطاهر المطهر المقدس دون غيره على الإطلاق بالتأكيد والتوكيد القرآني مراراً وتكراراً ، وفي العديد من السور القرآنية ، وفي الكثير من الآيات القرآنيات الحكيمات المحكمات الواضحات كأشعة الشمس البازغة في رابعة النهار . إذن ، فما عليه القوم من عقائد وتطرف وغلو لا يُعتبر إلاّ إنحرافاً وزيغاً مباشراً عن هدي الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وما كان عليه الصحابة وآل بيت رسول الله محمد والتابعين وتابعي التابعين الكرام من إيمان وإسلام .
الشيعة وأفضلية كربلاء على الكعبة المشرَّفة !! :
أحد العقائد المنحرفة والضالة للمذهب الشيعي ، هو إن كربلاء أفضلُ وأجلُّ مقاماً وأعظم درجة من الكعبة المشرفة ، ليست الأفضلية وحسب بل إن كربلاء هي الأقدم تاريخياً من الكعبة المشرفة ب[ 240000 ] ألف سنة . في هذا الصدد نسبوا الى أبي جعفر فلفَّقوا زوراً وكذباً أنه قال : [ خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدَّسها وبارك عليها ، فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدَّسة مباركة ولاتزال كذلك ] ! . يُنظر كتاب ( التهذيب ) لمؤلفه أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، ج 6 ، ص 72 . علماً إن أبو جعفر الطوسي هو معروف بشيخ الطائفة لدى الشيعة ، كما إن كتابه المذكور هو أحد المصادر الأربعة المعتمدة للشيعة .
كذلك يفترون على الصادق فوضعوا رواية بإسمه حول أفضلية كربلاء على الكعبة المشرفة . هكذا تَقوَّلوا وألَّفوا أخباراً وآنتحلوا قصصاً وهمية وأكاذيب فاضحة تتصادم مع القرآن الكريم وسنة رسول الله محمد ، ومع إجماع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأمة الإسلامية بشكل عام . بحيث إن زيف الرواية المصطنعة والمضحكة بادية من أولها حتى آخرها ، وما ذلك إلاّ نقضاً القرآن الكريم وطعناُ به ومصادرة وآستهانة بأحكامه وأوامره وتقريراته وفرائضه ، والرواية المفتعلة التي تستهين وتنتقص بالعمق من الكعبة المعظَّمة بيت الله الحرام ، هي كالتالي :
[ مَنْ مثلي وقد بُنيَ بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فجٍّ عميق . فأوحى الله اليها أن كُفِّي وقَرِّي ما فضل ما فُضِّلْتِ به فيما أعطيتُ أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غُرِسَتْ في البحر فحملت من ماء البحر ، ولو لا تربة كربلاء ما فضَّلتك ، ولو لا مَنْ تضُمُّهُ أرض كربلاء ما خلقتُ البيتَ الذي به آفتخرتِ ، فقَرِّي وآستقِرِّي وكوني ذَنَباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلاّ سخْتُ بك وهَويْتُ بك في نار جهنم ] ! . يُنظر كتاب ( وسائل الشيعة ) لمؤلفه محمد بن الحسن بن علي المعروف بالشيخ الحر العاملي ، ج 10 ، ص 403
بالحقيقة يتعجب المرء وينصدم كيف إن أناساً يدَّعون الإسلام فيعتقدون بمثل هذه القصص الخيالية بإمتياز ، ثم المستهينة ، كل الإستهانة بأقدس بقعة في الإسلام ، ومن ثم كيف طاوعت أنفس هؤلاء المدعون الذين لفَّقوا تلكم القصص الوهمية الكاذبة دون خشية ورهبة من الله عزوجل ، ولا حياءٍ ولا خجلٍ من رسوله محمد وآل بيته الطيبين والأمة المسلمة بشكل عام …؟
في الإسلام إن مكة المكرمة ، بخاصة الكعبة المشرفة المعظمة هي أقدس وأشرف وأفضل وأكرم وأجلُّ بقعة ومكان وأرض في الكون كله ، وفي أقدسيتها وأفضليتها أفرد القرآن الكريم وخصص الكثير من الآيات ، بل إن القرآن أفرد سورة كاملة بآسم الحج عنها ، وذلك لِما للكعبة حيث بيت الله الحرام من أفضلية وأقدسية وطهرية .
الكعبة بيت الله الحرام في القرآن الكريم :
1-/ { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً وآتخذوا من مقام إبراهيم مُصلَّى وعهدنا الى إبراهيم وإسماعيل أن طهِّرا بيتيَ للطائفين والعاكفين والرُكَّع السجود } البقرة / 125 . أي إن الكعبة التي هي بيت الله الحرام وحدها دون سواها فجعلها سبحانه المرجع ليثوب اليه الحجاج والزوار من كل حدب وصوب ، والتطهير هو إن الله أمر إبراهيم وإسماعيل أن يُطهِّرا الكعبة من الأوثان والأصنام .
2-/ { ومن حيث خرجت فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام * وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره …} البقرة / 150 . كما هو واضح ، كل الوضوح في هذه الآية الكريمة إنه يجب على المسلمين أن يتوجهوا ، وأن يُوَلُّوا وجوههم نحو المسجد الحرام وحده وحصراً .
3-/ { إن أول بيتٍ وُضِعَ للناس لَلَّذي ببكَّة مباركاً وهدىً للعالمين * فيه آياتٌ بيِّناتٌ مَقامُ إبراهيم * ومن دخله كان آمناً * وللهِ على الناسِ حِجُّ البيتِ منِ آستطاعَ اليه سبيلاً * ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين } آل عمران / 96 – 97 . إذن ، فأول مسجد شُيِّدَ في الأرض لعبادة الله سبحانه ، هو المسجد الحرام الذي في مكة المكرمة .
3-/ { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس … } المائدة / 97 .
4-/ { إن الذين كفروا ويًصُدُّون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكفُ فيه والبادِ * ومن يُرِدْ فيه بإلحادٍ بظلمٍ نذقهُ من عذابٍ أليمٍ * وإذ بوَّأنا لإبراهيم مكان البيتِ أن لا تُشرك بي شيئاً وطهِّر بيتيَ للطائفينَ والقائمين والرُكَّعِ السجود * وأذِّن في الناسِ بالحجِّ يأتوك رجالاً وعلى كلِّ ضامرٍ يأتينَ من كلِّ فَجّ عميقٍ } الحج / 25 – 27 . عليه فما يعتقده ويفعله هؤلاء الناس لا يُعتبر إلاّ طعناً ونقضاً للتنزيل ولسنة نبي الله محمد ، وذلك بآصطناع مكان منافس آخر ، وآختراع بقعة أخرى كنِدٍّ لها وهي كربلاء لمنافسة الكعبة المعظمة بيت الله الحرام ، وهذا لا يُمكن وصفه إلاّ بالصَدِّ عن سبيل الله تعالى والمسجد الحرام الذي يتصادم ، كل التصادم مع ما تنتهي نتيجته المباركة والطيبة من تقوى القلوب لأجل تعظيم شعائر الله تعالى في الحج وتعظيم الكعبة بيت الله الحرام وحده كما قال : { ذلك ومن يُعظِّم شعائرَ الله فإنها من تقوى القلوب } الحج / 32 . ثم ألم يَرَوا ويعلموا أن الله جعل الكعبة مرجعاً أساسياً ونزَّهها وفضَّلها على جميع بقاع الأرض قاطبة لتتوجه الأمة المسلمة كلهم اليها ويُولُّوا وجوههم كلهم شطرها . فتعالى الله جل في عُلاه وسبحانه عما يفعلون ، وعما يتوهَّمون ، وعما يقولون ، وعما يُغالون بحق بشرٍ لا يملكون من أمرهم شيئاً على الإطلاق ، وبالمطلق المطلق .
5-/ { لا أقسمُ بهذا البلد * وأنت حِلٌّ بهذا البلد } البلد / 1- 2 . [ لا ] في أول السورة ليست النافية ، بل للتأكيد ، أي إن الله تعالى أقسم قسماً مؤكداً بالبلد الحرام ، حيث مكة المكرمة التي يقيم ويسكن فيها نبيه العظيم محمد – عليه الصلاة والسلام – .
6-/ { والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين } التين / 1 – 3 . كما نرى إن الله تعالى قد أقسم بثلاثة أماكن مشرَّفة التي كانت مراكز لظهور ثلاثة من الأنبياء العظام الكرام من أولي العزم ، وهي الأماكن التي بزغت فيها وأشرقت أنوار النبوة ، وتنزَّل فيها وحيُ الله عزوجل على أنبياء مصطفين له . فالتين والزيتون إشارة الى فلسطين التي تكثر فيها ذانكما الفاكهتان ، وأرض فلسطين هي مولد النبي عيسى المسيح آبن مريم ونزول الوحي الإلهي عليه ومبعثه كنبي ٍّ ورسولٍ من لدن الله تعالى الى بني إسرائيل .
والثاني هو جبل الطور في سيناء الذي كلم الله تعالى نبيه موسى عليه وآصطفاه وبعثه الى بني إسرائيل . والبلد الأمين هو مكة المكرمة المعظمة التي هي مولد خاتم الأنبياء والرسل محمد – عليه الصلاة والسلام – ، وفيها نزل عليه الوحي الإلهي وبُعث للعالمين في مشرق الأرض ومغربها .
7-/ { وأذانٌ من الله ورسوله الى الناس يوم الحجِّ الأكبر أنَّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله } التوبة / 3 . بناءً على ما ورد إن جعل كربلاء من قبل الشيعة أفضل من مكة المكرمة التي فيها الكعبة البيت الحرام ، هو ليس إلاّ زَيْغٌ وضلالٌ وآنحرافٌ صارخٌ عن كتابة الله وسنة رسوله ورَدٌّ ورفضٌ واضحٌ لتعاليمهما وما أجمع عليه الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأمة المسلمة عموماً .
الكعبة البيت الحرام في السنة :
أما في السنة النبوية لرسول الله محمد بشأن أفضلية وعظمة الكعبة بيت الله الحرام فقد ورد حولها في كتب الحديث لأئمة الحديث كالبخاري ومسلم والترمذي وآبن ماجة وأحمد والقزويني الكثير من الأحاديث ، منها :
1-/ { لا يَحِلُّ لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح } .
2-/ { لا تزال هذه الأمة بخير ما عظَّموا هذه الحرم حق تعظيمها ، فإن ضيَّعوا ذلك هلكوا } .
3-/ قال أبو ذر الغفاري : سألتُ رسول الله عن أول مسجد وُضِعَ في الأرض ، قال : { المسجد الحرام } .
4-/ { صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلٌ من ألف صلاةٍ فيما سِواهُ إلاّ المسجد الحرام ، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضلٌ من مئة ألف صلاةٍ .
5-/ { لا تشدُّ الرحال إلاّ الى ثلاثة مساجد ؛ المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، ومسجد الأقصى } . ووفقاً لحديث رسول الله محمد هذا ، وهو أصدق القائلين فإنه لا تشد الرحال إلاّ الى المساجد الثلاثة المذكورة حصراً .
6-/ { إن هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرامٌ بحرمة الله الى يوم القيامة } .
7-/ رسول الله محمد مخاطباً مكة المعظمة يوم غادرها قائلاً لها : { ما أطيبك من بلد ، وأحبك إليَّ ، ولو لا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك } .
8-/ رسول الله محمد مخاطباً مكة يوم غادرها حالفاً : { والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله الى الله ، ولو لا أني أُخْرِجْتُ ، ما خَرَجتُ } .
9-/ { إن أحب البلاد الى الله البلد الحرام } .
10-/ { اللهم حبِّبْ الينا المدينة ، كحُبِّنا مكة أو أشد } .
يتضح في المذهب الشيعي شخصنة الإسلام وكتابه ونبيه وتاريخه ، في أشخاص معدودين ، ثم إلقاء القرآن ونبيه وراء ظهره ، ومن ثم الغلو في هؤلاء الأشخاص الى حد التأليه ، وبذلك ضَلَّ وأضلَّ كثيراً من الناس في مختلف بقاع العالم للأسى البالغ .