تؤكد حقائق الميدان أن هناك صعوبات ميدانية وسياسية وإدارية ومهنية للقضاء على تنظيم دولة الخلافة الإسلامية ” داعش “, والمعطيات الأساسية تؤكد أن المسحة العامة المهيمنة على ميادين القتال هي مسحة الكر والفر بين الجيش العراقي وحلفائه من الحشد الشعبي والتنظيمات المسلحة الأخرى, وبين المجرمين من تنظيم داعش, وفي أحيان كثيرة ينتهي الكر والفر لمصلحة التمدد النسبي لداعش واقتطاعها مزيدا من الأراضي العراقية, يعقبه عمليات تنكيل وقتل وإبادة جماعية وتهجير وسبي للنساء والأطفال والأعراض وتحول سكان المناطق المحتلة بين ليلة وضحاها إلى سكنة خيام في العراء, لا يمتلكون لقمة العيش, كما يجري تجريدهم من كل ممتلكاتهم الشخصية في محاولة لإجراء تغيرات ديمغرافية اجتماعية شاملة في تلك المناطق يصعب معالجتها لاحقا !!!.
ومن واقع ميدان المعارك ونتائجه وإذا كان الأمر بالنسبة للموصل واحتلالها من قبل داعش هو مؤامرة لم تكشف تفاصيلها الكاملة بعد, فأن ما جرى في الانبار يستدعي تساؤلات كثيرة حيث دفعت الحكومة خطة تخليص الانبار وأعلن رئيس الوزراء رسميا ذلك وتم تحشيد الإمكانات العسكرية لذلك وبدأت الاستعدادات في معارك كرمة الفلوجة وكانت أنباء المعارك متفائلة. ولكن على حين غفلة حل الانهيار واحتلت عصابات داعش الانبار, ومازالت حقيقية التساؤلات عن ما حدث بدون إجابات, ومن هذه التساؤلات هل القضية مجرد معركة عسكرية خسرتها القوات العراقية, أم أن هناك ما هو خفي وغير معلن ؟؟؟.
لا نختلف مع أي متتبع للإحداث الجارية أن هناك ضعف في كفاءة ومهنية الجيش العراقي الذي تشكل بعد 2003 حيث يفتقد إلى المهنية والمهارات اللازمة إلى جانب افتقاده إلى الإدارة ذات الكفاءة العالية في إدارة الأزمات, إلى جانب ما لا نعرفه بالتحديد عن نزاهة القيادات والمراتب العسكرية وولائها الوطني ومدى امتلاكها لخطوط مائلة مع تنظيم داعش يفسد أي تحرك للجيش العراقي !!!.
الأمريكان الآن أكثر وضوحا بغض النظر عن دوافعهم ونظريات مؤامراتهم فهم يقولون على لسان مسئوليهم الرسمين وغير الرسمين, فهم يؤكدون انه لا قدرات معنوية ولا قتالية للجيش العراقي, فوزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر الحالي يقول: أن احد أسباب سقوط مدينة الرمادي هو عدم رغبة الجيش العراقي في القتال, ثم استرسل قائلا: بأننا نستطيع تزويد الجيش العراقي بالتدريب والسلاح اللازم ولكننا لا نستطيع أن نوفر لهم الإرادة في القتال !!!.
أما التصريحات الأمريكية غير الرسمية فهي تترك أمامنا ” الإشادة ” بقدرات داعش ومقدرتها الاستثنائية, حيث يقول هنا ريتشارد كلارك الذي قدم استشاراته في شؤون مكافحة الإرهاب إلى ثلاثة زعماء أمريكان, آخرهم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن, حيث أكد إلى محطة ” سي ان ان ” الأمريكية ان الدولة ” الإسلامية ” أقامت ” خلافة إسلامية ” فعلا عبر حكمها لمساحات شاسعة, وحوالي خمسة مدن كبرى, وأقاموا هيكلية تتضمن حكومات ومؤسسات ووزارات, وباتوا يصدرون وثائق رسمية, وباتت مسألة طردهم من المدن التي يسيطرون عليها صعبة في المستقبل المنظور, ولابد من التعاون مع إيران في هذا الميدان !!!.
وإذا كانت هذه التصريحات الأمريكية تحمل في طياتها ما نعكسه من فهم لنظرية المؤامرة, بأن هناك طبخة قيد التنفيذ لإضعاف الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي لفسح المجال أمام حلول تسليح الأقاليم الغربية من خلال ما يسمى ” بالحرس الوطني ” والذي سيتم دراسته في البرلمان العراقي, والتمهيد لانفصال المنطقة الغربية كإقليم بحد ذاته أسوة بإقليم كردستان, تمهيدا لانجاز خطة بايدان في تقسيم العراق لاحقا, وقد يستجيب هذا لدعاة الإقليم في الجنوب الذي ينادي فيه بعض فصائل الإسلام السياسي الشيعي !!!.
ولكن علينا ان نفهم بوضوح وحيادية ان قدرات داعش لا يمكن الاستهانة بها, فهي تجيد مختلف صنوف الحروب, من حرب عصابات, الى جانب الحروب الكلاسيكية, ثم المفخخات, ونموذج الحروب الجديدة المستندة إلى التطهير المكاني مسندة بقذائف الهاون والصواريخ, واقتحامات عنيفة في عبوات ناسفة ومفخخات متنوعة, والأكثر من هذا هو الجهادية والمقدرة القتالية والاستبسال في المعارك باختلاف غطائها, ان كان دينيا أم قناعات عامة !!!.
أ ن سقوط تدمر ومناطق أخرى في سوريا, والرمادي والموصل وغيرها في العراق تأكد بشكل قاطع عن مقدرة لهذا التنظيم الإرهابي في التوسع إلى حدود غير معلومة, في الوقت الذي ينتظر فيه الجيش العراقي والسوري ضربات وخطط جوية من أمريكا ودول التحالف التي لها حساباتها الخاصة والتي قد تخدم داعش زمنيا ولا تخدم العراق وسوريا !!!.
ان دولة الخلافة الإسلامية ” داعش ” قامت على أراضي دولتين (سورية والعراق) من خلال فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة، واستطاعت ان تتمدد في ليبيا (سرت ودرنة) والجزائر (الجنوب) وأفغانستان وباكستان، وان تفتح فروعا في مصر (سيناء) وقطاع غزة (الشابوره في رفح) واليمن، وها هي تعلن عن دخول أعمالها العنيفة والإرهابية إلى الأراضي السعودية بالهجوم على مسجد لأبناء الطائفة الشيعية شمال القطيف في الشرق السعودي، أوقع أكثر من خمسة وعشرين قتيلا.
نقول هنا ان الحرب على داعش يستدعي منا الابتعاد نسبيا عن نظرية المؤامرة التي تشل قدراتنا الذاتية من خلال توجيه الانتقاد واللوم إلى القوى الأخرى, ويجب التدقيق بحرص في قدراتنا الذاتية في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي الخطير باختلاف خصوصيته العراقية أم السورية أم المصرية وغيرها, والنظر موضوعيا إلى الأسباب التي أدت إلى صعود دولة الخلافة الإسلامية ” داعش ” بعيدا عن قيم العجز بانتظار من ينقذنا من داعش. فإذا كانت الخيانة في الجانب العراقي احد الأسباب لتمرير مؤامرة تقسيم العراق واستيلاء داعش على المزيد من الأراضي العراقية, فهل هناك خيانة ميدانية في سوريا, أم قدرات داعش هي سيد الموقف !!!.
أؤكد هنا ان الصراع مع داعش هو صراع وجود وبقاء, وان محاربته بكل القدرات هو واجب مقدس, ان كان دينيا أم وطنيا, وعلينا اليوم خوض المعركة معه بحجم شراسته ومقدرته الميدانية, فإذا لم نحاربه في الموصل والانبار وكل بقاع تواجده الآن ونقضي عليه, فأننا سنضطر إلى محاربته على أعتاب بغداد وداخلها وفي كل شوارعها وفي كل المحافظات الوسطى والجنوبية والشمالية, وعندها ستكون الكارثة أعظم وأبلى, وهذا ما تطمح له داعش في توسيع رقعة حروبها في بغداد وكربلاء والناصرية والبصرة والعمارة والحلة واربيل والسليمانية وغيرها, وعندها سيكون العراق كله حمامات من الدم والضحايا والركام !!!.
وفي الختام يجب التأكيد ان تلاحم الجيش العراقي مع بقية الفصائل المسلحة العراقية, من حشد شعبي وغيره, ورغم كل التعقيدات والغموض الذي يكتنف طبيعة هذه القوى وأشكالياتها الفكرية والعقائدية والميدانية يجب ان تشكل بوابة ونافذة للخلاص من داعش, مادام يوحدها القناعة بمقاتلة تنظيم دولة الخلافة الإسلامية ” داعش “. وما بعد داعش سيكون أسهل من داعش بكثير … داعش أولا والبقية تأتي !!!.