23 ديسمبر، 2024 3:56 م

دجلة والفرات بعيون الغيّد الحسان ورائحة الموت

دجلة والفرات بعيون الغيّد الحسان ورائحة الموت

تذكّر ياصديقى ان حسناوات الفرات من راوة الى آور السومرية .. عشقن الفرات طبعا ودمعا وفرحا .. منذ الازل أحببن في شرائعه الرمليّة الآم الهجران والفراق والرحيل والعشق الخجول مع امنيات مكتومة توشحت بأغصان الياس والحنّاء و شموع زكريا .. صبايا تطبّعن بهدوء أمواج الفرات دلالا وغنجا وحسن طباع.
قرأت الفرات بعيون حسناء توراتية عشقت مسلما وضاق بها ذرعا نبأ التهجير ولا اتصال بالمحب غير ان تدق مسامير نحاسية في أضلاع خشب الناعور في نهر الفرات.. ليستدل بها الحبيب مابعد الرحيل ويجعلها مزارا يؤدي قربها طقوس العشق والفراق لمن غادرت الديار صوب الارض الموعودة .. وتساؤلات طفولة عابثة لكل غروب اما من عودة الصبية لدارها لتكتمل لوحة الحياة بعنوان الفرح والسلام.
اما الكاعب الحسناء في الناصرية تعمدت بماء الفرات طهرا وفرحا لليلة زفاف مندائية بمباركة الرب وطقوس المندي ورقصات سومرية في محلة الصابئة لاكتمال الفرح لليلة زفاف تباركها الأميرة عشتار آلهة الحب والجمال في بلاد سومر… ولكن المندائيات الحالمات غادرن العراق لبلدان الاغتراب لان محطة المگير ما عادت تستقبل قطار العشاقين ولا عشاق الناصرية يرددون اغنية المگير بكلمات زامل سعيد فتاح:
“مشيت وياه للمگير اودعنة .. مشيت وكل كتر مني انهدم بالحسرة والونة
وأعد محاط للبصرة .. جزة ونام وهدل شعرة .. وك يا ريل لا تصرخ اخاف تفزز السمرة”
     وفي الشمال عند احد روافد دجلة الخير تقطن حسناوات الأيزيدين والمسيح بأثواب فولكلورية رسمت عناوين الحب والربيع منذ اخر السلالات الآرية والآرامية ،صبايا بعمر الورود دفعن الاثمان القاسية من هجمات بربرية اجتاحت أحلامهن وعبثت بألوان طيوفهن  بلون الدم والاغتصاب والبيع بسوق النخاسة ورائحة العفن المنبعث من أركان التطرّف الديني.
       أما اميرات دجلة من بغداد الأعظمية حتى شجرة آدم في الملتقى عقدن قران الجمال مع ضفافه شموخا وكبرياء وعيون تكحّلت بلون أمواجه حين ترسم الشمس والقمر وباسقات النخيل وضفائر العشق التي نذرت قربانا للقاء الاحبة ويوم السلام.
        وناهدة حسناء عاشقة مرت على ضفاف دجلة في الأعظمية تنفث دخان التنباك المعطر من ارغيلتها ..  وتترقّب شواء ” المسكوف” في ليلة بغدادية تستفيق روح التاريخ وتردد نزار قباني حين يقول:
مدي بساطك و املئي اكوابي و انسي العتاب فقد نسيت عتابي
عيناكِ، يا بغدادُ ، منذُ طفولَتي شَمسانِ نائمَتانِ في أهدابي
لا تُنكري وجهي ، فأنتَ حَبيبَتي وورودُ مائدَتي وكأسُ شرابي
بغدادُ.. جئتُكِ كالسّفينةِ مُتعَباً أخفي جِراحاتي وراءَ ثيابي
ورميتُ رأسي فوقَ صدرِ أميرَتي وتلاقتِ الشّفَتانُ بعدَ غيابِ
أنا ذلكَ البَحّارُ يُنفِقُ عمرَهُ في البحثِ عن حبٍّ وعن أحبابِ
     اما حِسان البصرة على ضفاف شط العرب يتراقصن طربا على أنغام تفعيلة الفراهيدي للشعر وحتى تقاسيم طبلة الخشابة في “رقصة الهيوا يا بو بلم عشاري” من حمدان حتى السيبة والفاو .. وشجرة الحناء تحتضن ضفاف النهر في جيكور حيث روح السياب هناك وعشق كتب في قصائد شوق الى لميعة عباس عمارة عند ضفاف بويب حتى رحل الشاعر وبقيت القصائد يطربن لكركرات صبايا ابوالخصيب في أنشودة المطر وكأن السياب يمر هناك كل عام ليقول للغيد للحسان:
“مطر مطر شاشا عبر بنات الباشا
مطر مطر حلبي عبر بنات الچلبي”
هكذا شرايين وطني اقرأها في عيون الغيد الحسان ورائحة البارود والموت ولوحة رسمت بفرشاة الدم بين ثنايا وطني .. وجدال بيزنطي يردد عرقنة لبنان او لبننة العراق.
[email protected]