في خطوة دبلوماسية مفاجئة تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية، حل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في زيارة خاطفة إلى قطر اليوم وغدا بالسعودية ، قبيل ساعات من وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة الخليجية في جولته المقررة بين 13 و16 ايار 2025. هذه الزيارة، التي أعلنت عنها الخارجية الإيرانية، تثير معها تساؤلات حول أهدافها العميقة وتوقيتها الحساس، في ظل توترات إقليمية ودولية معقدة، وتفتح الباب على مصراعيه لتحليل دقيق لخفايا السياسية والاستراتيجية التي تحيط بها.
في الدوحة، سيشارك “عراقجي” في “مؤتمر الحوار العربي الإيراني” وهو منصة مثالية تتيح لإيران تعزيز خطابها الداعي إلى التعاون الإقليمي بين بلدان المنطقة وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي . لكن الزيارة الخاطفة قد تتجاوز المؤتمر، حيث تُعد قطر شريكًا استراتيجيًا لطهران في ملفات مثل الوساطة بين إيران والغرب، والتنسيق في قضايا مصادر الطاقة. الدوحة، التي تستضيف قادة حركة “حماس” تلعب دورًا محوريا في محادثات لإنهاء الحرب على قطاع غزة، قد تكون قناة مهمة وموثوقة بها لإيران وذلك لإيصال رسائل إلى الرئيس “ترامب”، خاصة في ظل العلاقات القوية بين قطر وواشنطن ومع الجولة الرابعة من المفاوضات في العاصمة “مسقط” وعلى وقع الخلاف الذي استجد حول التسمية الجغرافية للخليج وفي عالم السياسة الدولية، حيث تتشابك الأجندات وتتصارع المصالح، يبرز الرئيس “ترامب” كرجل أعمال يتقن فن الصفقات أكثر من إتقانه لفنون الدبلوماسية. عقليته التجارية، التي تُعطي الأولوية للربح والمكاسب الملموسة، قد تفتقر معها في بعض الأحيان إلى الرؤية الدبلوماسية الدقيقة والتي تتطلبها المناورات السياسية. ومع اقتراب جولته الخليجية , التي تحمل في جعبتها صفقات اقتصادية وتجارية بقيمة تقارب ثلاث تريليونات دولار مع كل من السعودية وقطر والإمارات، يبدو “ترامب” مستعدًا لتقديم تنازلات مثيرة للجدل، بما في ذلك إعادة تسمية الخليج في الوثائق الرسمية الأمريكية. لكن هذه المرة، قد لا يكتفي بتسمية “الخليج العربي”، بل حتى بمقابل هذه الصفقات الهائلة يمكن له تسميتة بـ”الخليج السعودي”، وفي خطوة قد تعكس مدى تأثير الرياض في حساباته الاقتصادية. ويكشف عن حقيقية نهج ترامب البراغماتي الذي يضع في مخيلته وعقليته المصالح المالية فوق الاعتبارات الجيوسياسية. طهران من جهتها والتي تصر على تسمية “الخليج الفارسي” كجزء لا يتجزأ من هويتها التاريخية. قد تُبرز المخاطر الدبلوماسية لهذه الخطوة، التي قد تُشعل توترات إقليمية في لحظة حرجة. ولكن مع عقلية “ترامب” التجارية وفن عقد الصفقات يكون كل شيء جائزًا ومباح للذي يدفع أكثر . وفي متاهات السياسة الدولية، وحيث تُنسج السيناريوهات الافتراضية بنفس الجرأة التي تُدار بها الصفقات الواقعية، يطرح السؤال نفسه: ماذا لو تخلت إيران، في خطوة تاريخية غير مسبوقة، عن برنامجها النووي، وأعلنت نهاية محور المقاومة والممانعة، ومدت يد التطبيع إلى إسرائيل، كل ذلك مقابل ضمان بقاء تسمية “الخليج الفارسي” دون تغيير إلى “الخليج العربي”؟ هذا السيناريو، الذي يبدو أقرب إلى الخيال السياسي منه الى الواقع ، يكشف عن طبيعة الصراع الرمزي والاستراتيجي حول تسمية المسطح المائي “الخليج”، ولكنه في الوقت ذاته يسلط الضوء على عقلية “المزايدة” التي تتحكم في قرارات الرئيس الأمريكي , ولكن في “البيزنس” الذي يتقنه، يبدو أن كل شيء قابل للبيع، حتى لو كان ذلك على حساب إشعال فتيل أزمة دبلوماسية. الخطوة، إن تمت، لن تكون مجرد تغيير تسمية، بل إعلانًا عن أولويات إدارة ترامب: الدولار دائمآ يسبق الدبلوماسية، والصفقات التجارية تتقدم على الاستقرار المنطقة .
وتحت ستار عباءة المشاركة في “مؤتمر الحوار العربي-الإيراني” بالدوحة، ينسج ثعلب الخارجية “عراقجي” خيوط خطوة دبلوماسية محاطة بالغموض والترقب ، ففي السياسة كما في الحب والحرب كل شيء مباح ففي السياسة كذلك وإلى احتمال حصول لقاء سري بين “عراقجي” والرئيس الأمريكي “ترامب” بضمانة الدوحة وعلى هامش جولته الخليجية المرتقبة. هذا اللقاء، إن حدث، قد يُجرى في مقر إقامة ترامب بالدوحة، بعيدًا عن عدسات الإعلام وفضول الصحافة، ليفتح الباب أمام حوار مباشر وغير مسبوق حول ملفات شائكة تثقل كاهل العلاقات بين طهران وواشنطن.
وفي غرفة مغلقة، حيث تتلاشى الأضواء وتخفت الأصوات، قد يتبادل الطرفان وجهات النظر حول الاتفاق النووي الذي يترنح على حافة الانهيار، وكذلك الحرب في قطاع غزة التي تُلقي بظلالها على استقرار المنطقة، إلى جانب ما تيقى من النفوذ الإيراني الممتد من العراق وسوريا إلى لبنان واليمن. لكن اللغز الأكبر يكمن في احتمال أن يحمل “عراقجي” رسالة شخصية من المرشد الأعلى “علي خامنئي” إلى “ترامب” ، رسالة تُخفي في طياتها عرضًا سخيآ لا يستطيع معها أن ترفض عقلية رجل الاعمال ترامب هذا العرض ومعها ربما محاولة لإعادة رسم قواعد اللعبة الإقليمية وصولا إلى تفاهمات حتى مع إسرائيل في مقابل الحفاظ على برنامجها النووي ووضعها الاقليمي بالمنطقة . ففي عالم السياسة، حيث تتشابك صدق النوايا والافعال وتتوارى الحقائق خلف ستار من الغموض والمناورات، يبقى كل شيء جائزًا، فإن الخطوة التالية قد تُخبئ مفاجأة تُغير دفة الصراع أو تُشعل شرارة تقارب غير متوقع. فهل ستكون “الدوحة” مسرحًا لمصافحة سرية تُعيد صياغة التوازنات؟ أم أن الغموض سيظل يلف هذه الزيارة كما لف الكثير من خفايا الدبلوماسية منذ قرون؟ الإجابة، كما الحقيقة، تظل معلقة في أروقة ودهاليز وخلف الابواب المغلقة وحول طاولات الحوار وهمسات المسؤولين.