هل بإمكاننا أن نتغنى بعد اليوم بقصيدة الجواهري؟
حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحَييني ” ” يادجلة الخير , يا أمَّ البساتين.
يعيش العراقيون اليوم أزمة شحة مياه حادة . لتحكم تركيا بمياه دجلةَ والفرات وسوء استعمال المياه وعدم ترشيدها وتجاهل الطرق الحديثة في الأرواء والري .و من المعلوم إنَّ منابع الأنهار لا تكون إلا في مناطق جبلية بأعالي الأنهار.
نهرا دجلة والفرات (الرافدين) ينبعان من جبال أرارات التركية.وتركيا الطورانية القومية المتعصبة ترى أن مياه هذين النهرين حقٌّ لتركيا .ولا حق لسوريا والعراق فيهما .كما أن لتركيا لا حق لها بنفطي العراق وسوريا.
وفي هذا السياق قالَ سليمان ديميرل الرئيس التركي السابق: إن مياه الفرات ودجله تركية .ومصادر هذه المياه هي موارد تركية. كما أن آبار النفط تعود ملكيتها إلى العراق وسورية. ونحن لا نقول لسورية والعراق إننا نشاركهما في مواردهما النفطية. لذا لا يحق لهما القول إنهما تشاركاننا مواردنا المائية. إنها مسألة سيادة. إن هذه أرضنا ولنا الحق في فعل ما نريد.
والصهيونية بلسان مؤسسها تيودور هرتزل تقول: ان المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة القديمة هم مهندسو المياه ,فعليهم يتوقف كل شيء.استحوذت تركيا وتصرفت بمياه دجلة والفرات. واسرائيل بالمياه التي وقعت تحت سطوتها في بلاد الشام. وعَيْنُها على مياهِ النيل ومياهِ دجلةَ والفرات وأنهار بلاد الشام.
فالمطامع التركية والأسرائيلية بمياه دجلة والفرات والأنهار في بلاد الشام قديمة وليست جديدة.ولكن دبلوماسية المياه وحقوقنا كدول متشاطئة غائبة عن السياسة والذهن للحكومات العراقية المتعاقبة.والأمر لا يقتصر على تركيا واسرائيل, بل على الشقيقة سوريا التي أقامت سد الطبقة عام 1968. وسيطرت على مياه نهر الفرات وتحكمت بها .وحرمت العراق من حقه بمياهه .دون أخذ مصالح العراق بنظر الأعتبار .
أما الجارة ايران فتجاوزت على نهر الزاب الأسفل وبنت عليه عشرات السدود لتنهب استحقاقنا من مياهه, وتجاوزت ايران على مياه نهر الكارون الذي يصب في شط العرب .وسلطت علينا مياه البزل المالحة. .كل هذا يجري بصمت مريب من الحكومات العراقية المتعاقبة.
تركيا تخصص 2مليار دولار سنويا لإكمال (( مشروع الغاب )) بأعالى الفرات بالمنطقة الجبلية.
باشرت تركيا بمشروعها الإستراتيجي (مشروع الغاب ) .يُعد نهرا دجلة والفرات من أهم مصادر المياه في تركيا، حيثُ يمران في منطقة مشروع غاب جنوب شرق تركيا, الذي يعتبر الآن بمثابة الحياة بالنسبة لتركيا، وتختلف منطقة غرب الأناضول تماماً عن جنوب شرق تركيا (مشروع غاب (وذلك لقلة هطول الأمطار وندرة المياه فيها، ولذا فهنا تكمن أهمية منطقة مشروع غاب باعتبارها المصدر الأساسي للمياه في تركيا) .
ويتألف مشروع الـ(غاب) من 22 سداً و19 محطة للطاقة الكهربائية ومشروعات أخرى متنوعة في قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والري والاتصالات، والغاب من حيث المساحة هو أضخم مشروع في العالم، ويشمل ثماني محافظات وعند إتمامه تقارب مساحة الزراعة المروية من خلاله 8.5 مليون هكتار أي نحو 19 % من مساحة الأراضي المروية في تركيا، وتوفير 106 مليون فرصة عمل جديدة في هذه المناطق ذات الأكثرية الكردية. ومن أهم سدود مشروع الغاب التي تعدت العشرين ( سد أتاتورك ) وقد دُشن هذا السد في تموز 1992 بحضور رؤساء وممثلي 29 دولة، إضافة إلى نحو مائة دبلوماسي. يقع السد على نهر الفرات على بعد 24كلم من مدينة بوزرفا، وهو يعد الثالث في العالم من حيث حجم قاعدته 84.5 م3، والثامن من حيث الارتفاع 190 م والخامس عشر من حيث حجم المياه في بحيرة السد، والثامن عشر من حيث إنتاج الطاقة الكهربائية، عند امتلاء السد تبلغ كمية المياه المُخزَّنة 48.7 مليون م3 والارتفاع الأقصى لمنسوب المياه 162م بعرض 15 متراً، أي ما مجموعة 882 ألف هكتار.(الهكتار 10000 متر مربع)
عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: كنت واقفاً مع أبي بن كعب، فقال: (لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ؟ قلت: أجل، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يوشك الفرات أن ينحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله، قال: فيقتتلون عليه، فيُقتَل من كل مائة تسعة و تسعون).وهذا تفسيره أن مياه الفرات ستنحسر وتنضب في بلاد العراق وتكون نادرة كالذهب فيتقاتل الناس عليها.
رغم الفترة الزمنية الطويلة لبدء أزمة المياه في العراق وتحكم تركيا وسوريا وايران بها. إلا أن السلطات العراقية لم تولِ هذا الشأن حقه. ولم تهتم به.بل انغمست بحروبٍ عبثية أو حكوماتٍ مُفسدة فاسدة. همّها السلطة والتملق والذيلية لدول الجوار والقوى الدولية المهيمنة. واهتمت بسرقة أموال الشعب وتزوير إرادته وحقه بالتعبير الحر عن ارادته.
اليوم يمر بلدنا العراق بأخطر أزمة شحةٍ للمياه تهدد مصيره ومصير أجياله.
وكان بإمكان هذه الحكومات سلوك طريقين لتفادي الشحة في المياه ,الأول بترشيد استهلاك المياه واتباع طرق الري الحديثة بالتنقيط ,ومعالجة التبخروالهدر المائي بالزراعة,وغير ذلك من طرق الزراعة الحديثة, وفق مخططات يضعها مختصون وفق التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة ومتطلبات الزراعة والأرواء ومدى حاجتنا للسدود الحديثة, وحفر آبار في مجريي النهرين لخزن المياه الفائضة, بدل ذهابها للبحر.ولا بدَّ لنا من مراجعة أصناف المزورعات فما كان يصلح زراعته عام 1990 لا يصح زراعته اليوم من حيثُ الجدوى الأقتصادية.
والطريق الثاني هو دبلوماسية المياه الجدّية ,وفق مفاهيم الأقتسام العادل للمياه وفق ميثاق الدول المتشاطئة الذي قررته الأمم المتحدة عام 1997.فلا مناص من التفاوض الهادئ الجدي. ووضع كل المشاكل على الطاولة للوصول لحل دائم. يضمن ادارة مشتركة لحوضي دجلة والفرات.ولتحقيق هذا الغرض لا بد من فريق فني مؤهل علمياً ودبلوماسياً للتفاوض مع تركيا وايران وسوريا, للوصول لأدارة مشتركة وحلٍّ يرضي الجميع.
إن التغير الديموغرافي والنمو السكاني تسبب قي زيادة الطلب على المياه وهذا أمرٌ أخذته الأمم المتحدة بنظر الأعتبار .وأن من حق كل فردٍ هو 150 لتراً من المياه يومياً على أقل تقدير وفق تقارير الأمم المتحدة.
ولكن المدهش أن حكومات العراق لم تتبع ولم تولِ أمر المياه وشحتها بسبب التغير الديموغرافي و النمو السكاني الأهتمام اللازم .ولم نلمس أي نشاطٍ دبلوماسي عراقي جاد مع سوريا وتركيا وايران للحد من تسلط هذه الدول على مياه دجلة والفرات دون إحترام لحقوقنا بهذه المياه.
وكان بالأمكان إستغلال علاقتنا بأمريكا حليفة تركيا لأشراكها وإشراك الأمم المتحدة بمفاوضات مع حليفتها تركيا, لتأمين حقنا بمياه دجلة والفرات.وكان بالأمكان ربط أزمة المياه بعلاقتنا التجارية التي يميل فيها الميزان التجاري لصالح تركيا بشكل ظالم.,وتأمين حقنا في المياه, كإحدى الدول المتشاطئة على النهرين لا سيّما إن ما تجنية تركيا من العراق 15 مليار دور سنوياً..وكان من المفترض بالحكومة العراقية استغلال العلاقة المتميزة مع ايران. وايقاف تجاوزها على حقوقنا المائية, بعد أن أصبح العراق سوقاً مفتوحاً لها. تضخ فيه بضاعتها الفاسدة وإنتاجها الزراعي , وبات حديقتها الخلفية. لكن مِن أين لنا بحكومات عراقية وطنية تهمها مصالح شعبها.ولا تساوم عليها, لقاء ارتباطها بأجندات اقليمية ودولية همها الأضرار بالعراق اقتصادياً واضعافه؟
إن الأحتياطات العراقية لمواجهة هذه الأزمة الحادة غير مؤهلة,وتحتاج لمراجعة ولا بدَّ مِنْ محاسبة كل المسؤولين.ولكنَّ من أمن العقاب أساء الأدب,وضياع الموصل وثلاث محاقظات دون حساب خير دليل.
ولا أظننا نستطيع بعد اليوم أن نتغنى بقصيدة الجواهري الرائعة في ظل هذه الكتل والأحزاب الفاشلة الفاسدة
حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحَييني ” ” يادجلة الخير , يا أمَّ البساتين.