23 ديسمبر، 2024 5:49 م

داود الفرحان .. والرئيس !

داود الفرحان .. والرئيس !

اتذكر ذلك المساء الذي طلبني فيه مدير التحرير في جريدة “الجمهورية” التي تصدر في بغداد وهي بطبيعة الحال صحيفة حكومية ، كنت اعمل فيها ومازلت متدربا في العمل الصحفي حيث اني وقتها طالبا ادرس الاعلام اكاديميا في كلية الآداب بجامعة بغداد العريقة .. كان مدير التحرير فيها وقتها الاستاذ الصحفي ذائع الصيت داود الفرحان ، شخصية جادة حازمة لاتعكس كتاباته المازحة بنهكة معاناة الناس ، حيث كانت مقالته اليومية الثابته الراسخة في اخر صفحاتها تلبس ثوبا ورديا عنوانه ( بين الناس) ..
داود الفرحان ، هو ذاته الذي لايعرف مغفرة لخطأ صحفي ، طلبني او ارادني وانا الذي مازلت ذلك الشاب المقبل حديثا على العمل الصحفي ، وبنبرة او امر منه وبسبب عدم وجود صحفي كفء طلب مني ان اذهب الى واحد من فنادق بغداد الراقية لالتقي شخصية عروبية مغاربية وفدت الى بغداد ، كان اسمه “عبدالله ابراهيم” قائدا لحزب في بلاد المغرب العربي ، لكن معرفتي ومعلوماتي الضيقة لم تتح لي باهميته ، وقرر ان اصحب معي مصورا صحفيا لانجاز حوارا وضع هو لي محاوره واسئلته فتوكلت على الله وعلى همتي.. ذهبت الى حيث المكان المقرر والتقيت الرجل الذي فاقني عمرا وخبرة الا ان الله يسر الامر وانجزت ذلك الحوار الصحفي ..
عدت الى الجريدة وانا اتوقع توبيخا محتما من مدير التحرير بسبب تلكوء او تقصير ما ، لكني فوجئت به وقد انفرجت اساريره ، وكل مااسرني به حينها كلمة واحدة جاد بها علي… شكرا !!
لربما اكون من حيث ادري او لاادري قد اكون اعطيت صورة او وضعت فيها متاريس من التعصب لرجل عشق صادقا مهنة المتاعب الصعبة ، لكني اصدق فيما اقول بأني احب ان اعمل بمعيته اليوم لو شاءت الاقدار وياليتها ..
في واقعة مهمة روى لي الصحفي العراقي الكبير المعروف الاستاذ (مظهر عارف) ان الفرحان التقى الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله لقضية تخص العمل الصحفي فادهش صاحبنا الرئيس بنكتة اضحكته كثيرا ، وغير ذلك افادتني معلومة اخرى من مصدر خاص ان الرئيس ابدى تواضعا كبيرا مع الفرحان لانه لم يكن يتحدث معه وهو يجلس خلف مكتبه وانما انتقل الى كرسي بقبالته واحتفى به ايما احتفاء عندما ابلغه بان ليس لدينا داود الفرحان اخر وتلك قصة قد يرويها هو بتفاصيلها الاخرى .. هكذا كان ابا صفا صحفيا متمكنا من مهنته المتعبة.
ويوما كانت هناك انتخابات لما اطلق عليه حينها المجلس الوطني (البرلمان العراقي ) وكانت المنافسة على اشدها والنتائج ترد الى جريدتنا اولا باول عبر وكالة الانباء العراقية الرسمية التي يختصر اسمها بـ (واع) والتي امتد بثها حتى الفجر على غير عادتها بحكم طبيعة الحدث ، كنا طيلة الساعات نتنقل بين غرف التحرير والمونتاج والطباعة حتى بزغت شمس الصباح وبلغت السابعة صباحا والجريدة لم تبدأ طباعتها ومازالت (واع) ترسل لنا اسماء المتنافسين والفائزين .. وقتها كنت انا المحرر الخافر الوحيد بمعية الاستاذ الفرحان الذي كان هو الاخر الرئيس الخافر للجريدة فوجدته يتجاوزني في همته بأريحية ينشر اسارير الضحكة بين العاملين ، حيث ادرك ان ساعات العمل قد انهكتهم فتحول الى حقيقته الانسانية المرحة الرائعة حتى صدرت الجريدة بعد الساعة الثامنة او التاسعة صباحا في سابقة لم يعهدها تاريخ “الجمهورية” الا ماندر .. هذه وقفة يجب ان تقال بحق صحفي عراقي كبير لابد من توثيقها والكتابة عنها .