لم يعد الحديث عن عراقية كركوك من أولويات السياسيين مثلما بات الثوب الطائفي علامة مميزة في التنقل وتداول الأحداث، فيما أصبحت وحدة العراق من الماضي بعقول غالبية المتطفلين على السياسة و مستلزماتها ، فالجميع يغرد خارج سرب الأنتماء للعراق، سواء عبر مشاريع تستنسخ غيرها بتغيير العناوين فقط أو بالقاء اللوم على داعش، وكأنهم يراهنون على ثقب في ذاكرة العراقيين.
لقد اسس المشروع الطائفي بشقيه لحرب آهلية مريرة عام 2007 و ما ألعنها من أيام مثقلة بالدم و الخوف و التغييب القسري للمواطنة، ما يعني أن داعش عنصرا اضافيا استفاد من ظلم سياسي و فئوية حزبية و طائفية لم ينظر أصحابها الى العراقيين بعين واحدة، لأنهم ريما يعانون من قصر نظر مزمن له علاقة بضغوط تحالفات ما قبل احتلال العراق، ما يبرر الفشل غير المسبوق في كل الاتجاهات.
وسيبقى طحن الجثث في تزايد مستمر و سيغطي الدم مساحات اضافية من أرض العراق طالما بات الحديث عن المواطنة محل استهزاء من سياسيين و مراقبين بمستويات مختلفة، وطالما أصبحت نرجسية الشخص و ” كرم جيبه” من موجبات القبول بمشروعه حتى لو كان عبثيا، و نحن نتحدث عن يافطات ما أنزل الله بها من سلطان لابتعادها عن مبدأ المحافظة على وحدة البلاد و العباد لصالح “كثبان” من مشاريع الفتنة و التقسيم الطائفي.
أعرف أن كثيرين سيقولون ان هذا الكلام خارج المنطق و لم تعد هناك آخوة عراقية بعد سنوات الشحن الطائفي و القتل و التهجير، وهو رأي فيه من المنطق، لكن عندما نتعمق في تفاصيل الآخوة العراقية نجد انها ما زالت بخير و قادرة على لملمة الشمل باقل الخسائر، بحكم عدم تشبعها بحقد السياسيين و شعاراتهم التي لا تطرب مسامع العراقيين المترفعين بفطرة السماء عن الطائفية و العرقية ولحن القول غير الوطني.
لن يرتوي العراق بدون ملح الجنوب و طيبة و كرم الغرب و الشرق و الشمال فالفواصل على الأرض طارئة و القائمين عليها يتقمصون أدوارا لا تناسبهم، فشيعة العراق عقال رأس الوطن و سنته حزام كرم و صدق انتماء و قومياته المختلفة ذراع يمنى بمواجهة التحديات، هذا هو العراق الذي اتسعنا جميع بلا مضايقات و سيناريوهات الاحتلال اللعين، الذي فصل الوطن على الطائفية و مزق نسيجه الاجتماعي باثارة النعرات واستباح حرمة ترابه الوطني بخنادق النزاع على الهوية.
و لأن السياسيين الحاليين منشغلون بمشاريع و صفقات أبعدت غالبيتهم عن التفكير بخصوصية العراق، و شغلتهم عن القسم بالمحافظة على هيبة العراق و آهله، فانه بات من الضروري الخروج من عنق زجاجة “الكسل” الوطني بتفعيل مبادرات شعبية واسعة لتعديل الدستور و الغاء محاصصاته، لأن النار تقترب كثيرا من سيادة العراق، واذا انهار الباب العالي لا سامح الله فان أول الغارقين بالطوفان هم أبناء شعب العراق لأن السياسيين لديهم أكثر من مقر إقامة و جنسية.. نحن عراقيون و سنبقى طالما رجعنا الى قيم العائلة و العشيرة و الأنتماء لوطن أسمه العراق!!