23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

لايعرف على حد اليقين التوجه الحقيقي لتنظيم (داعش)، ومن يمثل، وما إرتباطاته التي تشوبها الكثير من علامات الإستفهام، ودعونا نبتعد عن التسمية التي أطلقها عليه، ونكتفي بهذا المختصر، لانه لايمتلك مقومات الدولة الإسلامية، برغم أن الإعلام الغربي يحاول ترسيخها في الأذهان، ولعلها جزء من الستراتيجية التي يتبناها لتشويه الإسلام من خلال أنموذج مختل .
بداية لابد من أن نؤصل حقيقة مهمة هي أن بسط السيطرة على منطقة ما، سواء بالقوة، أو بإستسلام الطرف المقابل، لايضفي صفة الشرعية على الطرف (المنتصر)، فضلاً على إعلانه الخلافة، لأنها تفقد أهم ركن فيها وهي بيعة أهل الحل والعقد، ولعله من هنا برز الخلاف بين التنظيم والمكون المجتمعي لمناطق نفوذها، والذي وصل الى حد التصادم.
فالخلافة من الناحية الشرعية والفقهية تعني الإنابة، والخليفة لغة وشرعاً، هو نائب عن الأمة الإسلامية، ووكيل عنها من خلال البيعة التي تمنح له، وهذه النيابة لاتثبت شرعاً وعقلاً وعرفاً الا بأن تقوم الأمة جميعها بمنحها له، أو من خلال ممثليها الذين سموا في السابق بأهل الحل والعقد، وأولي الأمر من العلماء والاكفاء، والمسؤولين، وأصحاب القرار، والجماعات الإسلامية.
ومن هنا، فإن مجرد إعلان جماعة للخلافة، ليس كافياً، وهو أمر مخالف لهذه الحقيقة الشرعية، كما أن أمور الدولة في الإسلام تقوم على مبدأ الشورى، لذلك فإن أي إعلان خارج هذا الإطار هو باطل شرعاً، وإذا إنتفى وجود الدولة كنظام حكم، تصبح كل قراراتها بالنتيجة فاقدة الشرعية.
من بين القرارات التي إتخذها تنظيم (داعش)، فرض الجزية على المسيحيين، برغم أن الجزية لها أحكام خاصة، فهي لاتفرض في المجمل، بل يستنى منها رجال الدين ، وكبار السن، والفقراء، والعاجزون، والنساء، كما إنها ليست نظاماً عقابياً بقدر ماهي ترسيخ لفكرة المواطنة التي يشترك فيها المسلم وغير المسلم، في بناء دولته والعمل من أجلها، وإذا كان غير المسلم يدفع الجزية نظير الحماية، فإن المسلم يدفع الزكاة، لكن في الوقت الذي تسقط فيه الجزية عن المكلفين بها، متى ماشاركوا في الدفاع عن الدولة الإسلامية، فإن الزكاة لاتسقط في كل الأحوال عن المسلمين.
وها نحن نتحدث عن دولة إسلامية، وخلافة، وليس عن تنظيم لم يكتسب الصفة الشرعية في ما يدعيه، ولم يستوف الشروط المطلوبة.
وحتى لانقول كلاماً عابراً من دون أن نستشهد بأدلة، فقد ذكر الإمام عامر الشعبي، وهو من التابعين، أنه أدرك ” الأئمة، الفقيه منهم، وغير الفقيه، يغزون بأهل الذمة، فيقسمون لهم ويضعون عنهم جزيتهم”.
ومما يذكر أن قبيلة تغلب، التي كانت تدين بالمسيحية، رفضت دفع الجزية في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وطلبوا أن يدفعوا الزكاة، أسوة بالمسلمين، ويحموا حدودهم من كل طامع، فوافقهم عمر، ولم يضعهم بين خيارات أخرى.
نستخلص مما تقدم، أن الجزية التي يفرضها تنظيم داعش، غير شرعية، لعدم وجود مقومات الدولة، اولاً، ولغياب عنصر الحماية التي ينبغي أن تتوفر لغير المسلمين، خصوصاً أن التنظيم أصلاً يفتقد القدرة على حماية نفسه قبل غيره، ثم أن طبيعة النظام السائد، ولانقصد السلطة تحديداً، قد منح فرص متساوية في الدفاع عن الدولة بمفهومها السياسي والجغرافي الأعم، من خلال الإنخراط بالمؤسسة العسكرية والأمنية، إضافة الى أن ممارسات (داعش) تستهدف المواطنة في الصميم ، وبالتالي ستفضي الى تمزيق لحمة الوطن الواحد.