23 ديسمبر، 2024 4:20 ص

داعش خلف الجدار وأخرى في غرفة الضيوف

داعش خلف الجدار وأخرى في غرفة الضيوف

“لا تتظاهروا في البصرة، فالرصاص بانتظاركم”! بهذا المنطق تعامل محافظ البصرة وشرطته مع الفقراء الذين تظاهروا في قضاء “المدينة”، مطالبين بجزء يسير جداً من حقوقهم المنهوبة، بعد أن أقنعتهم درجات الحرارة المنهكة بأن حقوقهم تضيع إذا لم يبادروا بأنفسهم للمطالبة بها، وأن انتظار أن يفي الرجال الذين غمسوا سباباتهم في الحبر البنفسجي، ووضعوا، من أجلهم، ورقة كبيرة في الصندوق البلاستيكي، بحصتهم من العقد الاجتماعي المفترض، أشبه ما يكون بانتظار المطر من سحابة دخان أسود.

محافظ البصرة الذي ترفع كتلته شعار “المواطن” يعلم جيداً أن هؤلاء الذين سفك دماءهم في شهر الصيام قد أرسلوا أبناءهم لجبهات النار المشتعلة مع “داعش”، دون أن يخطر لهم، في بال أبداً، أنهم بذلك يتركون ظهورهم مكشوفة لداعش أخرى تستوطن الدار. بل إن هذا المحافظ، وأشخاصاً كثيرين ينتمون لكتلته هم تحديداً من سكّ القانون الانتهازي القاضي بعدم السماح بأي سلوك يزعج التركيز على جبهة النار الشمالية، وقاموا بغطاء منه بالكثير مما أسموه “ضربات استباقية”، ضد خصومهم الفكريين، وبذرائع تافهة، ولا أقول واهية.

إذن، هل يريدون التستر بدخان المعارك لانتاج ديكتاتورية بمقاسات أحذيتهم الضيقة، وهل يريدون للبندقية المصوبة نحو “داعش” أن تعيد التفكير في الموضع الذي يختبئ وراءه العدو؟

واضح جداً أن التعامل بمنطق الرصاص مع الصدور العارية المتلظية بحرارة الشمس وحرارة الحقوق المستباحة لن يشحذ الحماسة في خطوط النار، ولن يخدم فكرة التركيز على صورة واحدة للعدو، فعلى الدولة أن تلتفت إلى أن البعض في الجنوب يستثمر السماء الملبدة لتصفية حسابات قديمة، من جهة، ولتحقيق مكاسب لطالما فشل في تحقيقها بالطرق المشروعة من جهة أخرى. بل إن ما يجري يمثل “فتنة” بالمعنى الكامل للكلمة، وزيت يصب بالمجان في ماكنة أعداء الوطن.