واهمٌ من يظن أن هذه المشاريع الجهادية التي تتبناها التنظيمات الإرهابية, هي ناتجة من فراغ أو خواء فكري, لأن الحقيقة تثبت أن للتنظريات الفكرية والعقائدية التي وضعها قدماء العقائديين المسلمين المتشددين, مثل أبو الحسن الماوردي, والذي الف كتابي:أدب الدنيا والدين, الأحكام السلطانية؛ وأبو المعالي الجويني؛ والمعاصرين منهم, كحسن البنا, وسيد قطب؛ قد كان لها أثرا كبيرا عندهم, حيث أنهم حاولو توظيفها والإستفادة منها بعد تحديثها؛ وقد نزلت على شكل أسس مستحدثة في كتاب صدر عن ما يسمى بـ” وزارة الهيئات الشرعية” في دولة العراق الإسلامية, في أوائل يناير عام 2007, تحت عنوان ” إعلام الأنام, بميلاد دولة الإسلام”, وهو يعد من البيانات المهمة التي صدرت عن جناح الزرقاوي للجهاديين , كما يذكر ذلك الباحث العراقي الأستاذ نبراس الكاظمي, في بحثه المنشور بعنوان (المحاولة الجهادية لإحياء الخلافة).
هذا الترابط الفكري- العقائدي, مكن ادعياء هذه التنظيمات من انتاج مشاهد الذبح والسبي والمقابر الجماعية, في كل منطقة سيطروا عليها، ومكنهم ذلك من تطوير التنظيم ومن ورائه تلك الأفكار والآليات, لاجتذاب وتجنيد المزيد من المقاتلين من مختلف أنحاء العالم، تحت تأثير شعارات براقة مثل «دولة العدل» و«دولة الخلافة» و«الانتصار للمظلومين» !
إن التوجه المعاكس, أو المضاد, الذي يدعو الى الإقتصار على أساليب الردع العسكري في العراق, في عملية التصدي للوجود الإرهابي العقائدي لهذه التنظيمات, دون دمجها مع عمليات التصدي الفكري لها؛ سيساعد على إبقاء جذوة هذه التنظيمات متقدة في نفوس أكثر أصحابها المغرر بهم, بل والعكس سيحصل, أي أن الإستخدام المفرط للقوة العسكرية, دون أن يرافقه معالجات عملية للفكر السرطاني لهذه التنظيمات, سيقود بالنتيجة الى بقائه كالنار تحت الرماد, يشتعل بين فترة وأخرى مع إيجاد الظروف الملائمة لذلك؛ خاصة وأن الفكر الجهادي المتطرف لهذه المجموعات, ينطلق من رؤيا تقديس المجاهدين بدرجة, تجعلهم أعلى منزلة من علماء الدين القاعدين, وهذا الأمر ألهم الحماس, لكل المغرر بهم من الشباب للإلتحاق بهذا الركب (الرباني) !
في رأيي المتواضع, هناك مؤسستان مهمتان يمكن العمل عليهما وتقويتهما وتأييدهما, لكي يكونا كمصدات ردع فكرية وثقافية وتوعوية, ضد هذ الفكر, بل ولتهديمه أيضا, وإزالة تطرفه الفكري والممارساتي, وهما مؤسستين مهمتين متخصصتين بهذا المجال, ألا وهما : الحوزة الدينية والمؤسسات الدينية الثقافية والتوعوية في العراق والعالم الإسلامي؛ والثانية هي أقسام الفلسفة في كليات وجامعات العراق؛ فهاتان المؤسستان, هما الوحيدتان- في رأيي- اللتان تملكان الأدوات الصحيحة والقوية, القادرة على الوقوف بوجه هذا الفكر المتطرف, والقضاء على أسسه الفكرية العقائدية, على أن يكون ذلك متزامناً مع العمل العسكري المسلح ضد هذه التنظيمات …. والله أعلم .
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.