22 ديسمبر، 2024 6:10 م

داعش إساءة للدّين والقيم الإنسانية

داعش إساءة للدّين والقيم الإنسانية

تمْثل “داعش” بكونها الممارسة العملية للفكر الظلامي؛ والعقيدة الدينية المُزّيفة للتاريخ والمغالطة لحقيقة الدين الإسلامي، وأكثر تعد بكونها “اللعبة الدينية” في الحقل السياسي العربي، فبمجرد الملاحظة والمشاهدة الاستقرائية للمسّار العنْيف الذي لجأت إليه داعش في ممارسة ثقافة القتل والارهاب واستباحة الحرمات وهدم العتبات ومساطحه الأثار ودور العبادة وتسوية المعالم الأثرية مع الأرض يتبين لنا صورة “الكاوبوي الإسلاموية” والثقافة “البدوية” لهذا التنظيم الذي يُريد العودة بنا إلى العربة والحصان، وحياة التقشف والعيش “أجلافاً” في العراء مع الكلاب السائبة والذئاب النافقة، لا يحكمنا إلا “شريعة الغاب” وكأننا لا نستحق الحياة والعيش في فكر هذا التنظيم المسيء للإسلام قبل كل شيء ودون أي شيء؛ إذ ما من شيء أعز وأغلى من الإسلام بالنسبة للعرب والمسلمين.
   فداعش بفعلها ومُمارستها اللا أخلاقية هي ليست إلا أحد العناوين التي تنتمي إلى عائلة “الظاهرة الدينية”، أو “المدّ الإسلامي” أو “الراديكالية الدينية”، فهي ليست أكثر من تيار ديني راديكالي يحمل نزعة عدوانية متطرّفة يُريد حكم الناس بالحديد والنار من خلال النصوص الدينية القطعية الدلالة وغير القابلة للمراجعة أو إعادة التفسير، فتعتمد على مفاهيم شائهه أقرب للوهم و”الفنتازيا” تُريد أنْ تحكم العالم باسم الله، وهم يحملون نزعة الكراهية والحقد لكل ما هو مدني ودنيوي وعصروي، يخرجون إلينا بثقافة دينية تعود لعصر الكهوف المظلمة، يحاولون تطبيق النْص بالحذافير دون مراعاة الواقع، ودون مراعاة مفهوم إننا نعيش في عصر اللحظة وعصر التقانة والسرعة والعولمة بكل تفاصيها وانساقها المتعددة؛ سواء مانعنا العولمة أو قبلنا شروطها.
   أنْ داعش اليوم هي الفكر الديني للتكفير والظلام والقتل، أبنة كريمة “للظاهرة الإسلامية” وزوجة عفيفة “للراديكالية الغربية”، ولدت من خاصرة الفكر الديني للإسلام السياسي، ورضعت من ثدّي “الأصولية الدينية” حليب مُنمْقاً كامل الدسم (!)؛ كان قابلتها المأذونة سيّد قُطب، و”معالم في الطريق” هو قُرآنهم الجديد!!
  بل إنْ داعش هي جزء حيّ منْ “الحركية الإسلاموية” المعاصرة تخطو خطوة أخرى في اتجاه ترّسيخ معنى الإسلام الطقسي الشعائري المختزل إلى مجرد شعارات ايديولوجية وعلامات فجة على الهوية الاجتماعية _ الثقافية؛ وكملجأ يُلاذ به وكوسيلة من أجل عملية الاحتجاج السياسي والمطالب السياسية؛ ولن يكون أكثر من احتجاج أهوج مُرّشح لسقوطه المرتقب، تحاول أنْ تمثل نفسها لجماعة دينية فتفشل في ذلك؛ فالقوة لن تولد إلا “رّدة فعل”؛ وهو ما نشهده بالقريب العاجل من انفراط الناس من عقد الطاعة بهذه الجماعات التي تحاصر الناس بالتهديد وتُمسك بهم “من أيديهم التي توجعهم”؛ لئلا ينشقوا عن نسق عقيدتهم؛ أو يهز سروايل مخاوفهم من الداخل.
   وأنْ أبناءها وقادتها هم جنود الله الفارين والهاربين، دستورهم ليس القرآن _ كما يفهّم البعض _؛ بل إنْ دستورهم هو كُتيب “معالم في الطريق” لسيد قطب الأصولي وعراب الأصولية الدينية في العالم العربي الذي أصبح إلاه التيارات الإسلامية الراديكالية ومرّجعهم الروحي والديني، بمعنى إنْ داعش هي ليست وليدة الإسلام الرسوّلي كما تدعي هي ذلك، بل هي وليدة الإرهاصات التي خلفتها الحركية الإسلامية بعد تلقيهّا “دروساً خصوصية” في التضليل والتلفيق والتزّييف، وحياكة المؤامرات تحت مراقبة واساتذة أجانب من الغرب المعادي للعرب والمسلمين، أي إنها عبارة عن مُخطط أمريكي _ غربي رعته الماسونية وباركته الإسرائيليات ليجد له مدخلاً في حياتنا ومجتمعاتنا المعاصرة وتقوية عُوُدَهِ والزّج به في ساحات القتال على إنه هو الدين الحقيقي، واعتبار المقاتلين هم جنود الله، وما يمارسونه هو الجهاد، أي جهاد (!!)؛ انهم يوهمون الناس بأنه جهاد منزل في القرآن؛ صحيح إنه نص قرآني لكنه نُزل آيات الجهاد ضد الكفار والمشركين، ونحن مسلمين من قلب الإسلام ومعدنه، فكيف يزورون التاريخ القُرآني ويلفقون الآيات ويتلاعبون بالتنزّيل ويؤولون التأويل تساوقاً مع رغباتهم ومشاريعهم الوهمية، فهم بهذا السيّاق والنهج الإرهابي أكثر من أفصح عن نظرية الفوضى الخلاقة التي قدمها يهود أمريكا وماسونية العالم، وأكثر من ترجم مقررات سايكس بيكو الجديدة بما فيها نشر الفتنة الطائفية بين أطيّاف الوطن وتقسيمه إلى ملل ونحل وأقاليم متصارعة، ومن ثم فالطائفية هي العمود الفقري الذي تستقيم عليه العقيدة الدينية الإرهابية لداعش.
  وبالتالي فـ “داعش” لا تُمثل إلا نفسها ومُحيّطها الذي يضيّق كل يوم وينحصر في جغرافيا تؤبن ذاتها، وعقول تحلم بمياه أرخبيل للحقيقة عن طريق الوَعَي الجَمْعي للجماهير المغلوب على أمرها _ والتي لن تصمد كثيراً أمام موّجة الإرهاب والتطرّف _؛ ولا تعبر إلا عن صورة الفكر الظلامي الدامي الذي يسعى بعوّدتنا الجاهلية البدوية وعصر “وئد البنات” وأكل خشخاش الأرض ولبس أوراق الشجر؛ من خلال الحنين إلى الماضي أو التوّق إلى أصولية الدينية تُعيدها إلى الواجهة بعد سقوطهّا الأخلاقي والسياسي المدّوي!!